الاكثر قراءةدراساتغير مصنف

ما بعد قمة شرم الشيخ.. قراءة أمنية وعسكرية لمجريات ما يحصل في الجوار العراقي

بقلم: الفريق الركن حسن سلمان البيضاني

هيئة الحشد الشعبي

 

قد يكون شهر تشرين الأول لهذا العام من أكثر الأشهر من حيث المتغيرات الحادة على المستوى الدولي لاسيما في منطقة (الشرق الأوسط) والجوار العراقي إذا أنّ ما يحصل من متغيرات يمكن أنّ يكون بداية لعصر دولي جديد مشابه من حيث البدايات لما كان الأمر عليه في أيلول من عام 2001 إذ تطلب الأمر حينها من الكثير من الدول أنّ تختار بين ركوب موجة التأمرك والدخول في ما أطلق عليه حينها التحالف الدولي تحت ذريعة مقاتلة ومكافحة الإرهاب او الذهاب إلى الهاوية بوسائل لا تتشابه من حيث مقتضيات التغيير مع بعضها البعض، ما يحصل الآن وعلى البقعة الممتدة ضمن ما يطلق عليه جغرافياً منطقة (الشرق الأوسط) هو وجود خيارين أمام الدول القابعة في هذه البقعة فالخيار الاول اما أنّ تكون مع ما يطرحه الرئيس الأمريكي ترامب ويريده الناتنياهو تعزيزاً لما سبق طرحه من خلق فضاء ابراهيمي يشمل دول هذه المنطقة من أجل إسدال الستار نهائياً على ما كان سائداً ومتسيداً للمشهد العام في (الشرق الأوسط) وهو الصراع العربي (الإسرائيلي)  الذي قلص لاحقا ليصبح الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) مع فسحة متاحة إلا أنها مقيدة للقوى الشيعية المسلحة في هذا الصراع.

الخيار الثاني هو الرفض وتكمن خطورة هذا الخيار في أنّ مساحة عمل الدول والجهات الرافضة تكاد أنّ تكون محكومة بعلة الجغرافيا ومحدداتها كما أنّ العامل الاقتصادي هو الآخر يؤدي دوراً كبيراً في إضعاف قدراتها باعتبار أنّ اليد الطولى للتحرك الاقتصادي على الصعيد الإقليمي والعالمي تتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال انتقائها لعقوبات أصبحت بحكم الخيار الأول ملزمة للقبول والتطبيق، فضلاً عن ذلك فإن الجهات الرافضة إذا ما قورنت من حيث مقومات القوة مع الجهات الذاهبة باتجاه البرهمة والتطبيع فإن الكفة تميل لصالح الطرف الآخر المتمثل بالمطبعين. ورغم امتلاك إيران الراعية للخيار الثاني إمكانيات معلنة وغير معلنة يمكن أنّ تكون ذات تأثير مباشر او غير مباشر على مجرى الصراع أنّ هو حصل فعلاً معها ومع الأطراف المتشددة من الخيار الأول والمتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية و(اسرائيل) وما تسببه ضربات أنصار الله الحوثيين من تأثيرات ذات بعد عسكري ونفسي واقتصادي على (إسرائيل) وعلى حركة التجارة في البحر الأحمر وقبالة سواحل الأراضي المحتلة. فإن عموم (الشرق الأوسط) بالوقت الحاضر يميل إلى الرضوخ للإرادة الامريكية لانعدام الإرادة الرافضة لما يحصل ليس على مستوى قيادات الدول المطبعة بل إنّ هنالك ما هو أخطر من ذلك وهو تحول قسم مؤثر من شعوب هذه المنطقة في تفكيرها من حالة العداء (لإسرائيل) إلىّ حالة العداء المذهبي تجاه إيران واعتبارها من قبل قسم كبير من شعوب تلك الدول ونتيجة تأثيرات الفضاء الرقمي المقاد والمسير من قبل (الإسرائيليين) أنّ إيران والشيعة في العراق واليمن ولبنان هم الأكثر خطورة وعداء على العرب من (اسرائيل).

