الاكثر قراءةدراساتغير مصنف

التحولات السياسية والاجتماعية في ليبيا: ديناميكيات التفاعل المجتمعي مع السلطة

بقلم: الباحث عادل الصابر بوعجيلة / ليبيا

 

المقدمة

تشكل دراسة التحولات السياسية والاجتماعية في ليبيا نقطة محورية حاسمة لفهم طبيعة الدولة الليبية الحديثة والحدود المعقدة للانخراط المجتمعي مع أشكال السلطة المتعاقبة. منذ الأيام الأخيرة للحكم العثماني وطوال المراحل اللاحقة من الاستعمار الإيطالي، والنظام الملكي، ونظام الجماهيرية في عهد معمر القذافي، وحقبة ما بعد العام 2011 المضطربة، كانت ليبيا مسرحا لتغييرات سريعة وعميقة في كل من هياكل الدولة والمجتمع. وقد حكمت هذه التحولات جدلية الولاء والانتماء، والتوتر بين سلطة الدولة والسلطة الاجتماعية، والحدود المتغيرة باستمرار بين مصادر الشرعية الرسمية وغير الرسمية.

تهدف هذه الورقة البحثية إلى تحليل هذه التحولات من خلال العلاقة الجدلية بين المجتمع والسلطة في ليبيا. على وجه التحديد، يسعى إلى الإجابة على كيفية مساهمة أنماط الحكم في إعادة تشكيل النسيج الاجتماعي، وكيف أثرت الهياكل والديناميكيات الاجتماعية بدورها على إعادة إنتاج السلطة ومشروع بناء الدولة. من خلال الاعتماد على مجموعة من وجهات النظر العلمية والدراسات التجريبية من القائمة المرجعية المقدمة، ستتناول الورقة المراحل الرئيسية من التاريخ الليبي، وتستكشف التفاعل بين السلطة السياسية والقوى المجتمعية، وتقيم الآثار المترتبة على سعي ليبيا لتحقيق الاستقرار والشرعية والتماسك الوطني.

 

الإطار النظري: المجتمع والسلطة وتشكيل الدولة

جدلية المجتمع والسلطة

أفضل تصور للعلاقة بين المجتمع والسلطة في ليبيا من خلال الإطار الجدلي، حيث يكون كل منهما منتجا ومنتجا للآخر (أندرسون، 1986). تاريخيا استمدت السلطة في ليبيا شرعيتها من مصادر معقدة ومتنافسة في كثير من الأحيان، بما في ذلك الانتماءات القبلية، والشبكات الدينية، والرعاة الخارجيين، ومؤخرا، الأيديولوجية الثورية وخطابات التحول الديمقراطي (Vandewalle، 2012). كانت الدولة عاملا للهندسة الاجتماعية وتضاريس للتنافس، حيث تعمل الجهات الفاعلة المجتمعية بنشاط على تشكيل مشاريع الدولة أو مقاومتها أو تخريبها.

 

 

مفاهيم الدولة والشرعية

تأرجحت فكرة الدولة في ليبيا بين المثل الأعلى الفيبري المتمثل في سلطة احتكارية على وسائل الإكراه والضرائب، والواقع الأكثر تجزئة لدولة تتوسط في نطاقها شبكات غير رسمية وولاءات مجتمعية (Lacher،2020). ولذلك، لا يمكن فهم السلطة من حيث المؤسسات الرسمية فقط، بل لا يمكن فهم السلطة من حيث المؤسسات الرسمية. يجب أن تكون موجودة ضمن بيئة السلطة الأوسع – التي تشمل القبائل والسلطات الدينية ووجهاء المناطق الحضرية، والجماعات المسلحة بعد عام 2011 (باك، 2019).

 

الإرث العثماني والمجتمع الليبي الحديث المبكر: أنماط الحكم العثماني

في ظل الحكم العثماني (1551-1911)، كانت ليبيا تحكم من خلال مزيج من الإدارة المباشرة في المراكز الحضرية والحكم غير المباشر عبر وسطاء قبليين في المناطق الريفية (أحميدة، 1994). أنشأ العثمانيون ولايات طرابلس وبرقة وفزان، لكن سيطرتهم الفعلية كانت محدودة بسبب القيود الجغرافية وذلك في غياب مركز سياسي، يمكن أن تتجمع حوله الأقاليم الأخرى، فدولة ليبيا تتميز بتنوع جغرافيتها مما جعل من كل منطقة تتفرد عن المناطق الأخرى، بتقوية الروح الجهوية الإقليمية والقبلية (أحميدة، 1994). عزز اعتماد الدولة العثمانية على زعماء القبائل لتحصيل الضرائب والأمن نظاما سياسيا هجينا، ودمج سلطة الدولة في التسلسل الهرمي الاجتماعي الموجود مسبقا.

