الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
دلالات اتفاقية التعاون الدفاعية المشتركة بين السعودية والولايات المتحدة

بقلم: أ.د. سعد السعيدي
مدير مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
حتى لو ثبت أن اتفاق تطبيع بين (إسرائيل) والسعودية غير قابل للتحقيق في الوقت الحالي، إلّا أنه يبدو بأن واشنطن والرياض تبحثان بشكل منفصل او متصل عن اي صفقة تطبيع عن طرق لتعزيز التعاون العسكري والدفاعي من أجل دفع المصالح المشتركة والاستعداد للتحديات الأمنية المستقبلية.
وفي الوقت الذي يواصل فيه المسؤولون الأمريكيون جهودهم للتوسط (إلى اتفاق) لتطبيع العلاقات بين (إسرائيل) والسعودية لا تزال عقارب الساعة تدق بشأن أحد أهم النتائج الثانوية المحتملة لهذا التطبيع، وهو إبرام اتفاق دفاعي رسمي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، لا نتوقع أن يكون توسيع التعاون العسكري والدفاعي مع السعوديين مقيداً بالجدول الزمني المضغوط والنتيجة غير المؤكدة لمحادثات التطبيع الحالية- فهناك الكثير مما يمكن للدولتين القيام به في إطار هذا النقاش وخارجه لتعزيز قواعدهما الصناعية الدفاعية وترسيخ فكرة ان تتحول السعودية الى مركز إقليمي لعمليات الدفاع الجوي والصاروخي.
التطور التاريخي للتعاون العسكري الامريكي- السعودي
بدأ التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والسعودية ببناء “مطار الظهران” (“قاعدة الملك عبد العزيز الجوية” حالياً) بموجب اتفاقية أُبرِمت في عام 1945، في البداية لأغراض لوجستية أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم كقاعدة استراتيجية للحرب الباردة. وفي الثمانينيات، تعاون البلدان لدعم المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفييتي. وفي وقت لاحق، تعاونا لاحتواء عراق صدام حسين ونشاط إيران في المنطقة.
وعلى مر العقود، نمت هذه الشراكة لتشمل مجموعة واسعة من التدريبات العسكرية والمناورات الجوية. لتعزيز القدرات التي تُجرى بانتظام في الولايات المتحدة مع التركيز على التدريب المتقدم على القتال الجوي، وتركز على التشغيل البيني المشترك متعدد المجالات. وتدمج تدريبات أخرى مثل مواجهة الطائرات المسيرة ودمج التقنيات الناشئة في سيناريوهات العالم الحقيقي، مما يوفر فرص تعلّم أساسية للقوات المسلحة.
لطالما كانت الولايات المتحدة المصدر الرئيسي للسعودية في مجال الأسلحة والتدريب والدعم، كما أن تعزيز هذه العلاقة أمر بالغ الأهمية للتطور التكنولوجي والجاهزية العملياتية للقوات المسلحة السعودية فهي أكبر عميل “للمبيعات العسكرية الخارجية” للولايات المتحدة، حيث يبلغ حجم برنامج هذه “المبيعات” 140 مليار دولار.
كما وافقت الولايات المتحدة على خطة السعودية 2030 التي تقضي بتصنيع 50% من متطلباتها العسكرية داخل السعودية نفسها عبر الزام شركات الدفاع الأجنبية بفتح مكاتب داخل المملكة أو إقامة شراكات مع شركات محلية. وقد استجابت شركة “بوينغ” بالفعل لهذه الدعوة من خلال توقيعها على مشروع مشترك لصيانة الطائرات مع “الشركة السعودية للصناعات العسكرية”، ليشمل “ليس فقط الاستدامة، بل أيضاً التصنيع والتدريب والهندسة والبحث والتطوير”. وبالمثل، اقامت شركة “لوكهيد مارتن” شراكة سعودية لإنتاج مكونات لنظام “الدفاع الصاروخي للمناطق المرتفعة” (“ثاد”). وتستكشف شركة “آر تي إكس”، صانعة نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت” وحاليا يتم تصنيع واختبار عدد من المكونات الرئيسية… مع “الشركة السعودية للصناعات العسكرية”.