 

 

مخرجات قمة شرم الشيخ ونتائجها العسكرية والأمنية على قدرات حماس ومن معها

بعد ما حصل من توافق غلبت عليه الصفة الإعلامية والترويجية وبعد أنّ أعلن ترامب أنّ (الشرق الأوسط) ماضي باتجاه السلام الدائم وإنّ انتهاء معركة غزة (غير المحسومة النتائج) والتي تصورها ترامب أنها آخر معارك العرب و(إسرائيل) (رغم أن لا دور للعرب في هذه المواجهة) فقد برزت إلىّ الوجود الكثير من المواقف والمتغيرات على الصعيد العسكري والأمني لاسيما ضمن البيئة المتأثرة بالصراع القائم. وهنا يطرح التساؤل التالي هل هنالك من ضمانات أكيدة بأن لا حرب ولا تصعيد قتالي بعد شرم الشيخ سواء في غزة او ما جاورها ام أنّ هنالك ما يدل على أنّ العشرين نقطة التي تضمنتها مبادئ ترامب لحل قضية غزة غير كافية لمنع اعادة التوتر مجدداً والوصول إلى أعلى درجات الصراع ثانيةً حيث المواجهة العسكرية. للإجابة على هكذا تساؤل لابد من فهم الواقع التنظيمي والفكري والعقائدي لحماس ومنظمة الجهاد الإسلامي ومجاهدي كتائب الأقصى   كونهم هم المعنيون بالدرجة الأساس بهذا الصراع إذ أنّ باقي القوى المؤثرة عسكرياً وأمنياً في الساحة الفلسطينية غير قادرة في الوقت الحاضر من تؤدي الدور الريادي والقيادي في عملية الصراع بشقيه الأمني والعسكري مع (إسرائيل). إنّ واقع الفصائل المسلحة الفلسطينية من حيث القدرات العسكرية وأساليب المواجهة التي قاتلت بها (إسرائيل) على مدى قرابة السنتين يمكن أنّ نوجزه بالنقاط التالية:

 

  1. خسرت الفصائل الفلسطينية قرابة النصف من قيادات الخط الأول وأكثر من ذلك من قيادات الخطين الثاني والثالث لذلك فهي بحاجة إلى إعادة بناء لمنظومة القيادة بالشكل الذي يضمن استمرار الصراع مما يتطلب أن تكون هنالك أشبه بالمهادنة ولو لمدة محدودة.

  2. الدعم المقدم للفصائل في غالبيته هو دعم إيراني مع نسبة محدودة جداً من جهات أخرى وهنا تكمن المعضلة إذ إنّ الجمهورية الاسلامية في إيران وبعد حرب الاثنا عشر يوماً وتضييق الخناق عليها من قبل الولايات المتحدة الامريكية بطرح سلسلة لامتناهية من العقوبات باتت غير قادرة كما في السابق على تامين ذات النسبة من الدعم العسكري والأمني لهذه الفصائل مما يجعل موقفها صعبا للغاية في الاستمرار بالصراع غير المتكافئ.

  3. القدرة التصنيعية للفصائل هي الأخرى تضررت كثيراً رغم أنها تعمد أساليب من الصعب على (إسرائيل) تدمير كل أجزاء تصنيعها. إذ أنّ الاجتياح (الإسرائيلي) للمحافظات الخمسة ولاسيما خان يونس ورفح حيث مركز الصناعة العسكرية والتجميع للمستلزمات القتالية قد أدى إلى توقف الكثير من معامل التصنيع رغم أنها غير معلمة وغير معروفة بشكل دقيق للكثيرين.