 

الهياكل الاجتماعية والمقا/ومة

شكلت القوة الدائمة للتنظيم القبلي، جنبا إلى جنب مع تأثير الطوائف الدينية الصوفية مثل السنوسية، أنماط الحكم المحلي والمقاومة (أحميدة، 2005). برزت السنوسية، على وجه الخصوص، كحركة دينية واجتماعية سياسية، حيث خلقت شبكات لعبت فيما بعد أدوارا محورية في المقاومة المناهضة للاستعمار وتشكيل الدولة (Vandewalle، 2012). وهكذا مهد العهد العثماني الطريق لنمط تتوسط فيه الجهات الفاعلة المجتمعية سلطة الدولة وتتنافس معها في بعض الأحيان.

 

الاستعمار الإيطالي وتداعياته المجتمعية: بناء الدولة الاستعمارية والهندسة الاجتماعية

شكل الاستعمار الإيطالي (1911-1943) قطيعة جذرية في التاريخ الليبي، حيث سعت الدولة الاستعمارية إلى تفكيك الهياكل التقليدية وفرض إدارة مركزية على النمط الأوروبي (أحميدة، 1994). انخرطت السلطات الإيطالية في حملات عنيفة للتهدئة، وعلى الأخص في برقة، حيث استهدفت شبكات السنوسي وسعت إلى تهجير النخب القبلية أو استمالتها (أحميدة، 2005).

تضمنت محاولات الدولة الاستعمارية في الهندسة الاجتماعية مصادرة الأراضي وإعادة التوطين القسري وإدخال تقسيمات إدارية جديدة (أحميدة، 1994). هدفت هذه السياسات إلى إضعاف الأسس الاجتماعية للمقاومة ودمج ليبيا في الاقتصاد الإمبريالي الإيطالي. ومع ذلك، حفزت وحشية الحكم الإيطالي أيضا أشكالا جديدة من الوعي الوطني، حيث اندمجت قطاعات متنوعة من المجتمع الليبي في معارضة السلطة الاستعمارية (Vandewalle، 2012).

 

إرث الحداثة الاستعمارية

ترك الاستعمار الإيطالي إرثا معقدا. فمن ناحية، عطلت الهياكل الاجتماعية التقليدية وخلقت انقسامات جديدة بين المناطق الحضرية والريفية؛ من ناحية أخرى، عززت ظهور شبكات قومية أولية من شأنها أن تعلم لاحقا دولة ما بعد الاستقلال (أحميدة، 2005). وهكذا تجسد الفترة الاستعمارية جدلية السلطة والمجتمع: فقد أثار فرض القوة الخارجية التكيف والمقاومة، مما أدى إلى إعادة تشكيل الهويات الاجتماعية والولاءات السياسية.

 

 

النظام الملكي: التفاوض على الوحدة الوطنية والتنوع الاجتماعي

ملكية السنوسي وتشكيل الدولة

مثل استقلال ليبيا في العام 1951 وتأسيس ملكية السنوسي في عهد الملك إدريس الأول محاولة للمصالحة بين الدوائر الاجتماعية والإقليمية المتنوعة في البلاد في إطار وطني موحد (Vandewalle، 2012). استندت شرعية النظام الملكي إلى المكانة التاريخية لنظام السنوسية، الذي عزز، من خلال شبكاته في برقة وخارجها، كلا من السلطة الدينية والمقاومة المناهضة للاستعمار (أحميدة، 2005).

 

الفيدرالية والقبلية وحدود سلطة الدولة

شهدت السنوات الأولى من الاستقلال اعتماد نظام فيدرالي، يعكس الحاجة إلى استيعاب الهويات الإقليمية وتحقيق التوازن بين مصالح طرابلس وبرقة وفزان (Vandewalle، 2012). ومع ذلك، فإن اعتماد النظام الملكي على النخب التقليدية، ولا سيما الأعيان القبلية والدينية، حد من قدرته على تشكيل مجتمع وطني متماسك. ظل جهاز الدولة ضعيفا، وغالبا ما كانت السلطة تمارس من خلال الشبكات غير الرسمية بدلا من المؤسسات القوية (Lacher, 2020).

تم تقييد محاولات النظام الملكي لبناء الأمة بشكل أكبر بسبب استمرار الولاءات القبلية والمنافسات الإقليمية والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية (أحميدة، 2005). في حين أن عائدات النفط من أواخر الخمسينيات مكنت من بعض التحديث وتوسع الدولة، ظلت آليات التوزيع عرضة لاستيلاء النخبة وسياسات المحسوبية (Vandewalle، 2012). وهكذا جسد النظام الملكي نظاما سياسيا هجينا، حيث تم التفاوض باستمرار على سلطة الدولة وانكسارها من خلال وسطاء مجتمعيين.

 

عهد القذافي: التحول الثوري وإعادة التشكيل الاجتماعي

صعود الجماهيرية

افتتح الانتقال الثوري العام 1969م الذي قادته حركة الضباط الأحرار، وما تلاه من تأسيس الجمهورية العربية الليبية في عهد معمر القذافي، مرحلة انتقال السلطة الجديدة إلى تجربه راديكالية في العلاقات بين الدولة والمجتمع (Vandewalle، 2012). رفضت أيديولوجية القذافي، التي تم التعبير عنها في الكتاب الأخضر، الأشكال التقليدية لسلطة الدولة حيث افتتح انتقال السلطة الى فرصة للتحول الديمقراطي وبناء شرعية جديدة تستند الى الإرادة الشعبية لصالح “الجماهير، وهو نظام يزعم أنه قائم على السلطة الشعبية المباشرة التي تمارس من خلال المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية (Vandewalle  2012).