وعلى الرغم من أن هذه الشراكات الصناعية تضيف المرونة والتكرار إلى القاعدة الصناعية، إلا أنها لا تقدم الكثير من أجل الابتكار لأنها تقوم على أنظمة قائمة. ويتطلب الابتكار الاستثمار في التقنيات الجديدة والشركات الأصغر حجماً. ويُجسد التحالف الأمني الأمريكي مع أستراليا وبريطانيا، “أوكوس”، الكيفية التي يمكن بموجبها للاستثمار الأجنبي أن يحفز الابتكار ففي “قانون تفويض الدفاع الوطني” للسنة المالية 2024، ادرج الكونغرس الأمريكي أحكاماً جديدة تسمح لشركات الدفاع الأمريكية بمعاملة التمويل الأسترالي والبريطاني بالطريقة نفسها التي تُعامل بها مصادر الإيرادات المحلية.
إن الموافقة على هذا الترتيب مع المملكة العربية السعودية أمر غير مرجح على المدى القريب، ولكن من الممكن التوصل إلى ترتيب مماثل وأكثر دقة إذا أظهرت مصداقية اكبر في تبني الرؤية الامريكية لاعالمية والاقليمية بما فيها طريقة التعامل مع ايران و(اسرائيل) وتجنب التعاون الأمني مع الصين. وزيادة حجم الاستثمارالسعودي في السوق الامريكية الذي يزيد من حجم الوظائف الامريكية وعلى وجه الخصوص الاستثمار السعودي في الطاقة المتجددة والذكاء الصناعي و التقنيات الامريكية الجديدة لهزيمة الطائرات المسيّرة الصغيرة.

عودة القوات الأمريكية إلى السعودية
على الرغم من عدم تمركز أعداد كبيرة من القوات الأمريكية بشكل رسمي أو دائم في السعودية، إلا أن الجيش الأمريكي حافظ على وجوده في المملكة لعقود من الزمن. فخلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان هناك جنود أمريكيون لدعم مبيعات الأسلحة ومهام التدريب. وخلال “حرب الخليج” عام 1991، تم نشر ما يصل إلى 550 ألف جندي هناك للمساعدة في تحرير الكويت. وفي الفترة ما بين عامي 1991 و2003، تم نشر ما يقرب من 5000 جندي أمريكي- معظمهم من “سلاح الجو الأمريكي”- في المملكة لفرض منطقة حظر الطيران الجنوبية فوق العراق.
وفي عام 2003، وبناءً على طلب الرياض، سحب الجيش الأمريكي أفراده وطائراته المقاتلة من “قاعدة الامير سلطان الجوية التي أصبحت المركز الرئيسي لعمليات منطقة الحظر الجوي، ونقَلَ مركز العمليات الجوية الإقليمية “للقيادة المركزية الأمريكية” إلى “قاعدة العديد الجوية” في قطر. وقد استلزم ذلك سحب جميع القوات الأمريكية تقريباً من السعودية باستثناء تلك المشاركة في “المبيعات العسكرية الخارجية” والتدريب. وقد بررت السعودية هذه الخطوة علناً بالإشارة إلى أن العراق لم يعد يشكل تهديداً بعد الإطاحة بصدام. وفي الواقع، كانت هذه الخطوة استجابة لمخاوف الرياض من ردود الفعل العنيفة في الداخل وسط تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة بعد غزو العراق.
وفي إطار عملية تعزيز العلاقات الأمنية الثنائية، قد يُطلب من الولايات المتحدة احياء وجودها العسكري في السعودية كوسيلة لإظهار التزامها تجاه المملكة. ولكن هذا لا ينبغي أن يتخذ شكل نشر وحدات برية أو طائرات مقاتلة بشكل دائم هناك. وبدلاً من ذلك، فإن تمركز قوات الدعم القتالي وقوات دعم الخدمات- أي المدربين والمستشارين والوحدات المخصصة للأدوار اللوجستية والإمداد والهندسة والاتصالات والأدوار السيبرانية -من شأنه أن يكون بمثابة رمز كافٍ لالتزام الولايات المتحدة. ومن شأن هذا الخيار المحدود أن يستمر في تحقيق الأهداف الأكثر أهمية لقوة أكبر من خلال تعزيز الردع وتحسين قدرة الرياض على دعم مجموعة من خيارات الرد خلال الأزمات.
