الاكثر قراءةدراساتغير مصنف
البرلمان الليبي: تعددية القيادة والتجزئة المؤسسية

بقلم: الباحث عادل الصابر بوعجيلة
منذ اندلاع ثورة 17 شباط 2011، شهدت ليبيا مرحلة استثنائية من التحولات المتسارعة، التي أعادت تشكيل بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فقد أدى سقوط النظام السابق إلى تفكك المؤسسات التقليدية، وبرزت الحاجة الملحّة لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس ديمقراطية تتوافق مع تطلعات الشعب الليبي. ومع ذلك، لم يكن هذا التحول سهلاً، إذ ترافق مع فجوات كبيرة في الهياكل السياسية، وزيادة التوترات الاجتماعية، وضعف القدرة المؤسسية على إدارة شؤون الدولة، ما جعل البلاد عرضة لأزمات متعددة الأبعاد منذ اللحظة الأولى عشية الثورة.
فوصلت فيها ليبيا إلى نقطة حرجة على مستوى المؤسسات التشريعية، إذ أصبح المشهد السياسي أكثر تعقيدًا وارتباكًا. تميزت هذه الفترة بتفكك مؤسسي حاد، وتعددية قيادية غير منضبطة، أدت إلى تنافس مستمر بين مختلف القوى السياسية على النفوذ والسلطة. وقد انعكس هذا الصراع بشكل واضح على مجلس النواب الليبي، الذي كان يُنظر إليه في البداية كدعامة أساسية لإرساء أسس الحكم بعد الثورة، ولكنه سرعان ما تحول إلى رمز للخلل المؤسسي والشرعية المتنازع عليها نتيجة الانقسامات العميقة بين السيادات المتنافسة والصراعات الداخلية بين مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية. يظهر ذلك من مسار البرلمان الليبي منذ 2012 وحتى اليوم يتضح أن المؤسسة التشريعية لم تعد مجرد مكان لاتخاذ القرارات، بل أصبحت مرآة للصراعات البنيوية في المجتمع الليبي. فهي تعكس التفاعلات بين الإرث التاريخي للسلطة في ليبيا، والانقسامات الاجتماعية القائمة على العشائر والمناطق الجغرافية، والتحديات الاقتصادية المتزايدة التي أعاقت قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية وتحقيق التنمية.
وفي هذا السياق، تحول البرلمان إلى رمز واضح للتوترات الليبية غير المحلول. فقد أصبح البرلمان، بدل أن يكون مجرد مؤسسة تشريعية، أصبح مرآة تعكس حالة الانقسامات والصراعات السياسية والاجتماعية في البلاد. فوجوده وأنشطته يعكسان التوترات العميقة بين القوى المختلفة، وغالبًا ما تدور الأحداث السياسية والخلافات حوله أو داخله، ما يجعله نقطة محورية لفهم الأزمة الوطنية الليبية بعد الثورة.
الدراسات السابقة
ركزت الدراسات الليبية على تحليل دور البرلمان في مرحلة ما بعد الثورة، ومنها:
دراسة العرفي (2016) حول تفكك المؤسسات الليبية، التي ربطت بين الانقسامات الاجتماعية والسياسية وبين ضعف الأداء التشريعي للبرلمان([1]).
دراسة الطرابلسي (2018) حول الشرعية والقيادة في ليبيا، التي أبرزت أثر الانقسامات الإقليمية والعشائرية على ممارسات البرلمان([2]).
دراسة الحميدي (2020) حول دور القوى الدولية في الصراعات السياسية الليبية، وأثر التدخل الخارجي على الاستقرار المؤسسي([3]).
كما تم الاستفادة من الدراسات العربية المقارنة التي تناولت التجارب الانتقالية في تونس ولبنان والعراق، بما في ذلك:
الدليمي (2017) الذي حلل ضعف البرلمان اللبناني في سياق الانقسامات الطائفية والسياسية([4]).
المقري (2019) الذي درس تجربة البرلمان التونسي بعد الثورة، مع التركيز على تحديات الشرعية والقيادة في بيئة انتقالية. غياب الدراسات الشاملة التي تغطي الفترة الممتدة بين 2014-2025، وهي فترة حرجة شهدت استقطابًا مستمرًا وتأثيرات داخلية وخارجية متشابكة([5]).
ولفهم البنية المؤسسية للبرلمان الليبي. وضعف الربط بين التجربة الليبية والتجارب العربية المقارنة، تم التركيز على ما هو متميز وفريد في السياق الليبي، مثل تعددية القيادة وانقسامات السيادات والصراعات العشائرية والجغرافية. فالفجوة البحثية تعالج النقص في الدراسات وتدمج المنهجيات المختلطة (تحليل الخطاب، الشبكات، AGIL) وفي المقابل نعتقد في ندرة الدراسات التي توفر تحليلًا تجريبيًا طويل الأمد للبرلمان، بما يشمل جلساته، التشريعات، والتفاعلات مع الفاعلين المحليين والدوليين.