 

الهندسة الاجتماعية الثورية

قام نظام القذافي بمشروع طموح للهندسة الاجتماعية، يهدف إلى القضاء على الانقسامات القبلية والإقليمية والدينية في السعي وراء هوية وطنية موحدة (أحميدة، 2005). سعت الدولة إلى استمالة النخب التقليدية أو تحييدها، وإعادة توزيع الأراضي والثروة، وتعزيز القيم “الثورية” من خلال التعبئة الجماهيرية والتلقين الأيديولوجي (Vandewalle، 2012). ضمنت الثروة النفطية دولة رفاهية واسعة النطاق ونظام محسوبية ربط قطاعات المجتمع بالنظام.

ومع ذلك، فإن معاداة النظام للمؤسساتية– التي تجلت في تفكيك هياكل الدولة الرسمية لصالح اللجان الثورية– أضعفت بشكل متناقض أسس سلطة الدولة ذاتها (Lacher, 2020). ويعني غياب المؤسسات الدائمة، إلى جانب استمرار الشبكات غير الرسمية والزبائنية، أن السلطة الاجتماعية تعيد إنتاج السلطة الاجتماعية باستمرار خارج الجهاز الرسمي للجماهيرية.

 

استمرار وطفرة القوة الاجتماعية

على الرغم من جهود النظام لقمع الهويات القبلية والإقليمية، استمرت هذه القوى الاجتماعية، وغالبا ما تكيفت مع السياق السياسي الجديد. تم استقطاب القبائل من خلال شيكة المحسوبية، وكان نفوذها حاسما في كثير من الأحيان في الحكم المحلي وحل النزاعات (Lacher، 2020). وهكذا توضح حقبة القذافي حدود الهندسة الاجتماعية التي تقودها الدولة: ففي حين غير النظام المشهد الاجتماعي، لم يكن قادرا على القضاء على أسس السلطة غير الرسمية التي استمرت في التوسط في العلاقة بين المجتمع والسلطة.

تُظهر التجربة الليبية كيف يمكن للتقسيمات الإدارية أن تعمل كأداة سياسية لتعزيز الانقسامات الاجتماعية، إذ استُخدمت لتحديد نفوذ كل قبيلة أو جماعة محلية داخل حدودها الرسمية. ولم تكن هذه الحدود مجرد تنظيم إداري، بل آلية لإدامة مصالح محددة على حساب التماسك الوطني، بما يعكس ما يشير إليه المنظور البنيوي في العلوم السياسية من أن الدولة ليست مجرد مؤسسات رسمية، بل شبكة من العلاقات والسلطات المتداخلة مع المجتمع المدني. وقد برز أثر هذه الاستراتيجية بشكل واضح بعد انهيار النظام في 2011، حين انكشف هشاشة الميثاق الاجتماعي الليبي، وتفاقمت الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. هذا التراجع في الشرعية الوطنية أدى إلى انتشار سلطة موازية، وإضعاف مؤسسات الدولة المركزية، ما أسهم في خلق دورة من الانقسامات والصراعات متعددة المستويات بين المجتمع والدولة. ثورة 2011 وتشرذم ما بعد القذافي.

 

ثورة القوى الاجتماعية

شكّلت ثورة 2011 نتاجًا ومحفزًا للتحولات العميقة في المجتمع الليبي، حيث جاءت مدفوعة بتحالف غير متجانس من الجهات الفاعلة الاجتماعية، بما في ذلك شباب المدن، والشبكات القبلية، والجماعات الإسلامية، والمنشقين عن النظام، متحدين جميعًا في معارضتهم لحكم القذافي، إلا أنهم ظلوا منقسمين نتيجة اختلاف رؤاهم بشأن مستقبل ليبيا (لاشر، 2020). وأسفر انهيار السلطة المركزية عن انتشار الجماعات المسلحة ومراكز القوى المحلية، حيث استمد كل منها شرعيته من دوائر اجتماعية محددة (Lacher، 2020). ومن خلال ذلك، كشفت الثورة عن تعدد الجهات الفاعلة المجتمعية القادرة على التنافس على السلطة وإعادة تشكيلها في غياب دولة مركزية قوية، وهو ما يعكس هشاشة البنية السياسية والاجتماعية التي ورثتها الدولة الليبية بعد عقود من الحكم المركزي المهيمن. فبعد سقوط النظام في 2011، شهدت ليبيا ظهور سلطة موازية في مناطق مختلفة، خصوصًا العاصمة طرابلس، إذ نتج عن أحداث إعادة تشكيل موازين القوى في ليبيا، إذ أفرزت حالة من التفكك في البنية السياسية والاجتماعية، وساهمت في بروز سلطات محلية موازية تعتمد على الولاءات القبلية والجماعية والدينية. وفي غياب دولة مركزية قوية، أصبحت الجماعات الفاعلة قادرة على فرض نفوذها من خلال السيطرة على الموارد والأقاليم، ما زاد من تعقيد عملية بناء دولة موحدة وفعالة. كما أبرزت الثورة هشاشة أطر الشرعية التقليدية، وأظهرت أن استقرار الدولة لا يعتمد فقط على المؤسسات الرسمية، بل على قدرة الدولة على دمج الهويات الفرعية ضمن مشروع وطني جامع. هذه الظواهر خلقت واقعًا متقلبًا، حيث لم تعد السلطة الفعلية على الأرض تتطابق مع الصلاحيات الرسمية للمؤسسات الحكومية. فقد أظهرت البنية المؤسسية الليبية ضعفًا كبيرًا وقصور في التنسيق بين الأجهزة الرسمية، محدودية شرعية المؤسسات أمام المواطنين، وعدم قدرة الدولة على فرض سيطرتها على كامل التراب الوطني.