وقبل يزمين وقعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة عدداً من الاتفاقيات، وذلك خلال القمة السعودية الأمريكية برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، والرئيس دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، التي عقدت في البيت الأبيض، وجرى خلالها استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين الطرفين، والجهود المشتركة لتطوير مستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات، إلى جانب بحث التطورات الإقليمية والدولية، وسبل تعزيز الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي، إضافة إلى عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والجهود المبذولة بشأنها.
وفي ختام القمة وموافقة الولايات المتحدة على بيع طائرات اف 35 بواقع 48 طائرة وبيع 300 دبابة ابرامز محدثة واصول حديثة تتعلق بالدفاع الجوي ومنها مكونات منظومة ثاد ومنظومة باتريوت باك 4، وقع ولي العهد السعودي، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقية الدفاع الاستراتيجي. والتي من اهم بنودها الاتي:
أهداف الاتفاقية الدفاعية بين السعودية والولايات المتحدة:
-
ارساء الامن والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم.
-
دعم جهود المملكة في تطوير صناعاتها العسكرية وتعزيز جاهزية قواتها المسلحة.
-
مأسسة العلاقات بين البلدين وإيجاد أرضية راسخة لمستقبل مُستدام.
-
الارتقاء بمستوى العلاقات العسكرية القائمة مند عقود.
-
رفع مستوى التنسيق والتكامل بين المؤسسات العسكرية في البلدين.
وتؤكد الاتفاقية أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية شريكان أمنيان قادران على العمل المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية، بما يعمّق التنسيق الدفاعي طويل الأجل، ويعزّز قدرات الردع ورفع مستوى الجاهزية، إلى جانب تطوير القدرات الدفاعية وتكاملها بين الطرفين. ويعتبر الامريكيون ان هذه الاتفاقية هي اتفاقية تاريخية تعزز الشراكة الدفاعية التي استمرت لأكثر من 80 عاما وتعزز الردع في جميع أنحاء (الشرق الأوسط).
كما تضع الاتفاقية إطارًا اقوى من الاطر السابقة لشراكة دفاعية مستمرة ومستدامة، تسهم في تعزيز أمن واستقرار البلدين على حد قول المسؤولين الامريكان والسعوديين، عبر اعلان ترامب عن تصنيف المملكة العربية السعودية رسميًا حليفًا رئيسيًا من خارج حلف الناتو والموافقة على صفقات اسلحة ضخمة وحديثة والسماح للسعودية بالوصول الى اعلى انواع الرقائق الالكترونية التي تسهل عمل الذكاء الاصطناعي في الجوانب العسكرية والمدنية.
أن اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسمياً تصنيف السعودية “حليفاً رئيسياً من خارج حلف شمال الأطلسي”، يعني انضمامها إلى الدول التي تحصل على هذا الموقع المتقدم في التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة.
ويعد هذا التصنيف أعلى مستوى من الشراكة الدفاعية التي تمنحه الولايات المتحدة لدولة ليست عضواً في حلف شمال الاطلسي، وهو إطار بدأ الكونغرس اعتماده منذ عام 1987 بموجب المادة 22 من القوانين الأميركية.
ويتيح هذا الوضع للدول الحليفة الحصول على امتيازات متعددة، من بينها الأولوية في اقتناء الأسلحة المتطورة والتقنيات الدفاعية، وإمكانية شراء أو استئجار المعدات الفائضة بأسعار ميسرة، كذلك يسمح بالمشاركة في مشاريع تطوير الأسلحة وبرامج البحث العسكري، إضافة إلى إمكانية تلقي تمويل أميركي لهذه البرامج.
وفي المقابل، يمنح التصنيف لواشنطن تسهيلات تشمل تخزين معدات الطوارئ على الأراضي السعودية، وتعزيز التدريب العسكري المشترك والتعاون الاستخباراتي.
يجسد توقيع الاتفاقية الدفاعية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية عمق العلاقات بين البلدين وحرصهما على تعزيز علاقاتهما الثنائية التاريخية بعيدا عن التاثر سلبا بمواقف الطرفين من المواضيع والقضايا المختلف عليها ومن بينها الحرب على غزة وملف السعودية في حقوق الانسان، وقضايا الأمن والاستقرار والطاقة والتجارة في المنطقة والعالم.