مشكلة الدراسة
تتشكل مشكلة الدراسة في ليبيا بعد 2014 وذلك لضعف قدرة البرلمان على ممارسة وظائفه التشريعية والتنظيمية بكفاءة وشرعية، نتيجة تداخل مجموعة من العوامل المؤسسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى التأثيرات الإقليمية والدولية. ويبرز هذا الضعف في الأبعاد التالية: تعددية القيادة والانقسامات المؤسسية: أدى الصراع بين السيادات المتنافسة داخل البرلمان وبين البرلمان ومؤسسات الدولة الأخرى إلى غياب تنسيق واضح في صنع القرار، مما أثر على قدرة البرلمان على وضع سياسات متماسكة وتنفيذها. ساهمت الانقسامات الإقليمية والعشائرية في تعقيد السلطة، مما جعل البرلمان مكانًا للصراع أكثر من كونه مؤسسة تشريعية فعّالة. بسبب ضعف الشرعية السياسية للمؤسسة البرلمانية: حيث الاعتراف الشعبي والسياسي من بعض الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين، ما أدى إلى تآكل ثقته كمنصة شرعية لإقرار التشريعات وإدارة الدولة. زد على ذلك تدخل الفاعلين الدوليين والإقليميين مع صعوبة تمرير القوانين الأساسية، وجعل البرلمان مرآة للصراعات وليس أداة فعالة للحكم.
وعلية فإن التحديات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالبيئة الانتقالية: (الانقسامات الاجتماعية القائمة على العشائر والمناطق والجغرافيا) انعكست على البرلمان، ما أضعف دوره في تحقيق الاندماج الاجتماعي والسياسي. بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والخدماتية المستمرة زادت من الضغط على البرلمان وأظهرت محدودية قدرته على التكيف مع الأزمات وتلبية احتياجات المواطنين.
تنطلق هذه الدراسة من غياب الدراسات طويلة المدى والمنهجيات المتكاملة حيث أغلب الدراسات السابقة تناولت البرلمان الليبي في فترات محدودة أو ركزت على بعد واحد (مثل الشرعية أو الصراع)، دون دمج التحليل البنيوي الوظيفي، تحليل الشبكات، وتحليل الخطاب لفهم البرلمان كنظام متكامل. وعدم وجود تحليل مقارن مستمر مع التجارب العربية الأخرى جعل الفجوة البحثية واضحة فيما يتعلق بتحديد الخصوصية الليبية مقابل التحديات المشتركة في المجتمعات الانتقالية.
مشكلة الدراسة في ” غياب فهم شامل وطويل المدى لمسار البرلمان الليبي منذ 2014 إلى 2025، يربط بين تعددية القيادة، الانقسامات المؤسسية، ضعف الشرعية، التحديات الاجتماعية والاقتصادية، والتأثيرات الإقليمية والدولية، مع عدم وجود إطار تحليلي متكامل قادر على تفسير أسباب فشل البرلمان في أداء وظائفه الأساسية وإدارة الأزمات، واستخلاص دروس قابلة للتطبيق لإصلاحه وتعزيز استقرار الدولة “.
الإطار المنهجي
تعتمد الدراسة على منهجية متعددة الأدوات تشمل: التحليل البنيوي الوظيفي باستخدام نموذج AGIL لبارسونز لفهم أبعاد التكامل الوظيفي للبرلمان. تحليل الخطاب لفهم الديناميكيات الرمزية للشرعية والنفوذ. تحليل الشبكات لتحديد العلاقات بين الفاعلين السياسيين الداخليين والخارجيين. دمج نظريات الشرعية (فيبر)، السلطة الشبكية (فوكو)، ونظرية الصراع المؤسسي (بولانتزاس) لتقديم قراءة شاملة للمؤسسة البرلمانية الليبية. مع التركيز على الأحداث الفاعلة والديناميكيات المؤسسية التي حددت تلك الفترة. علاوة على ذلك، يتم وضع التجربة الليبية في سياق تحليل مقارن مع تونس ولبنان والعراق وكينيا، مما يبرز الأبعاد الفريدة والمشتركة لعدم الاستقرار البرلماني في المجتمعات الانتقالية.
تنطلق هذه الدراسة من الفرضية التالية: ” أن مسار البرلمان الليبي بعد 2014 يجسد مخاطر القيادة غير المنسقة، والتعددية، والانقسامات المؤسسية المتجذرة “. هذه الأمراض قوضت القدرة الوظيفية للبرلمان، وشرعيته، وقدرته على التكيف مع بيئة سياسية سريعة التغير.
المفاهيم الرئيسية والنموذج التحليلي
تشمل المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها هذه الدراسة تعددية القيادة، والتجزئة المؤسسية، والشرعية، والقدرة على التكيف.
-
تشير تعددية القيادة إلى تعايش مراكز سلطة متعددة، وغالبا ما تكون متنافسة، داخل نفس المؤسسة- وهي حالة يمكن أن تؤدي بدون تنسيق فعال إلى الشلل والصراع.
-
يشير التفتت المؤسسي إلى تفكك الهياكل الرسمية إلى فصائل متنافسة، أو هيئات موازية، أو شبكات غير رسمية.
-
يفهم الشرعية كحق معترف به اجتماعيا في الحكم.
-
ينما تشير القدرة على التكيف والاستقرار إلى قدرة المؤسسة على إدارة الأزمات والحفاظ على التشغيل الفعال.
يعد نموذج AGIL الخاص ببارسونز أداة تحليلية أساسية، ويتم تفعيله كما يلي: قدرة البرلمان على الاستجابة للتغيرات البيئية (مثل التهديدات الأمنية، التحالفات المتغيرة). القدرة على تحديد وتحقيق الأولويات التشريعية في تحقيق الاهداف.