 

 

انهيار السلطة المركزية وصعود الأنظمة الهجينة

تميزت فترة ما بعد عام 2011 في ليبيا بتجزئة مؤسسات الدولة وظهور ما يعرف بـ”الأنظمة الهجينة”، حيث تمارس السلطة من خلال خليط معقد من الجهات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية (Lacher، 2020، حزمة، 2019). فقد تنافست الجماعات المسلحة، والقبلية، والمجالس البلدية، والحركات الإسلامية على السيطرة، وغالبًا ما تتفاوض أو تتنافس مع بقايا الدولة المركزية ومع الجهات الفاعلة الخارجية.

يعكس هذا الانتشار المتعدد لمراكز السلطة ضعف المؤسسات الرسمية ومرونة الهياكل المجتمعية القادرة على تعبئة العمل الجماعي (باك، 2019). وغالبًا ما يتم التوسط في الحكم المحلي، وتوفير الأمن، وتوزيع الموارد من قبل جهات فاعلة تستمد شرعيتها من الولاء الاجتماعي والقبلي أو الطائفي، بدلاً من الاعتماد على السلطة القانونية العقلانية (Lacher, 2020).

يمكن اعتبار هذا النمط من الحكم انعكاسًا لأزمة الشرعية والمؤسساتية في الدولة الليبية، حيث أصبح الصراع على السلطة مرتبطًا ليس فقط بالموارد، بل بالقدرة على تعبئة الولاءات الاجتماعية والسيطرة على شبكات النفوذ المحلية. ويبرز هذا التحليل أهمية فهم الدولة الليبية بعد 2011 كفضاء متداخل من الهياكل الرسمية وغير الرسمية، حيث أن أي محاولة لإعادة بناء الدولة الموحدة تتطلب معالجة هذا التوازن الهش بين القوة الرسمية والسلطة المجتمعية. التحدي المتمثل في بناء الدولة والتماسك الاجتماعي

كشفت حقبة ما بعد القذافي عن تحديات بناء مشروع وطني متماسك في سياق اتسم بالتشرذم الاجتماعي والسلطة المتنازع عليها (Lacher، 2020). أعاقت الجهود المبذولة في وضع الدستور والعدالة الانتقالية وإصلاح قطاع الأمن بسبب تعدد الجهات الفاعلة المجتمعية وغياب رؤية مشتركة للدولة (باك، 2019).

أدى استمرار الانقسامات الإقليمية والقبلية والأيديولوجية إلى الحد من قدرة الحكومات المتعاقبة على تأكيد السلطة وتقديم المنافع العامة. علاوة على ذلك، أدى استخدام الهويات الاجتماعية كأداة من قبل الجهات الفاعلة السياسية المتنافسة إلى تعميق الانقسامات المجتمعية، مما قوض آفاق المصالحة والاستقرار (Lacher، 2020).

 

المجتمع والسلطة والتدخل الخارجي

الجهات الفاعلة الدولية وإعادة تشكيل السلطة

تأثرت ديناميكيات التفاعل بين المجتمع والسلطة في ليبيا بشكل عميق بالتدخلات الخارجية، لا سيما في فترة ما بعد العام 2011. لعبت الجهات الفاعلة الدولية – بما في ذلك الأمم المتحدة والقوى الإقليمية والشبكات العابرة للحدود – أدوارا مهمة في تشكيل كل من المشهد المؤسسي واستراتيجيات الجهات الفاعلة المحلية (Lacher، 2020).

ساهم الدعم الخارجي للحكومات المتنافسة والجماعات المسلحة في ترسيخ النظم المختلطة، حيث تستفيد الجهات الفاعلة المجتمعية من الموارد الدولية في السعي لتحقيق الطموحات المحلية والوطنية (باك، 2019). وهكذا فإن تدويل الصراع الليبي قد عكس وتفاقم تجزئة السلطة، مما أدى إلى تعقيد الجهود المبذولة لبناء الدولة والمصالحة.