  4. رافق عملية الاجتياح (الإسرائيلي) للمحافظات الخمسة التي تشكل بمجموعها قطاع غزة فرض حصار بري وبحري على كل المنافذ التي يمكن أنّ تستخدم لتزويد الفصائل بقطع الغيار او الاعتدة او الأسلحة الخفيفة والمتوسطة مما أدى إلى صعوبة توفير الكميات المطلوبة من الأسلحة لمواجهة جيش متكامل مدعوم أمريكيا من قبل حماس والفصائل العاملة معها.

  5. على المستوى التعبوي فإن فقدان الفصائل لنسبة كبيرة من الأنفاق المعدة مسبقا لأغراض عسكرية وقتالية ولوجستية مختلفة نتيجة الاجتياح والضربات الجوية المستمرة والوشاية من بعض عناصر (الموساد وأمان) العرب قد عطل الكثير من القدرات القتالية وحًجم وإلى درجة كبيرة قدرات الفصائل على المناورة والمباغتة مما جعل الأمور تسير نحو تصاعد حدة الصعوبات القتالية على المستوى التعبوي.

  6. أسهم الاختراق الاستخباري (الإسرائيلي) من خلال العاملين في امان والموساد والوحدة 8200 لاسيما العرب منعم في كشف الكثير من الأسرار التي كانت تلك الوكالات الاستخبارية عاجزة عن كشفها وأدت تلك الاختراقات إلى توجيه ضربات للفصائل أحدثت شرخاً كبيراً في قدراتها القتالية.

مما تقدم يمكن القول إنً حماس وباقي الفصائل الفلسطينية العاملة في غزة وحتى تلك التي تعمل في الضفة الغربية ومنها كتائب الأقصى تدرك الآن جيداً بأن أي تحرك واسع النطاق لغرض التصعيد في مستوى المواجهة مع الجيش (الإسرائيلي) لا يؤدي إلى النتائج المرجوة لذلك فإن الانكفاء المؤقت أمر لابد منه لإعادة صياغة استراتيجيات المواجهة مع (إسرائيل).

 

 (إسرائيل) بعد شرم الشيخ ماذا ربح وماذا تريد؟

دخلت (إسرائيل) ومنذ السابع من تشرين الأول 2023 في صراع يمكن أنّ يوصف عسكرياً من أنه عالي الشدة حيث أنّ مجريات هذا الصراع لم تقتصر على غزة ومحيطها بل تعدى ذلك ليشمل تقريبا كل مدن (إسرائيل)  وقد برزت لأول مرة في الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) ظاهرة تعدد الساحات حيث اشتركت ثلاثة ساحات إضافة إلى ساحة غزة التي تقودها حماس وبيت المقدس والجهاد الإسلامي هذه الساحات هي حزب الله بكل ثقله العسكري وأنصار الله الحوثيون وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق، بالمقابل فإن (إسرائيل) ورغم فشلها الذريع في كشف نوايا الفصائل قبيل تنفيذ عملية طوفان الأقصى فإنه عانى كثيراً أثناء المواجهة لاسيما بعد أنّ أجبرت تشكيلاته على التوغل وصولاً إلى الحدود المصرية حيث خسرت العديد من الألوية ذات القدرات القتالية العالية ما يقارب الثلث من مقاتليها ومنها لواء جولاني وغيفاتي والكسندروني  ولواء كافير ولواء يفتاح وقوة النخبة الممثلة بلواء المظليين. كذلك فإن (إسرائيل) وللمرة الأولى في تاريخ مواجهاته العسكرية يحسر قرابة 7500 قتيل وأكثر من 20 ألف جريج من جيشه بمختلف صنوفه في حين تعرضت أكثر من 400 دبابة وعجلة قتال مدرعة إلى تدمير كلي او جزئي وهذه الأرقام باعتراف قادته أنفسهم رغم محاولات التغطية على تلك الخسائر. كل ذلك دفع باتجاه قبول خطة ترامب رغم إصرار نتنياهو على سحق حماس كلياً واخلاء غزة من ساكنيها. لذلك فإن ما مخرجات ما حصل في مؤتمر شرم الشيخ من متغيرات على الصعيدين العسكري والأمني ولطرفي الصراع “(إسرائيل) وحماس ومن معها” لا يمكن أنً تخرج عن الاحتمالات التالية:

 

  1. هدنة هشة في بدايتها مع خروقات من قبل الطرفين وفق مبررات محددة لاسيما في الأسابيع الأولى بعدها تتميز المدة اللاحقة باستقرار أمني أكثر ولكن إلى مدى محدد.