التكامل والحفاظ على التماسك الداخلي وإدارة الصراعات. زمن الاستجابة في إعادة إنتاج القيم والمعايير والثقافات المؤسسية المشتركة. يسمح تطبيق مخطط (AGIL) بتقييم شامل للنظام الوظيفي للبرلمان الليبي والتفاعل بين الهيكل والوكالة والشرعية.
هدف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى فهم أسباب ومظاهر ونتائج تفكك البرلمان الليبي بعد 2014، مع تقديم مقاربة مقارنة تساعد على استخلاص الدروس من تجارب عربية مشابهة، وإبراز التحديات البنيوية التي تواجه المؤسسات التشريعية في البيئات الانتقالية.
تختتم الدراسة بتوصيات لإعادة تصميم المؤسسات، والإصلاح الإجرائي، وتعزيز بناء القدرات-مستمدة الدروس من الحالات الدولية والأطر النظرية على حد سواء.
لم تعد المؤسسة التشريعية مجرد مكان لاتخاذ القرارات، بل تحولت إلى مركز رمزي للصراعات المستمرة. ومن هنا، فإن دراسة البرلمان الليبي توفر رؤية متكاملة لكيفية تفاعل المؤسسات الرسمية مع الانقسامات البنيوية في المجتمع، وكيف تؤثر هذه الانقسامات على استقرار الدولة ومرونتها في التعامل مع الأزمات.
كما، يظهر البرلمان الليبي ليس فقط كمؤسسة تشريعية، بل كمرآة تعكس التوترات البنيوية والتحديات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الدولة الليبية الحديثة. فهو يمثل نقطة مركزية لفهم طبيعة الصراعات القائمة، ومدى هشاشة البنى المؤسسية، والتحديات التي تواجه عملية إعادة بناء الدولة بعد الثورة. ومن هنا يتيح لنا النظر إلى البرلمان من هذا المنظور فهمًا أعمق لكيفية تأثير الانقسامات الداخلية والخارجية على القدرة المؤسساتية في إدارة الأزمات، وعلى تشكيل السياسات العامة في ليبيا. ومن منظور زمني، يمكن تقسيم مسار البرلمان الليبي إلى ثلاث مراحل رئيسية:
-
مرحلة ما بعد الثورة (2011–2013): شهدت بناء المؤسسات الوطنية وإعادة تشكيل الهياكل السياسية.
-
مرحلة الأزمة السياسية والانقسام المؤسسي (2014–2016): تميزت بانقسامات واضحة وتعددية قيادية داخل البرلمان وخارجه.
-
مرحلة الاستقطاب والانقسامات المستمرة (2017–2025): أصبح البرلمان رمزًا للأزمات السياسية العميقة مع استمرار التأثيرات الداخلية والخارجية على ممارساته وأنشطته.
وبناءً على ما سبق، فإن دراسة البرلمان الليبي منذ ثورة 2011 تعد خطوة أساسية لفهم الأزمة الليبية بشكل شامل، حيث تقدم نافذة لفهم الديناميكيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتشابكة. كما توفر هذه الدراسة إطارًا منهجيًا لاستكشاف كيفية تعامل المؤسسات الرسمية مع الانقسامات البنيوية، وكيفية انعكاس هذه الانقسامات على الاستقرار الوطني وإمكانية تحقيق التنمية المستدامة في البلاد.
وذلك لما شهدته ثورة 2011، كانت ليبيا غارقة في أزمة متعددة الأبعاد أثرت بشكل عميق على هياكلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فمنذ اندلاع الأزمة السياسية في 2014، تميز المشهد التشريعي في ليبيا بتفكك مؤسسي حاد وتعددية قيادية مستمرة.
فقد كانت الفترة التي تلت 2014، تحول البرلمان إلى رمز وموقع للتوترات الليبية غير المحلولة نتيجة لذلك، ظلت الانقسامات المؤسسات السياسية والمجتمع، وظهرت خلافات كبيرة. حول البرلمان، بدل أن يكون مجرد مؤسسة تشريعية، أصبح رمزًا لهذه الأزمة والانقسام، أي أن وجوده أو نشاطه يعكس موقعاً للتوترات العميقة في البلاد. بمعنى أن الأحداث السياسية والصراعات غالبًا ما تدور حوله أو داخله. أي لم يعد فقط مكانًا لاتخاذ القرارات، بل أصبح مرآة للصراعات السياسية والاجتماعية في ليبيا بعد 2014.
الإطار النظري والنماذج التحليلية
المبحث الأول: النهج البنيوي- الوظيفي والمقاربات المؤسسية الحديثة
النهج البنيوية- الوظيفية ونموذج بارسونز
يشكل المنظور البنيوي- الوظيفي أحد أهم المداخل التحليلية التي أثرت حقل العلوم السياسية وعلم الاجتماع السياسي. فقد قدّم تالكوت بارسونز، من خلال كتابه “النظام الاجتماعي” (1951)، تصوراً شاملاً للمجتمعات المعقدة باعتبارها أنظمة يسعى كل منها للحفاظ على توازن وظيفي عبر أربع وظائف أساسية، (التكيف، تحقيق الأهداف، التكامل، التأخير/الحفاظ على الأنماط) وعُرفت لاحقاً باسم نموذج AGIL وتعتبر العمود الفقري والنظري لهذه الدراسة يستند إلى التقليد البنيوي الوظيفي، لا سيما للأنظمة الاجتماعية.