 

جدلية السلطة المحلية والعالمية

يؤكد التفاعل بين الديناميكيات المجتمعية المحلية والتدخلات العالمية على البيئة المعقدة للسلطة في ليبيا المعاصرة (Lacher، 2020). أظهرت الجهات الفاعلة المجتمعية قدرة كبيرة على الإبحار في المبادرات الدولية أو الاستيلاء عليها أو مقاومتها، وغالبا ما تستخدم المشاركة الخارجية لتعزيز شرعيتها أو لمواجهة المنافسين (باك، 2019). والنتيجة هي تكوين متعدد المقاييس للسلطة حيث تعيد الدولة والمجتمع والجهات الفاعلة الخارجية باستمرار صياغة حدود السلطة.

 

نحو توليف: الأنماط والآفاق

الموضوعات الدائمة في العلاقات بين الدولة والمجتمع

تقدم التجربة الليبية دراسة حالة غنية لديالكتيك المجتمع والسلطة. عبر الأنظمة المتعاقبة، كانت الحدود بين الدولة والمجتمع مائعة، حيث تشكل كل منهما الآخر ويتشكل من قبله. تم التوسط في السلطة من خلال مجموعة متنوعة من الأشكال الاجتماعية، من التضامن القبلي والشبكات الدينية إلى اللجان الثورية والجماعات المسلحة (Vandewalle، 2012 ، Lacher، 2020).

في كل منعطف تاريخي، واجهت محاولات بناء الدولة من أعلى إلى أسفل مرونة الجهات الفاعلة المجتمعية، مما أدى إلى التكيف أو المقاومة أو تهجين هياكل السلطة (أحميدة، 2005). وكانت النتيجة توترا مستمرا بين التطلع إلى دولة مركزية وشاملة وحقائق التنوع الاجتماعي والتشرذم.

فقد أدّى تشتّت القوة بعد 2011 إلى إعادة تشكيل التراتبية الاجتماعية والسياسية في ليبيا. فمع غياب المركز الجامع، برزت أنماط جديدة من التمثيل تقوم على الانتماء المحلي والهوياتي بدل الانتماء الوطني، وأصبح الولاء السياسي يُقاس بقدرة الفاعل على ممارسة القوة لا بمدى مشروعيته القانونية أو المؤسسية.

وبذلك، أُعيد إنتاج المجتمع على صورة سلطة مجزأة، حيث تتوزع الشرعية بين الدولة الرسمية والفاعلين غير الرسميين، في ما يشبه «اقتصادًا سياسيًا للولاءات».

لقد تحولت الدولة من كيان يحتكر القوة إلى فضاء تتنازع فيه القوى، وأصبحت مؤسساتها واجهات رمزية تُدار بآليات تفاوضية بين مراكز نفوذ محلية. وفي المقابل، اكتسب المجتمع قدرًا من الفاعلية غير المؤطرة، إذ صار يُنتج أدوات ضبط ذاتي بديلة، كالمجالس الأهلية، والتحالفات القبلية، ولجان الوساطة، وهي كلها تمارس نوعًا من “السلطة الموازية” داخل الفضاء العمومي.

هذا التهجين بين الرسمي وغير الرسمي لم يؤدِّ إلى نشوء نظام سياسي تعددي بالمعنى المؤسسي، بل إلى توازن هشّ بين قوى غير متكافئة، حيث لم يعد معيار الشرعية مرتبطًا بالقانون، بل بمدى السيطرة الميدانية والقدرة على ضمان الأمن والخدمات.

وعليه، يمكن القول إنّ التحلل البنيوي للدولة لم يكن انهيارًا كاملاً، بل إعادة تشكّل مشوّهة للسلطة، احتفظت بقدرتها الرمزية على التوجيه، لكنها فقدت قدرتها العملية على الضبط والتنظيم.

يُعدّ فالح عبد الجبار أحد أبرز العقول التي قرأت بنية السلطة في العراق من منظورٍ اجتماعي لا سياسي فقط. فقد حاول الرجل أن يفهم الدولة من خلال علاقتها بالمجتمع، لا عبر مؤسساتها وقوانينها وحدها، لأن تلك المؤسسات – كما يرى – كانت في الغالب هياكل فوقية لم تعبّر عن توازنات المجتمع أو إرادته، بل فُرضت عليه من الأعلى. في قراءة، المجتمع الليبي لم تتكوّن الدولة الليبية “من تحت إلى فوق” كما في التجربة الأوروبية التي انبثقت من صيرورة مجتمعية واقتصادية، بل نشأت “من فوق إلى تحت” بفعل الإرث الاستعماري والريع النفطي. فالدولة سبقت المجتمع السياسي نفسه، ولم يكن هناك مجتمع مدني قادر على موازنتها أو مراقبتها، لأن هذا المجتمع لم يُمنح الوقت ولا الأدوات كي يتشكّل.