  2. قبول الطرفين بما آل إليه الوضع وعدم حصول أي ومحاولات للتصعيد مع ترقب لما ستؤول إليه النتائج التي يفترض أنً تتمخض عنها المبادرة الترامبية إذ أنهى الوجود المسلح كلياً لحماس مع عودة الجيش (الإسرائيلي) إلى غلاف غزة مجدداً.

  3. حماس ومعها الفصائل تعيد النظر جذرياً باستراتيجيتها كما حصل لمنظمة التحرير الفلسطينية عند خروجها من لبنان واستقراراها في تونس عام 1982 والاعتماد على العمل السياسي والدبلوماسي ومحاولة التقرب وانهاء الخلاف مع حكومة الضفة الغربية.

  4. فشل الهدنة ومعاودة التصعيد مصحوب بدعم أمريكي غير مسبوق لسحق حماس كلياً وإجبار الجزء الأكبر من أهالي قطاع غزة على الهجرة ومعاودة بناء المستوطنات فيها قد يحصل ذلك بتخطيط من نتنياهو من خلال عمليات استفزاز مستمرة لحماس بغية اجبارها مجدداً على الدخول في الصراع المسلح.

 

 

 

المنازلة المؤجلة بين إيران و(إسرائيل) وأثر حالة الترقب على الوضع الأمني في العراق

يمكن القول بأن ما حصل خلال حرب الاثنا عشر بين (إسرائيل) والجمهورية الاسلامية في إيران القى بظلاله بشكل أكثر تأثير وشدة على العراق ومن نواحي متعددة في مقدمتها أنّ سماء العراق المفتوحة كانت فضاء متاحاً بشكل مطلق لطرفي الصراع كما أنّ الحدود الطويلة والممتدة لمسافة 1458 كم بين العراق وإيران كانت هي الأخرى مجالاً رحباً لحركة عناصر الموساد (الإسرائيلي) المكلفين بعمليات تخريب ممنهج ومدروس داخل العمق الإيراني لاسيما في جزئها الشمالي ابتداءً من خانقين صعوداً حتى حاجي عمران. ورغم كل ما حصل من خروقات للأجواء العراقية أثناء تصاعد حدة الصراع إلا أنّ الجانب العراقي لم يستطيع أنّ يغير في قواعد الحالة القائمة لأسباب كثيرة يقف في مقدمتها وجود وتأثير التحالف الدولي المقاد من قبل أمريكا المؤيدة كليا (لإسرائيل) في حربه ضد إيران. لذلك فإن حالة الترقب القائمة الآن من قبل الجهات العسكرية العراقية والتي تخشى معاودة احتدام الحرب لم تغير بالأمر شيء كون القيادة العسكرية والسياسية العراقية تقف مكتوفة الايدي دون أدنى قدرة على التغيير في الواقع القائم.