يتصور نهج بارسونز المؤسسات كأنظمة تعاونية موجهة لتحقيق أربع وظائف أساسية، مع خلل في أي بعد قد يؤدي إلى أزمة نظامية (بارسونز، 1951). في سياق البرلمان الليبي، يتيح هذا الإطار تقييما منهجيا للتكيف التشريعي، وتحقيق الأهداف، والاندماج الاجتماعي، والحفاظ على المعايير المؤسسية.
أهمية هذا النموذج في تحليل المؤسسات التشريعية بتشخيص أداء البرلمان الليبي من زاوية التوازن الوظيفي، من خلال: قياس قدرة المؤسسة التشريعية على الاستجابة للتغيرات البيئية، وخاصة التهديدات الأمنية والتحالفات المتقلبة، وهي عناصر طاغية في البيئة الليبية بعد 2014. تحليل تنازع الأهداف بين الكتل والأطراف، وما إذا كانت أهداف البرلمان منسجمة أو متنافرة. تقييم قدرة المؤسسة على الاندماج الداخلي في ظلّ بيئة سياسية قائمة على الانقسام. قياس مستوى إعادة إنتاج المعايير المؤسسية كاحترام اللوائح، التراتبية الإجرائية، واستقرار الجلسات.
وبذلك يصبح نموذج AGIL أداة حيوية لفهم الشلل التشريعي، وتعددية القيادة، والتجزئة المؤسسية التي ظهرت بوضوح بعد انتخابات 2014.
تظهر أهمية هذا النموذج أيضاً في الدراسات المقارنة التي حللت مؤسسات برلمانية في دول انتقالية مثل: العراق 2006-2020 أفغانستان ما بعد 2001 لبنان في مرحلة ما بعد الطائف وهي حالات يظهر فيها أن ضعف الاندماج الداخلي واضطراب الحفاظ على الأنماط يؤديان غالباً إلى تعدد مراكز القيادة داخل المؤسسة نفسها، وهي الظاهرة التي تكرر نفسها في ليبيا.
الشرعية في التصور الفيبري
يمثل ماكس فيبر أحد أهم المنظرين في فهم السلطة والشرعية. ويرى أن الشرعية ليست مجرد حالة قانونية، بل هي إيمان اجتماعي بجدارة النظام السياسي. وقد حدّد ثلاثة أنماط للشرعية: توضحها نظرية ماكس فيبر في الشرعية مصادر واستدامة السلطة السياسية، وتميز بين الأشكال القانونية- العقلانية، والتقليدية، والكاريزمية (ويبر، 1978).
لذا فإن أزمة الشرعية البرلمانية في ليبيا تفسر ليس فقط كمسألة إجرائية أو قانونية، بل كمشكلة عميقة الجذور في الإيمان والاعتراف. كما اطرح ويبر، الشرعية هي الشرط الأساسي للحكم المستقر؛ بدونها، تكون المؤسسات عرضة للتفكك والنزاع والانهيار في نهاية المطاف. ويقدم القوة الشبكية والصراع المؤسسي تصور ميشيل فوكو للسلطة الشبكية عدسة نقدية أخرى، يؤكد على الطابع المشتت والعلاقي وغير السيادي للسلطة داخل المؤسسات الحديثة (فوكو، 1980). يبرز نهج فوكو بشكل خاص في سياقات مثل ليبيا، حيث تتعايش التسلسلات الهرمية الرسمية مع الشبكات غير الرسمية، ومراكز متنافسة لصنع القرار، والتحالفات المتغيرة. وهنا السلطة ليست كيانا أحاديا، بل شبكة من الممارسات والخطابات والترتيبات المادية التي تشكل وتتحدى النظام المؤسسي.
القوة الشبكية والصراع المؤسسي
يضيف نيكوس بولانتزاس بعدا إضافيا بنظريته عن الصراع المؤسسي، التي ترى أجهزة الدولة كساحات للصراع الطبقي والفصائل بدلا من حكام محايدين (بولانتزاس، 1978). تنطبق رؤى بولانتزاس حول إنتاج الشرعيات المتوازية وتجزئة سلطة الدولة بشكل مباشر على الحالة الليبية. تركيزه على الطبيعة النزاعية للمؤسسات يساعد في تفسير استمرار المطالب البرلمانية المتنافسة وانتشار الهيئات التشريعية المتنافسة بعد 2014.
السلطة الشبكية في منظور فوكو
قدّم ميشيل فوكو تصوراً جذرياً للسلطة يبتعد عن فكرة “الحاكم المركزي” . فالسلطة، عند فوكو، ليست شيئاً يمتلكه شخص أو مؤسسة، بل شبكة من العلاقات تتوزع عبر الخطابات، المؤسسات، والإجراءات (Foucault, 1980).
تطبيق على الحالة الليبية تنطبق النظرية الفوكوية على البرلمان الليبي في عدة مستويات: وجود مراكز سلطة غير رسمية داخل البرلمان (لجان، شخصيات نافذة، تحالفات جهوية). النفوذ القوي للشبكات المسلحة والجهوية والاقتصادية على القرارات البرلمانية.
التأثير الخارجي (إقليمي ودولي) الذي يعيد تشكيل خريطة موازين القوى الداخلية. وبذلك يصبح البرلمان الليبي ساحة تتقاطع فيها شبكات السلطة بدلاً من كونه مؤسسة موحدة ذات قرار مركزي.