هكذا تشكّلت ما يسميه عبد الجبار “دولة فوق المجتمع” دولة لم تولد من إرادة الناس، بل من تسوية بين نخبة استعمارية ومحلية ضيقة. ومنذ ذلك الحين، تحوّل المجتمع إلى موضوع للسيطرة لا شريك في صناعة القرار. ويربط عبد الجبار بنية السلطة بطبيعة الاقتصاد الريعي القائم على النفط. فالدولة التي تموّل نفسها من النفط لا تحتاج إلى الضرائب، وبالتالي لا تحتاج إلى عقد اجتماعي حقيقي مع المواطنين.

وفي غياب هذا العقد، تتحوّل الدولة إلى موزّع ريع يشتري الولاءات، لا إلى جهاز تمثيلي يخضع للمساءلة. ينتج عن ذلك تآكل مفهوم المواطنة، لصالح روابط عمودية: عشيرة، طائفة، حزب فتصبح الدولة غنيمة لا مشروعًا وطنيًا.

حين ننظر إلى الحالة الليبية، تتبدّى تشابهات مدهشة مع ما وصفه عبد الجبار. فالدولة الليبية الحديثة، منذ الاستقلال عام 1951، ثم في العهد الجماهيري وما بعد 2011، لم تنشأ من تفاعل مجتمعي أفقي، بل من تسويات فوقية بين نخب سياسية جهوية وقبلية. ولم يُسمح للمجتمع المدني بأن ينمو بوصفه سلطة موازية، بل ظل إمّا أداة تعبئة أو واجهة تجميلية للسلطة.

الريع النفطي في ليبيا جعل الدولة مكتفية بذاتها ماليًا، لا تحتاج إلى مواطنيها اقتصاديًا، ففقدت حاجتها إلى المحاسبة، وانهار تدريجيًا مبدأ “المواطنة مقابل الضريبة”. وتحوّل الولاء من الدولة – الأمة إلى الجهة – الزعيم – المذهب – القبيلة.

 

في هذا السياق، يصبح سؤال مشروعاً هل يمكن لدولة ريعية، مركزية، فوقية، أن تنتج مجتمعًا مدنيًا حرًّا؟ أم أن الطريق المعاكس هو الأجدى – أي أن يبدأ التغيير من المجتمع نفسه لا من إصلاح الدولة؟

الواقع الليبي يشير إلى أن إصلاح مؤسسات الدولة من الأعلى لن يكفي ما لم يُدعَم بمشروع وطني لإحياء المجتمع المدني من القاعدة.فلا يمكن لدولةٍ أن تكون ديمقراطية ما لم تكن المجتمعات المحلية متماسكة، مستقلة، وفاعلة سياسيًا.

 

الدولة التي لا تنبثق عن المجتمع ستبقى “جهاز توزيع” لا “نظام تمثيل”، وستظل السلطة مجالًا للمحاصصة لا للمواطنة. وخلاصة القول إن التحوّل نحو دولة المجتمع المدني في ليبيا، لا يبدأ من القوانين أو الدساتير فحسب، بل من إعادة تأسيس العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة الثقة والمساءلة المتبادلة. وذلك يقتضي نقل مركز الفعل من “من يملك السلطة” إلى “من يصنع الشرعية”.

 

جدلية المجتمع والسلطة وإشكالية إعادة تأسيس الدولة في ليبيا بعد 2011

تُقدّم التجربة الليبية دراسة حالة ثرية لجدلية المجتمع والسلطة؛ إذ ظلت الحدود بين الدولة والمجتمع مائعة عبر الأنظمة المتعاقبة، حيث شكّل كلٌّ منهما الآخر وتشكّل به. لقد جرى تموضع السلطة في ليبيا من خلال أشكال اجتماعية متنوّعة، تراوحت بين التضامنات القبلية والشبكات الدينية، وصولًا إلى اللجان الثورية والجماعات المسلّحة (Vandewalle، 2012، Lacher، 2020).

وفي كلّ منعطف تاريخي، واجهت محاولات بناء الدولة من الأعلى إلى الأسفل مرونةَ الفاعلين المجتمعيين، الأمر الذي أفضى إلى أنماط متباينة من التكيّف أو المقاومة أو تهجين هياكل السلطة (أحميدة، 2005). وكانت النتيجة توتّرًا مستمرًّا بين الطموح إلى قيام دولة مركزية شاملة، وبين حقائق التنوع الاجتماعي والتشرذم البنيوي الذي يميّز البنية الليبية.

 

  1. الديالكتيك بعد 2011: تفكك المركز وظهور السلطة الموازية

أدّت ثورة شباط 2011 إلى انهيار البنية المركزية التي كانت تؤطر ممارسة السلطة في ليبيا، لكنها لم تُنهِ مبدأ السلطة ذاته، بل حرّرت القوة من مركزها التقليدي. فبدل أن تظلّ القوة وسيطًا منظَّمًا داخل جهاز الدولة، تحوّلت إلى قوى اجتماعية متنافسة- ميليشيات، قبائل، شبكات اقتصادية، وفاعلين محليين- أعادت جميعها تعريف حدود الشرعية والسيادة وفق مصالحها الخاصة.