احتمالية معاودة الحرب بين (إسرائيل) وإيران قائمة وفي ذات الوقت فإن احتمالية عدم اللجوء للقوة على المدى القريب والمتوسط على أقل تقدير لطرفي الصراع أيضا قائمة إلا أنّ الغلبة لمن من هذين الاحتمالين؟ فوفقاً للتقديرات العسكرية المبنية على الواقع دون الذهاب باتجاه ما يطرح في الفضاء الرقمي من تكهنات تؤكد على أنّ الحرب قائمة لا محال وفي المدة القصيرة القادمة فإن كلا الطرفين ينأيان بأنفسهما عن معاودة المواجهة وبذات القوة او بشكل أكثر تصعيد لأسباب كثيرة البعض منها مشتركة بين طرفي الصراع والبعض الآخر يخص هذا الطرف دون ذاك وبشكل عام فإن هذا الاحتمال المبني على تقديريات علمية قد يكون هو الأرجح في المرحلة الحالية. إلا أنّ قد لا يصمد كثيراً إذا ما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام العصى الغليظة المتمثلة ب(إسرائيل) تجاه إيران تحت ذات الذريعة التي استخدمت في حرب الاثنا عشر يوما وهي البرنامج النووي الإيراني. إيران من جهتها تعمل على تلافي الصدام قدر الإمكان بغية إعادة بناء دفاعاتها الجوية وتطوير قدراتها في مجال المتصديات من الطائرات الحديثة المتعاقد عليها مع الصين وكذلك ترصين جبهتها الداخلية التي اخترقت بشكل غير مسبوق من قبل الموساد.

في الوقت ذاته نجد أنّ (إسرائيل) هي الآخر تحاول استعادة أنفاسها التي ارهقها الاندفاع الأهوج في غزة ومن ثم حرب الاثني عشر يوم التي كشفت فشل المنظومات الخمسة للدفاع الجوي (الإسرائيلي) على التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية ولاسيما الصواريخ الفرط صوتية البالستية هذه المنظومات الخمسة والمتمثلة (بمنظومة ثاد الامريكية وباتريوت بعلامتها الرابعة ومقلاع داود ومنظومة السهم المصنعة داخل (إسرائيل)  فضلاً عن القبة الحديدية ذات الاستخدامات دون السوقية) قد أرهقت الخزينة (الإسرائيلية) كما أنّ أمريكا باعتبارها المورد الرئيسي لجزء كبير من هذه المنظومات. اشتكت على لسان وزير دفاعها بأن احتياطيات ثاد وباتريوت قد وصلت إلى أدنى مستوياتها في المستودعات الخاصة بالقوات المسلحة الامريكية.

من خلال ما تقدم يمكن القول إنّ لكلا الطرفين خططه الاستراتيجية لمواجهة ما سيحصل سواء اندلعت الحرب مجدداً او أنّ احتمالية نشوبها تراجعت إلى أدنى المستويات. الذي يهمنا هنا هو أن العراق بقيادته العسكرية والأمنية هل أخذ بنظر الاعتبار الاحتمالات جميعها وما الذي على القوات المسلحة العراقية ممثلة بقيادة عملياتها المشتركة أن تفعل إزاء حالة غير مستقرة تقبل قراءات متعددة. أن أول ما يفترض أن تنتبه له تلك القيادة هو ترصين وتحصين الجبهة الداخلية التي تشهد تراجع كبير في وحدتها الوطنية نتيجة ما يطرح من برامج طائفية مقيتة خلال التحضير لانتخابات. فضلاً عن البحث عن شراكة عسكرية غير تلك المتمثلة بالولايات المتحدة المنحازة كليا (لإسرائيل). هذه الشراكة قد تقلل من الأعباء المادية لبناء منظومات الدفاع الجوي المكلفة للغاية بطبيعتها وتمكن العراق بالحاق بركب التطور العلمي العسكري في المجالات الجيوفضائية والحروب السيبرانية وتطوير قدرات منظومات القيادة والسيطرة التي لم تعد قادرة على مجابهة ما تمتكه الغالبية العظمى من دول الجوار في هذا المجال.