الصراع المؤسسي عند بولانتزاس
يرى نيكوس بولانتزاس أنّ الدولة ليست كياناً متجانساً، بل هي ميدان صراع بين قوى اجتماعية وطبقية تتجسد داخل المؤسسات نفسها.
انعكاساته على البرلمان الليبي يوضح إطار بولانتزاس التصدعات داخل البرلمان الليبي من خلال:
-
تحول البرلمان من مؤسسة موحدة إلى ساحة صراع بين كتل جهوية وسياسية.
-
ظهور شرعيات متوازية (برلمان طبرق- المؤتمر الوطني- مجلس الدولة).
-
تسييس المؤسسة التشريعية إلى درجة الانقسام الهيكلي.
وهذا يفسر كيف تحولت المؤسسة التشريعية إلى مركز أزمة بدلاً من أن تكون أداة حل للأزمة.
المبحث الثاني: تطبيق نموذج بارسونز
البرلمانات الانتقالية وتعدد القيادة
تسلط الأدبيات حول البرلمانات الانتقالية الضوء على هشاشة الهيئات التشريعية في السياقات ما بعد الاستبداد. غالبا ما ترث هذه المؤسسات انقسامات عميقة الجذور وتواجه تحديات كبيرة في إقامة سلطة فعالة وشرعية (البداوي & المقدسي، 2017، لاشر، 2020). تعددية القيادة، رغم أنها نظريا تساعد على الشمولية والتمثيل، غالبا ما تتدهور إلى انقسامات وجمود عندما لا تستند إلى آليات تنسيق قوية (بوغاردز، 2019). البرلمان الليبي هو مثال نموذجي لهذه الظاهرة: منذ عام 2014، أدى تعايش قادة برلمانيين متعددين وهياكل تشريعية موازية إلى تقويض الوحدة والوظيفة.
تؤكد الدراسات في بيئات مماثلة- مثل مجلس النواب العراقي، والبرلمان الطائفي اللبناني، والجمعية الكنية بعد 2007- الطبيعة ذات الحدين لتعددية القيادة. عندما يتم تأسيس التعددية من خلال اتفاقيات تقاسم السلطة وقواعد إجرائية واضحة، يمكن أن تعزز الاستقرار وإدارة النزاعات (سلامي، 2014، تشيزمان، 2015). ومع ذلك، في غياب مثل هذه الآليات، غالبا ما يؤدي ذلك إلى تفاقم الانقسامات، وتجريد السلطة، ويؤدي إلى انهيار المؤسسات (وولف، 2011).
التجزئة المؤسسية والشرعيات الموازية
التجزئة المؤسسية هو موضوع متكرر في الأدبيات المتعلقة بالمجتمعات الانتقالية. في ليبيا، شهدت فترة ما بعد 2014 ظهور هيئات تشريعية متنافسة مجلس النواب في طبرق والمؤتمر الوطني العام في طرابلس (الذي أصبح لاحقا المجلس الأعلى للدولة) كل منهما يدعي شرعية حصرية (لاشر، 2020). يعكس هذا الانتشار للمؤسسات الموازية ضعف السلطة المركزية والبروز المستمر للهويات الأيديولوجية والقبلية (فاندوال، 2016). تكشف الدراسات المقارنة عن أنماط مماثلة في لبنان والعراق، حيث أدى النزاع إلى إقامة دولة وسيادات مجزأة إلى تعدد من الهيئات التشريعية والتنفيذية (سلامي، 2014، حداد، 2012).
القصور عبر وظائف AGIL يكشف تطبيق نموذج AGIL على البرلمان الليبي عن فشل منهجي في جميع الأبعاد الوظيفية الأربعة:
التكيف: لم ينجح مجلس النواب في التكيف مع البيئة الأمنية والسياسية المتغيرة، وظل معتمدًا على الفاعلين الخارجيين وفشل في الاستجابة بفعالية للتجزئة الداخلية.
تحقيق الأهداف: غالبًا ما كانت الأولويات التشريعية تابعة لمصالح النخب، حيث عجز البرلمان عن إقرار قوانين أساسية أو الإشراف على تشكيل الحكومة. كما أدى الغياب المستمر للانسجام النصاب، والمقاطعات، والاعتصامات إلى تقويض تحقيق الأهداف.
الاندماج: كانت الجهود الرامية إلى الوساطة بين الفصائل المتنافسة (مثل شرق وغرب، علمانيين وإسلاميين) غير كافية باستمرار. وقد أدى انتشار الهيئات البرلمانية الموازية وادعاءات القيادة (بما في ذلك النواب المساعدين ورؤساء اللجان المنافسين) إلى تآكل أي شكل من أشكال التماسك الداخلي.
المجالس المحلية: فشل مجلس النواب في إعادة إنتاج المعايير أو الثقافة المؤسسية المشتركة، حيث كان النواب غالبًا ما يستندون إلى الهويات الإقليمية أو القبلية أو الأيديولوجية على حساب الهوية الوطنية البرلمانية. وقد أعاقت محاولات الإصلاح الإجرائي الشكوك المتبادلة ونقص الثقة.