وتربط المملكة والولايات المتحدة الأمريكية علاقات تاريخية وثيقة تمتد لتسعة عقود، تطورت عبرها العلاقات الثنائية إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية”، من خلال حرص قيادتي البلدين على دعم وتعزيز علاقاتهما في كافة المجالات، لا سيما الجانب الأمني والدفاعي وذلك من خلال توقيع “اتفاقية الدفاع الإستراتيجي”، وتعكس هذه الاتفاقية وقوف الدولتين إلى جانب بعضهما البعض بوصفهما حليفين أمنيين بارزين يعملان سوياً لمواجهة التهديدات والتحديات المشتركة.
وتدعم هذه الاتفاقية جهود السعودية بطريقة او باخرى في مجال تطوير صناعاتها العسكرية وتعزيز جاهزية قواتها المسلحة من خلال تنفيذ مجالات التعاون الواردة في الاتفاقية، بما يمكن السعودية من أن تحقق طمحاتها في ان تكون مركزا لوجستيا إقليميا وعالميا للتصنيع والاستدامة.
وتهدف “اتفاقية الدفاع الإستراتيجي” إلى مأسسة هذه العلاقات وإيجاد أرضية راسخة لمستقبل مُستدام لعقود مُقبلة، في إطار سعي السعودية لتعزيز شراكاتها حول العالم بما يخدم المصالح المُشتركة في تحقيق الأمن المشترك، كما وتهدف إلى الارتقاء بمستوى العلاقات العسكرية القائمة مند عقود إلى أعلى مستويات التعاون والتنسيق العسكري المشترك.
وعلى الرغم من اعتبار الطرفين ان اتفاقية الدفاع الإستراتيجي، اتفاقية دفاعية في المقام الأول وان المملكة السعودية تؤمن بأن الدبلوماسية والحوار من جهة وردع الاعتداءات من جهة أخرى يُعدان السبيل الأمثل لحل الخلافات وتجاوزها نحو التعاون بين دول المنطقة والعالم بأسره، الا ان الاصرار على شراء 48 طائرات من طراز اف 35 الاكثر تطورا في العالم يشير الى نية السعودية تعزيز قدراتها الهجومية الجوية بشكل كبير
وستسهم الاتفاقية أيضا في رفع مستوى التنسيق والتكامل بين المؤسسات العسكرية في البلدين بما يعود بالنفع على أمن واستقرار البلدين. كما سينعكس التعاون في مجال الصناعات العسكرية على خلق فرص عمل في الاقتصاد الأمريكي.
في الإطار ذاته، أكد الرئيس الامريكي أن واشنطن والرياض ستزيدان من التنسيق العسكري بينهما باعتبار الرياض حليفا رئيسيا لواشنطن، مثمناً لولي العهد السعودي دوره في التوصل لاتفاق غزة وقال: السعودية أدت دوراً مهماً في اتفاق السلام بغزة.. نحن قريبون من تحقيق السلام في (الشرق الأوسط) الشراكة الكبيرة مع السعودية ستمضي قدماً بمصالح البلدين، وهكذا تصريحات لن تصدر عن رئيس امريكي معروف بتصريحاته النارية والمثيرة حيال دولة اعتيادية او غير مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، انما صرح بذلك لان السعودية اصبحت شريك استراتيجي حقيقي، شريك يدر ربحا اقتصاديا وسياسيا وامنيا واستراتيجيا، فالالتزامات السعودية المقابلة للولايات المتحدة باستثمار اكثر من 600 مليار دولار في البنى التحتية والصناعة الامريكية بالاخص في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات ستسهم في خلف عشرات الالاف من الوظائف وتدعم الدولار وتحسن من التصنيف المالي والاستثماري الامريكي وتسهم في استمرار التفوق الامريكي في مجال الذكاء الاصطناعي، وتدعم رؤية ترامب في تنفيذ برنامجه الانتخابي (امريكا اولا) وترفع من رصيد الجمهوريين في السباق الانتخابي الامريكي القادم، مما يمنح الطرف السعودي صفة شريك استراتيجي عالي القيمة لدى مراكز صنع القرار الامريكي ويزيد من دور السعوديين في مهمة الضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة.