 

 

قطر والخليج العربي وانكشاف الأجواء بعد الضربة (الإسرائيلي)

استهدفت الطائرات (الإسرائيلية) يوم الثلاثاء 9 تشرين الأول أحد فنادق العاصمة القطرية وهو المكان الذي تجري فيه المباحثات بين وفد فلسطيني برئاسة البو حية ووفود أخرى بضمنها وفد أمريكية ومصري ووفود خليجية فضلاً عن وفد (إسرائيل) من أجل التوصل إلى أتقاف حول وقف إطلاق النار في غزة ورغم أن العملية برمتها كانت فاشلة في كل المقاييس العسكرية ولم تستطع تحقيق أي من أهدافها إلا أنها تسببت او أحدثت شرخاً كبيراً في المسلمات التي كان القادة الخليجيون يعتقدون بها، وهي أنهم في مأمن من أي عدوان صهيوني. هذه العملية ربما ينظر إليها البعض من القادة العسكريين والمفكرين الاستراتيجيين على أنها جزء من استراتيجية الردع المبني على اليد الطولى (لإسرائيل) والمتمثلة بالقوة الجوية ذات الإمكانات الواسعة والقدرات المساوية من حيث التقنيات لما تمتلكه القوات الجوية الأمريكية وبالتالي فإن تنفيذها يعدّ جزء من نظرية الأمن (الإسرائيلي).

 

في ذات الوقت يجد آخرون أنّ مثل هذه العمليات تقوض وإلى حد كبير المشاريع المتصهينة والمتمثلة بالإبراهيمية وصفة القرن والتطبيع إذ أنها تتسبب بأحراج القادة الخليجيين الذين اعتمدوا كلياً على القوات الأمريكية والبريطانية لحمايتهم. وهنا وبين الرأي المساند والمخالف تبرز إلى الوجود حقيقة يحاول قادة الخليج والقائمين على إدارة الملفات العسكرية والأمنية فيها تجاهلها وهي أنّ أمن (إسرائيل) جزء لا يتجزأ من أمن أمريكا لذلك فإن لا هدف يشاغل خارج (إسرائيل) أن لم تكن القيادة الأمريكية على علم كامل به رغم النكران وعمليات الشجب الخجولة.

 

 

أمام هذا كله فإن دول الخليج العربي لاتزال وستبقى وإلى مدى ليس بالقريب تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية كضامنة لأمنها.  رغم كل ما يحصل من خروقات. وهنالك احتمالات قائمة  تكاد أن تكون ملموسة وهي أن أمريكا وبعد أن فرضت وجودها منذ زمن في الخليج ستعمل على صهر سوريا المقادة من قبل احمد الشرع بذات الاتجاه لاسيما وأنها في مأمن من الأردن ومصر باعتبارهما من أوائل المطبعين مع (إسرائيل)  في حين أن لبنان وبعد ما حصل لحزب الله لم يعد بذات القوة  التي تشكل تهديداً استراتيجيا على (إسرائيل) اما العراق فإن مؤشرات الاقتراب من التطبيع تظهر بين الحين والأخر بأشكال مختلفة لمعرفة ردة الفعل وهكذا نجد أن الضربة التي وجهتها (إسرائيل)  إلى الدوحة لم تغير في المواقف العربية والخليجية إطلاقاً بل أسهمت في الإسراع لطلب الحماية من الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً ليس هي فقط بل الغالبية العظمى من دول (الشرق الأوسط) العربية.

 

 

أنصار الله الحوثيون .. استمرار أم مهادنة هشة

لايزال خطر الحوثيون قائم رغم كل ما حصل من توجيه ضربات أمريكية و(إسرائيلية) تجاه أهداف منتخبة سواء في صنعاء او تجاه ميناء الحديدة او غيرها من المدن التي تخضع لسيطرة الحوثيين وبقراءة واقعية لمجريات الحالة القائمة فإن صواريخ أنصار الله ومسيراتهم لم تنقطع إلا أنها شهدت انخفاضا حاداً قياساً بالأشهر السابقة ولذلك أسباب عديدة ومنها ما يلي:

  1.  انخفاض حاد في الدعم المقدم لأنصار الله الحوثيين من قبل إيران لاسيما في البعض من التقنيات المطلوبة لتجميع او تصنيع الصواريخ بعيدة المدى او الطائرات المسيرة الانتحارية او القاصفة.