بهذا المعنى، لم تعد القوة تُمارَس باسم الدولة، بل ضدّها أو نيابة عنها في آنٍ واحد. فكل مركز محلي من مراكز النفوذ صار يزعم تمثيل “السلطة الشرعية”، دون أن يمتلك مقوّمات السلطة الثابتة التي تنظم المجال العام. وهكذا، تشكّلت ما يمكن تسميته بـ”السلطة الموازية”: بنية هجينة تجمع بين أدوات الدولة (التمويل، الشرعية، الإدارة) وآليات المجتمع (التحالفات، الولاءات، الانتماءات الفرعية).

إن هذا الواقع يجسّد بوضوح انفصال القوة عن السلطة، فبينما ظلّت السلطة متغيّرًا ثابتًا في الوعي السياسي، فإنّ القوة تحوّلت إلى متغيّر وسيط مضطرب، يتحكم في استمرارية النظام أو تفككه. وبذلك، أصبحت الدولة الليبية ساحة لتفاوض دائم بين سلطات متعدّدة، كلٌّ منها يحاول احتكار القوة لتمثيل السلطة، في حين تبقى السلطة نفسها- كمفهوم رمزي ومؤسسي- من دون حاملٍ حقيقي.

 

  1. انعكاس التحول على بنية المجتمع والدولة

أدّى تشتّت القوة بعد 2011 إلى إعادة تشكيل التراتبية الاجتماعية والسياسية في ليبيا. فمع غياب المركز الجامع، برزت أنماط جديدة من التمثيل تقوم على الانتماء المحلي والهوياتي بدل الانتماء الوطني، وأصبح الولاء السياسي يُقاس بقدرة الفاعل على ممارسة القوة لا بمدى مشروعيته القانونية أو المؤسسية.

وبذلك، أُعيد إنتاج المجتمع على صورة سلطة مجزأة، حيث تتوزع الشرعية بين الدولة الرسمية والفاعلين غير الرسميين، في ما يشبه «اقتصادًا سياسيًا للولاءات».

لقد تحولت الدولة من كيان يحتكر القوة إلى فضاء تتنازع فيه القوى، وأصبحت مؤسساتها واجهات رمزية تُدار بآليات تفاوضية بين مراكز نفوذ محلية. وفي المقابل، اكتسب المجتمع قدرًا من الفاعلية غير المؤطرة، إذ صار يُنتج أدوات ضبط ذاتي بديلة، كالمجالس الأهلية، والتحالفات القبلية، ولجان الوساطة، وهي كلها تمارس نوعًا من “السلطة الموازية” داخل الفضاء العمومي.

هذا التهجين بين الرسمي وغير الرسمي لم يؤدِّ إلى نشوء نظام سياسي تعددي بالمعنى المؤسسي، بل إلى توازن هشّ بين قوى غير متكافئة، حيث لم يعد معيار الشرعية مرتبطًا بالقانون، بل بمدى السيطرة الميدانية والقدرة على ضمان الأمن والخدمات.

وعليه، يمكن القول إنّ التحلل البنيوي للدولة لم يكن انهيارًا كاملاً، بل إعادة تشكّل مشوّهة للسلطة، احتفظت بقدرتها الرمزية على التوجيه، لكنها فقدت قدرتها العملية على الضبط والتنظيم.

 

  1. وساطة السلطة عبر الهياكل المجتمعية

لقد مثّلت الهياكل الاجتماعية التقليدية- كالقبيلة، والزاوية الدينية، والمجتمع المحلي- أدواتٍ مزدوجة التأثير في مسار تشكّل الدولة الليبية. فمن ناحيةٍ أولى، أدّت هذه البُنى دورًا وظيفيًا في ملء الفراغ المؤسساتي عبر تنظيم العلاقات الاجتماعية وضمان الحدّ الأدنى من الأمن والتضامن، خصوصًا في الفترات التي ضعفت فيها مؤسسات الدولة المركزية. هذا الدور جعلها وسيطًا فعّالًا بين السلطة والمجتمع، أي “قوة تُمكّن” الدولة في لحظات العجز البنيوي.

لكن، من ناحيةٍ ثانية، تحوّلت هذه الوساطة إلى قيدٍ بنيوي على مشروع الدولة الحديثة، إذ حافظت كل شبكة اجتماعية على ولائها الخاص، واحتفظت بقدرتها على تعطيل مسارات التوحيد الوطني. فبدل أن تُنتج تكاملًا اجتماعيًا، أسهمت في ترسيخ توازنات تجزيئية جعلت الدولة تتعامل مع المجتمع بوصفه مجموع وحدات تفاوضية لا كجماعة سياسية موحدة.

وبالتالي، أصبح النظام السياسي الليبي أسيرًا لدوراتٍ متكررة من التحالف والانقسام تتجدد مع كل محاولة لإعادة توزيع السلطة أو الموارد (Lacher، 2020).