تعدد القيادة غير المنسق
من السمات المركزية لأزمة البرلمان الليبي ظهور مراكز متعددة للسلطة، غالبًا متنافسة، داخل نفس الهيئة. يوفر الهيكل الرسمي لمجلس النواب رئيسًا ونائبين، لكن في الواقع أدى غياب آليات التنسيق الواضحة إلى صراعات متكررة حول تحديد جدول الأعمال والتمثيل والمفاوضات الخارجية. وقد تم الطعن في قيادة عقيلة صالح مرارًا من قبل نواب من الدوائر الغربية والجنوبية، بالإضافة إلى رؤساء اللجان الذين أعلنوا ادعاءات موازية للتمثيل.
يكشف تحليل الخطاب للنقاشات البرلمانية والبيانات العامة عن صراع مستمر حول الشرعية، حيث تستند كل فئة إلى التفويض القانوني أو الإجرائي أو الشعبي لتبرير موقفها. كما أدى غياب الإجراءات الداخلية المتفق عليها لحل النزاعات إلى تفاقم هذه الصراعات، مما أسفر عن انسحابات متكررة، وجلسات موازية، وبيانات متنافسة.
التجزئة المؤسسية والشرعيات الموازية
شهدت الفترة محل الدراسة ظهور هيئات تشريعية متعددة، كل منها يدعي السلطة الحصرية. بالإضافة إلى مجلس النواب المقيم في طبرق، استمر المؤتمر الوطني العام في طرابلس (لاحقًا المجلس الأعلى للدولة) في العمل، وغالبًا ما يصدر تشريعات مضادة ويتعامل مع السلطات التنفيذية المنافسة. كما ساهم الفاعلون الخارجيون، بمن فيهم الأمم المتحدة ودول أوروبية مع مختلف القوى الاقليمية، في تعقيد المشهد الشرعي من خلال الاعتراف بهيئات مختلفة في أوقات مختلفة (Elbadawi Makdisi, 2017).
يكشف تحليل الشبكات عن شبكة معقدة من التحالفات، حيث غالبًا ما تصطف الفصائل البرلمانية مع رعاة خارجيين أو الجماعات المسلحة محلية. وقد عكست هذه الشبكات الدعمية التجزئة المؤسسية وعززتها، حيث سعى النواب لتعظيم نفوذهم من خلال تحالفات خارج البرلمان. وكانت النتيجة انتشار “الشرعيات الموازية” (Poulantzas, 1978)، دون أن تتمكن أي هيئة من المطالبة بالسلطة المطلقة.

خطاب عقيلة صالح (2014–2025)
تشكل فترة رئاسة عقيلة صالح نموذجًا مصغرًا للأزمة الأوسع. يتميز خطاب صالح بالاستناد إلى الشرعية القانونية، والوحدة الوطنية، والحاجة إلى القيادة الحاسمة. ومع ذلك، غالبًا ما كانت خطبه تخفي واقع الانقسامات المتجذرة والسلطة المتنازع عليها. وقد أعاقت محاولاته السيطرة على الإجراءات التشريعية، وإدارة المفاوضات الخارجية، وتمثيل مجلس النواب دوليًا من قبل النواب المعارضين والقادة المنافسين (Lacher, 2020).
يكشف تحليل خطب صالح عن استراتيجية شرعية متغيرة، تتأرجح بين الحجج القانونية العقلانية (استنادًا إلى التفويض الانتخابي والقواعد الإجرائية) والاستناد إلى السلطة الكاريزمية أو التقليدية (الاستناد إلى الهويات الإقليمية والمصداقية الثورية). وتعكس هذه التقلبات ضعف الهياكل البرلمانية الرسمية وأهمية الشبكات والهويات غير الرسمية.
المقارنة الدولية ودراسات الحالة
تونس: تعددية مدارة وتعلم مؤسسي
تقدم تجربة البرلمان التونسي بعد 2011 حالة مضادة لتعدد القيادة المدارة والتعلم المؤسسي التدريجي. على الرغم من مواجهة مجلس نواب الشعب التونسي انقسامات فصائلية وأيديولوجية، فقد مكنت القواعد الإجرائية الصارمة وترتيبات تقاسم السلطة من إدارة الصراعات بفعالية (Bogaards, 2019). لعب رباعي الحوار الوطني دورًا مهمًا في التوسط في النزاعات، وتعزيز ثقافة التفاوض، والحفاظ على شرعية البرلمان.
تؤكد التجربة التونسية على أهمية آليات التنسيق الواضحة، ووضع القواعد بالتوافق، والقيادة الشاملة. على عكس ليبيا، حيث تحول تعدد القيادة إلى صراع مفتوح، تمكنت تونس من توجيه التعددية نحو المشاركة البناءة، مما حافظ على كل من الوظائف والشرعية.
لبنان: التجزئة المؤسسية والتعددية الطائفية
يمثل البرلمان اللبناني حالة من التعددية المؤسسية، حيث يكرس القانون تقاسم السلطة، لكنه غالبًا ما يؤدي إلى شلل مزمن (Salamey, 2014). أدى الاعتماد على الحصص الطائفية الصارمة إلى استقرار نسبي لكنه تسبب في تعطل متكرر للحكومة والبرلمان. على الرغم من تجنب لبنان الانهيار المؤسسي الكامل كما في ليبيا، إلا أن تجربته تبرز مخاطر التعددية المؤسسية المفرطة دون آليات فعالة للتكيف والإصلاح.
تشير المقارنة مع ليبيا إلى أن التعددية وحدها لا تضمن الاستقرار، بل إن القدرة على الابتكار الإجرائي والقيادة التكيفية هي التي تحدد النتائج. ويقدم لبنان مثالًا تحذيريًا ونموذجًا محتملاً لليبيا فيما يتعلق بإدارة الشرعيات الموازية ضمن إطار برلماني واحد.
العراق: الصراع، وتقاسم السلطة، والتأثير الخارجي
واجه البرلمان العراقي بعد 2003 العديد من الأمراض نفسها التي يعاني منها البرلمان الليبي: تعددية القيادة، التجزئة المؤسسية، والشرعية المتنازع عليها. غالبًا ما تحولت ترتيبات تقاسم السلطة بين الكتل الشيعية والسنية والكردية إلى منافسة صفرية، مع انسحابات متكررة، ومقاطعات، وجلسات تشريعية موازية (Haddad, 2012). لعب الفاعلون الخارجيون- وخاصة إيران والولايات المتحدة وتركيا دورًا كبيرًا في تشكيل الديناميات البرلمانية، وغالبًا ما زادوا الانقسامات الداخلية.
على الرغم من هذه التحديات، تمكن العراق من تحقيق اختراقات دورية، لا سيما من خلال إرساء مؤسسات اتخاذ القرار التوافقي وخلق تحالفات عابرة للطوائف. تشير التجربة العراقية إلى أنه على الرغم من أن الضغوط الخارجية والانقسامات الداخلية تشكل عقبات كبيرة، يمكن إدارتها من خلال الابتكار الإجرائي والقيادة الشاملة.
كينيا: الإصلاح البرلماني بعد الصراع
تبرز تجربة كينيا بعد أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات بين 2007 و2008 إمكانية إصلاح المؤسسات لمعالجة تعددية القيادة والانقسام. ساعد إنشاء قواعد برلمانية جديدة، وإنشاء لجان متعددة الأحزاب، وتعزيز آليات الرقابة في استعادة الوظائف والشرعية (تشيزمان، 2015). استند نجاح كينيا إلى المشاركة الدولية المستمرة، والدفاع القوي في المجتمع المدني، والاستعداد لتكييف الإجراءات المؤسسية مع الظروف المتغيرة.
تظهر الحالة الكينية أهمية وضوح الإجراءات والدعم الخارجي وبناء القدرات في إدارة انتقالات البرلمان. بالنسبة لليبيا، الدرس واضح: بدون مثل هذه الإصلاحات، من المرجح أن تؤدي تعددية القيادة إلى الصراع أكثر من التعاون.
تتقاطع القضايا الدولية التي تم مراجعتها هنا على عدة دروس رئيسية:
-
التنسيق المؤسسي: تتطلب الإدارة الفعالة لتعددية القيادة قواعد إجرائية واضحة، وآليات تقاسم السلطة، وعمليات حل النزاعات.
-
القيادة الشاملة: يمكن أن تكون التعددية مصدرا للقوة إذا تم استغلالها من خلال القيادة الشاملة واتخاذ قرارات توافقية.
-
القدرة التكيفية: يجب أن تكون المؤسسات قادرة على التكيف مع البيئات السياسية المتغيرة، وتتعلم من الإخفاقات الداخلية والنماذج الخارجية.
-
الخصوصية السياقية: لا يوجد حل واحد يناسب الجميع؛ كل سياق يتطلب إصلاحات مصممة خصيصا بناء على الواقع المحلي والإرث التاريخي.
تمثل ليبيا حالة متطرفة من التجزئة المؤسسية، لكن تجربتها ليست فريدة من نوعها. التحديات التي يواجهها تنعكس بدرجات متفاوتة في مجتمعات انتقالية أخرى. وبالتالي، يوفر التحليل المقارن قصصا تحذيرية ومسارات محتملة للإصلاح.
النتائج
تتبعت هذه الدراسة تطور البرلمان الليبي من 2014 إلى 2025، مبرزا التفاعل بين تعددية القيادة، والتجزئة المؤسسية، والشرعية المتنازع عليها. وبالاعتماد على البنيوية- الوظيفية، ونظرية الشرعية، والسلطة الشبكية، ونظرية الصراع المؤسسي، فقد كشف التحليل عن صورة للخلل الوظيفي: الفشل المنهجي للبرلمان في أداء وظائفه الأساسية، وانتشار مطالب القيادة المتنافسة، وتآكل كل من التماسك الداخلي والشرعية الخارجية.
يظهر تطبيق نموذج AGIL أن مجلس النواب الليبي فشل في التكيف مع بيئته، أو تحقيق الأهداف التشريعية، أو دمج الفصائل المتنافسة، أو الحفاظ على المعايير المشتركة. وبدلا من أن تعزز التعددية القيادية، لم تعزز الشمولية أو الاستقرار، أصبحت مصدرا للصراع والشلل في غياب آليات تنسيق فعالة. كان التجزئة المؤسسية سببا ونتيجة لهذه الديناميكيات، مما أنتج مشهدا من الشرعيات الموازية والسيادات المتنازع عليها.
يؤكد التحليل المقارن مع تونس ولبنان والعراق وكينيا على مركزية التنسيق المؤسسي، والقيادة التكيفية، والابتكار الإجرائي في إدارة الانتقالات البرلمانية. التجربة الليبية، رغم تطرفها، مفيدة لكل من العلماء والممارسين المهتمين بحكم ما بعد الصراع وتوحيد الديمقراطية.