  2. الهجمات الممنهجة والمرتفعة الشدة للطائرات (الإسرائيلية) المدعومة بوسائل دلالة وقيادة وسيطرة وإعادة التزود بالوقود الأمريكية والبريطانية.

  3. الأضرار الكبيرة التي لحقت بميناء الحديدة وما حوله وكذلك العاصمة صنعاء مما ولد نضوب في مصادر الطاقة وتراجع كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية.

  4. الاستهداف الممنهج للقيادة اليمنية التي تقود صنعاء وما نجم عنها من استشهاد عدد من كبار المسؤولين والقادة العسكريين وقد استوجب هذا الأمر إعادة نظر جذرية في استراتيجيات العمل.

  5. تضييق الخناق البحري على اليمن من خلال تحالفات عسكرية بحرية معلنة وغير معلنة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتشترك بها أطراف عربية وغربية مما جعل من الصعب على المخططين لتنفيذ الضربات المناورة بالمستوى السوقي لاستهداف أهداف مؤثرة.

مع ذلك فإن الخطر الحوثي لايزال قائماً حتى بعد تعرض أغلب القيادات الحوثية لعميات اغتيال ممنهجة من الجو وآخرهم الشهيد رئيس الأركان الجيش اليمني اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري يوم 16 تشرين الاول 2025 أثر غارة جوية (الإسرائيلية). وعليه فإن احتمالات المعاودة لذات النشاط وبذات القوة والزخم وارد ولكن قد لا تكون بالسرعة التي نتوقعها غير أنّ عودة الصراع العسكري المباشر بين إيران و(إسرائيل) قد يدفع الحوثيين إلى المزيد من العمل العسكري تجاه (إسرائيل) وتجاه السفن والبواخر التي تقدم الدعم (لإسرائيل) من خلال نقل البضائع او الأسلحة.

 

 

فصائل المقاومة الإسلامية في العراق بين التهويل الإعلامي والواقع الفعلي

لا يمكن إنكار أن أكثر الجهات تضرراً مما حصل بعد استشهاد سيد المقاومة الشهيد حسن نصر الله ليس حزب الله فقط بل كل فصائل المقاومة الإسلامية التي قارعت العدو الصهيوني وفي مقدمتها فصائل المقاومة العراقية التي عانت كثيرا من انعدام القدرة على المناورة والعمل الميداني تجاه (إسرائيل) لاسيما بعد أن استطاعت جبهة النصرة وجند الشام من الاستيلاء على السلطة في دمشق إذ انحسرت وإلى حد كبير قدرة هذه الفصائل على القيام بأي فعل قتالي ميداني. فضلاً عن أنّ الضغوطات التي تعرضت لها الحكومة العراقية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى لغرض تحجيم قدرات تلك الفصائل والتي نجحت وإلى حد كبير في تحجيم دور الفصائل وإيقاف أغلب عمليات الاستهداف التي كانت تنفذها فصائل المقاومة العراقية تجاه (إسرائيل) وكذلك تجاه المصالح والقواعد الأمريكية في العراق.

بقراءة عسكرية دقيقة لواقع فصائل المقاومة الإسلامية في العراق والممثلة كأعمدة رئيسة فيها (كتائب حزب الله وحركة النجباء والعصائب وكتاب سيد الشهداء وكتائب الامام علي) فإن ما يمكن أنّ نصل إليه من الاحتمالات لما بعد مؤتمر شرم الشيخ ما يلي:

 

 

  1. المهادنة والرضوخ للضغوط حتى عبور مرحلة الانتخابات وبعدها تتم المراجعة من قبل تلك الفصائل للاستراتيجيات الواجب اتباعها.

  2. معاودة العمل العسكرية بوتيرة منخفضة جداً تجاه أهداف منتخبة بدقة داخل الأراضي العراقية لاسيما مناطق إقليم كردستان مستهدفة بالدرجة الأساس ما تبقى من القواعد العسكرية لقوات التحالف والقوات الامريكية.