إن التحدي الذي يواجه ليبيا اليوم هو بناء نظامٍ سياسي يستوعب التنوع دون أن يُعيد إنتاج الانقسام. فكما يشير باك (2019)، لا يكفي الإصلاح المؤسسي وحده لتحقيق هذا الهدف، بل ينبغي تطوير هويات سياسية شاملة وآليات للتفاوض والتوافق بين الفاعلين المجتمعيين، بما يعيد تعريف السلطة كمجالٍ للتفاعل المشترك لا للتغلب المتبادل.

 

  1. نحو إعادة تأسيس الدولة: من إعادة البناء إلى إعادة التعريف

تُظهر التجربة الليبية أن مشروع بناء الدولة لم يفشل لغياب المؤسسات فحسب، بل لأنه استند إلى تصورٍ تقليديٍّ للسلطة يقوم على الهيمنة المركزية لا على التعاقد الاجتماعي. فكلّ مرحلة سياسية حاولت إعادة “بناء الدولة”، لكنها لم تُقدِم على إعادة تأسيسها- أي إعادة تعريف العلاقة الجوهرية بين الحاكم والمحكوم، بين الدولة والمجتمع، وبين السلطة والقوة.

إنّ إعادة تأسيس الدولة الليبية لا تعني فقط استعادة الوظائف السيادية (الأمن، العدالة، الخدمات)، بل تعني قبل ذلك إعادة إنتاج شرعية سياسية جامعة قادرة على احتواء التنوّع الاجتماعي وتحويله من مصدر انقسام إلى مصدر إثراء.

 

وهذا يقتضي مقاربة مزدوجة:

  1. مقاربة مؤسسية تعيد بناء الهياكل على أساس المشاركة والمساءلة واللامركزية الوظيفية

  2. مقاربة مجتمعية تُعزّز هوية وطنية مشتركة عبر آليات تفاوضية وتوافقية بين الفاعلين المحليين، بحيث تُمارس القوة داخل إطار من الشرعية، لا خارجها.

وبذلك، تنتقل ليبيا من مرحلة “إدارة الأزمة” إلى هندسة العقد الاجتماعي الجديد، حيث تصبح الدولة منتجًا للتوافق لا أداة للهيمنة. إنّ هذا التحول من “إعادة البناء” إلى “إعادة التأسيس” هو ما يمنح مشروع الدولة الليبية فرصته التاريخية الأخيرة للخروج من أسر السلطة الموازية، ومن ثم استعادة المعنى العميق للسيادة بوصفها تعبيرًا جماعيًا عن الإرادة الوطنية لا احتكارًا مؤقتًا للقوة.

 

الاستنتاجات

  1. تكشف التحولات السياسية والاجتماعية في ليبيا، من منظور تفاعل المجتمع مع السلطة، عن تاريخ معقد وديناميكي لتشكيل الدولة والتنافس الاجتماعي والتفاوض على الهوية. من الفترة العثمانية إلى حقبة ما بعد عام 2011، شهدت ليبيا دورات متكررة من المركزية والتشرذم، كل منها شكلها الجدل بين السلطة الرسمية والسلطة المجتمعية.

  2. تم التوسط باستمرار في جهود بناء الدولة من قبل الهياكل الاجتماعية- القبائل والشبكات الدينية ووجهاء المدن، ومؤخرا الجماعات المسلحة- كل منها يؤكد ادعاءاته بالشرعية ويشكل ملامح السلطة. أدت التدخلات الخارجية إلى تعقيد هذه الديناميكيات، وترسيخ النظم الهجينة وتعميق تجزئة كل من الدولة والمجتمع.

  3. التحديات التي تواجه ليبيا هائلة: تشكيل هوية وطنية تستوعب التنوع الاجتماعي، وبناء المؤسسات التي تتمتع بالشرعية، والتوفيق بين المطالبات المتنافسة بالسلطة. ومع ذلك، فإن تاريخ انخراط المجتمع الليبي مع السلطة يوفر أيضا موارد للتفاوض والتكيف والعمل الجماعي. وبالتالي، فإن فهم جدلية المجتمع والسلطة أمر بالغ الأهمية ليس فقط لشرح ماضي ليبيا ولكن أيضا لرسم مسارات نحو مستقبل أكثر شمولا واستقرارا.

 

المصادر
  1. أحميدة، علي. عبد الطيف. (1994). صنع ليبيا الحديثة: تشكيل الدولة والاستعمار والمقاومة، 1830-1932. مطبعة جامعة ولاية نيويورك.
  2. أحميدة، علي. عبد الطيف. (2005). الأصوات المنسية: القوة والفاعلية في ليبيا الاستعمارية وما بعد الاستعمار. روتليدج.
  3. أندرسون، ل. (1986). الدولة والتحول الاجتماعي في تونس وليبيا، 1830-1980. مطبعة جامعة برينستون.
  4. لاتشر، دبليو (2020). تجزئة ليبيا: هيكل وعملية في صراع عنيف. آي بي توريس.
  5. باك، ج. (2019). الانتفاضات الليبية عام 2011 والنضال من أجل مستقبل ما بعد القذافي. بالغريف ماكميلان.
  6. فانديوال، د. (2012). تاريخ ليبيا الحديثة (الطبعة الثانية). مطبعة جامعة كامبريدج.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى