الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
الطائفية السياسية في العراق: التحول من التمظهر الى المأسسة بعد انتخابات 2025

بقلم: أ.د. سعد السعيدي
مدير مركز حمورابي للبحوث والدراسات السياسية
باعلان بيان صدر اليوم الأحد عن الأحزاب والتحالفات السنية الفائزة في الانتخابات، أن قادتها عقدوا اجتماعاً موسعاً في بغداد بدعوة من خميس الخنجر رئيس تحالف السيادة، لمناقشة التحديات السياسية التي تواجه البلاد في “هذه المرحلة المفصلية”، والتطورات المرتبطة بمحافظاتهم بشكل خاص، فأن القوى السياسية العراقية تستكمل مساعيها لتأسيس اطر سياسية رسمية للمكونات الطائفية حاكمة لحركتها السياسية من عقد تحالفات او ترشيح لشخصيات معينة لشغل مناصب محددة او لبلورة رؤى خاصة في مجال ادارة الدولة
حيث ذكر البيان أن الاجتماع شارك فيه قادة حزب تقدم، وحزب عزم، وتحالف السيادة، وتحالف حسم الوطني، وحزب الجماهير، و ناقشوا “مختلف التطورات السياسية”، ووقفوا على طبيعة التحديات القائمة، مؤكدين “أهمية توحيد الجهود والعمل برؤية مشتركة للحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي، وضمان الحقوق الدستورية، وتعزيز التمثيل في مؤسسات الدولة”.
وقد اتفق المجتمعون الذين يشكلون كل القوى السنية بعدد يقترب من 75 عضو على تشكيل “المجلس السياسي الوطني” بوصفه “المظلّة الجامعة” ( للقوى السنية ) التي تنسق المواقف وتوحّد الرؤى والقرارات تجاه الملفات الوطنية الكبرى، بما “يعزّز العمل المشترك بين القيادات والكتل السياسية ويرتقي بالأداء السياسي عبر اجتماعاته الدورية طيلة الدورة النيابية والانفتاح على الشركاء”.
وبغض النظر عن الاستمرار بسرد الفقرات التي تضمنها بيان القوى السنية التي تحمل الكثير من الجمل ذات الطابع الوحدوي الداعي الى نبذ الفرقة والتمسك بوحدة واستقرار البلد والتمسك بالثوابت الوطنية وحماية المكونات دون تمييز الا ان دوافع البيان ونتائجة تبدوا واضحة جدا الا وهي انشاء مؤسسة سنية تنسيقية تشبه مؤسسة الاطار التنسيقي الشيعي من حيث الهدف والبناء التنظيمي.
وهذا يشير بشكل واضح الى ان ما يعلنه البعض من القوى السياسية السنية او الشيعية على انها قوى سياسية عابرة للطوائف والمذاهب والقوميات باعتبارها قوى مدنية تتخطى قيد الدين والطائفة الى حيث الفضاء الواسع للوطن والمواطن، مجرد شعارات يائسة ليس لها اساس على ارض الواقع في ضل جو سياسي طائفي مستعر ومستمر ويتعزز لن تهدأ ناره ولن ينجو احد من التأثر به والانسياق وراءه.
بهذا الاعلان لتأسيس اطار سني وما سبقه بايام عندما تم اعادة العمل بالاطار التنسيقي الشيعي لم يعد باستطاعة اي حزب او تحالف او حركة سياسية سنية او شيعية التملص او التبرأ من القيد الطائفي كعامل حاسم ووحيد في تحديد الخيارات والاولويات السياسية في العملية الانتخابية وما يتلوها من قرارات، فالكل بات يخضع لمنطق الطائفة السياسية والهوية المذهبية وقراراها المصيري، ولم يعد لمنطق الهوية الوطنية اي دور في تشكيل وترتيب الاولويات الخاصة بالبرامج الانتخابية ولا بتحديد خيارات الناخبين ولا بتوجهات وتحالفات القوى الفائزة ولا بتقارب الرؤى بين القوى العابرة للطائفية، فهذا امر اصبح من الماضي ولم يعد يشغل اي حيز في العملية السياسية.
فهناك وبشكل واضح قوى سياسية شيعية واهداف ورؤى ومصالح وتوجهات وتحالفات وولاءات شيعية خاصة، وهناك قوى سياسية سنية واهداف ورؤى ومصالح وتوجهات وتحالفات وولاءات سنية خاصة، ويجب ان تتأطر هذه التفاصيل بمؤسسات تشرعن لها وتجعل منها ثوابت في العمل السياسي العراقي وتبرر لها اصرارها على العزل الصارم بين فئات المجتمع العراقي على اسس سياسية- طائفية، حيث لم يعد بالامكان لاي حزب او تحالف سياسي مهما على شأنه او كثرت مقاعده في البرلمان و حصل على اصوات كثيرة ان يقرر ماذا يريد سياسيا او مع من يتحالف او يتقارب، بل يجب ان ينخرط مجبرا وبسبب تحولات العملية السياسية- الانتخابية بشكل مباشر تحت ظل اطاره التنسيقي الشيعي او مجلسه السياسي السني.
لقد تحولت الطائفية السياسية في العراق من مجرد عرف وصيغة توافقية هشة لعبور مرحلة خطرة ومضطربة امنيا وسياسيا من تاريخ العراق الجديد في بداية الامر الى امر حتمي محكوم بمؤسسات سياسية خارج المؤسسات الدستورية طورتها القوى السياسية لتحقيق مصالحها واسقاطها على بيئتها الطائفية بأعتبارها افضل طريقة لتحقيق مصالح الجمهور وفقا لرؤى هذه المؤسسات.
وتستكمل هذه الاطر بالعادة بأطار كردي قومي ليس له هم سوى تحقيق مصالح قومية ثابتة لا علاقة لها بشكل مباشر بالشواغل الوطنية بقدر علاقتها بالشواغل الكردية القومية مما اسهم بتشكيل اطار مؤسسي ثلاثي صارم فرض على القوى والاحزاب السياسية وفرضته على نفسها لتصبح اسيرة هذا المنطق والذي اسهم في ان يجعلها تتناسى الى حد ما الشواغل الوطنية الجامعة التي تنسجم مع منطق الهوية الوطنية العراقية.