التوصيات
في ضوء النتائج، يوصى باتخاذ عدة خطوات عملية لمعالجة الاختلالات في البرلمان الليبي:
وضع آليات تنسيق واضحة: صياغة إجراءات التنسيق بين رئيس المجلس، ونواب الرئيس، ورؤساء اللجان. قد يشمل ذلك إنشاء مجلس قيادة برلماني مكلف بوضع جدول الأعمال، وحل النزاعات، والتمثيل الخارجي.
تعديل القواعد والإجراءات الداخلية: مراجعة اللوائح الداخلية للبرلمان لتوضيح توزيع الصلاحيات، وتوفير آليات شفافة للمساءلة. يجب أن يشمل ذلك إجراءات واضحة لحل النزاعات، وإدارة الإضرابات، وضمان النصاب القانوني.
تعزيز بناء القدرات والقيم المشتركة: الاستثمار في برامج تدريبية للنواب، مع التركيز على الإجراءات البرلمانية، وإدارة النزاعات، وتنمية القيم المؤسسية المشتركة. برامج التبادل مع برلمانات أكثر استقرارا مثل (تونس، كينيا) يمكن أن توفر نماذج قيمة وأفضل الممارسات.
تعزيز المشاركة الخارجية: الانخراط بشكل بناء مع الشركاء الدوليين، مستفيدا من المساعدة الفنية ودعم الوساطة لتسهيل الإصلاح المؤسسي. ومع ذلك، يجب توخي الحذر لضمان ألا يؤدي التدخل الخارجي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية أو تقويض الملكية المحلية.
تعزيز القيادة الشاملة: تشجيع تطوير تحالفات عابرة للأقاليم وعبر الأيديولوجية داخل البرلمان، وتعزيز ثقافة التفاوض والتسوية على حساب المنافسة صفرية.
مراقبة وتقييم الإصلاحات: إنشاء آليات للمراقبة والتقييم المستمر للإصلاحات البرلمانية، بمشاركة المجتمع المدني والخبراء الأكاديميين والشركاء الدوليين.
الاستنتاجات
يقدم مسار البرلمان الليبي بعد 2014 مثالا مقلقا لمخاطر القيادة غير المنسقة، والتعددية العددية، والانقسامات المؤسسية المتجذرة. رغم أن التحديات هائلة، إلا أنها ليست مستحيلة. استنادا إلى رؤى نظرية ودروس مقارنة، وضعت هذه الدراسة خارطة طريق للإصلاح المؤسسي، والابتكار الإجرائي، وبناء القدرات. يعتمد مستقبل الحكم الليبي على استعداد قادتها وشركائهم الدوليين لاغتنام هذه الفرصة للتجديد.
المصادر
-
بوغاردز، م. (2019). تقاسم السلطة في أفريقيا: آفاق الديمقراطية التساقطية. في د. ز. كاسايجا وس. ك. نديغوا (محرران)، الانتخابات والديمقراطية في أفريقيا (ص. 45–68). روتليدج.
-
تشيزمان، ن. (2015). الديمقراطية في أفريقيا: النجاحات، الإخفاقات، والنضال من أجل الإصلاح السياسي. دار نشر جامعة كامبريدج.
-
البداوي، إ.، & مقديسي، س. (2017). شرح الربيع العربي: الاتجاهات طويلة الأمد والمحفزات قصيرة المدى. التنمية العالمية، 107، 449–469.
-
فوكو، م. (1980). القوة/المعرفة: مقابلات مختارة وكتابات أخرى، 1972–1977 (محرر سي. جوردون). الهه.
-
حداد، ف. (2012). الطائفية في العراق: رؤى معادية للوحدة. دار نشر جامعة أكسفورد.
-
لاشر، و. (2020). تفكك ليبيا: البنية والعملية في الصراع العنيف. آي. بي. توريس.
-
بارسونز، ت. (1951). النظام الاجتماعي. فري برس.
-
بولانتزاس، ن. (1978). الدولة، السلطة، الاشتراكية.
-
سلامي، إ. (2014). حكومة وسياسة لبنان. روتليدج.
-
فانديوال، د. (2016). تاريخ ليبيا الحديثة (الطبعة الثانية). دار نشر جامعة كامبريدج.
-
ويبر، م. (1978). الاقتصاد والمجتمع: مخطط لعلم الاجتماع التفسيري (تحرير ج. روث وسي. ويتيش). دار نشر جامعة كاليفورنيا.
-
وولف، س. (2011). تقاسم السلطة بعد الصراع: المؤسسات والنتائج. في م. بيردال ود. زاوم (محررون)، الاقتصاد السياسي لبناء الدولة: السلطة بعد السلام (ص. 77–92). روتليدج.
([1]) العرفي، محمد (2016). تفكك المؤسسات الليبية بعد 2011. مجلة العلوم السياسية، جامعة بنغازي.
([2]) الطرابلسي، سامي (2018). الشرعية والقيادة في ليبيا. مركز دراسات المغرب العربي.
([3]) الحميدي، عادل (2020). التدخل الدولي والاستقرار المؤسسي في ليبيا. مجلة البحوث السياسية، طرابلس.
([4]) الدليمي، حسين (2017). البرلمان اللبناني والانقسام الطائفي. مجلة دراسات (الشرق الأوسط)، بيروت.
([5]) المقري، عبدالسلام (2019). البرلمان التونسي بعد الثورة: الشرعية والقيادة. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة.