  3. العودة وبقوة وبإمكانات غير مستخدمة مسبقا وهذا الاحتمال مرتبط بالدرجة الأساس باحتمالية معاودة (إسرائيل) للحرب على إيران إذ لن تقف حينها فصائل المقاومة الإسلامية موقف المتفرج بل يحتمل أنّ قسم منها سيكون لها فعل قتالي متصاعد وسريع.

  4. الانكفاء الكلي والتخلي عن أي ممارسة او فعل قتالي مستقبلاً لاتجاه (إسرائيل) ولا حتى تجاه القواعد الأمريكية في الأراضي العراقية والذهاب باتجاه العمل السياسية والبرلمان.

إنّ تحديد أكثر الاحتمالات وروداً أمر في غاية الصعوبة لأسباب متعددة أولها أنّ فصائل المقاومة العراقية بالوقت الحاضر تعاني من فقدان بوصلة الاتجاه الموحد والأمر الثاني هو أنّ إيران الداعم الأساسي لهذه الفصائل في وضع تفاوضي ودبلوماسي صعب كما أن افرازات حرب الاثنا عشر يوم لاتزال ذات تأثير على طبيعة القرارات التي على حكومة طهران اتخاذها  مما يجعل من الصعب التعويل على الدعم الإيراني الكامل خلال هذه المرجلة السبب الثالث هو أنّ الواقع العراقي الحالي بشقيه السياسي والعسكري ينأى بنفسه عن أي مواجهة مباشرة او غير مباشرة مع (إسرائيل) لذلك فإن الفصائل والحالة هذه ستكون مجبرة على الرضوخ للإرادة العامة سواء الحكومية منها او البرلمانية او الإقليمية او الدولية.

 

 

 

لبنان وحزب الله والموازنة الصعبة بعد شرم الشيخ

قد يكون حزب الله اللبناني من أكثر فصائل المقاومة تضرراً وتأثراً بما جرى الاتفاق عليه في شرم الشيخ من خلال بنود المقترحات التي قدمها ترامب رغم أنّ تكلك المقترحات لم تتطرق إلى حزب الله او لبنان إلا أنها في ذات الوقت منحت (إسرائيل) فرص وليست فرصة واحدة فقط لمعاودة الأعمال العسكرية العالية الشدة تجاه الجنوب اللبناني رغم كل الرضوخ الذي قدمته الحكومة اللبنانية (لإسرائيل).

 (فإسرائيل) لا تعتبر الحكومة اللبنانية بتشكيلتها الحالية ذات أهمية بل إنه يتعامل معها كما لو إنها إدارة متخصصة بالخدمات والعمل الشرطوي والصحي والسياحي إدراكا من (إسرائيل) أنّ الرئيس اللبناني وكذلك رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية جميعهم غير قادرين على التأثير على القيادة الحالية لحزب الله رغم ما يعانيه الحزب من حالة اللااستقرار بعد استشهاد قائد المقاومة وسيدها الشهيد حسن نصر الله وليس ادل على ذلك من أن الرئيس اللبناني قد أعلن مراراً وتكراراً بأن نزع سلاح حزب الله قد اتخذ. إلا إنّ الواقع على الأرض يناقض ذلك تماما.

من جانب آخر فإن (إسرائيل) لا ترغب إطلاقاً على أنّ يتحول حزب الله إلى حزب سياسي دون أنّ تكون له قدرات عسكرية مبطنة إدراكا من قادة (إسرائيل) وعلى ضوء معطيات ميدانية أنّ حزب الله قادر اذا ما تخذ المسار السياسي أنّ يعرقل وإلى الأبد أي بوادر للتطبيع بين (إسرائيل)  ولبنان كما أنه سيتحكم بشكل او بآخر  بطبيعة العلاقة الهشة القائمة على الحدود اللبنانية مما يستدعي استمرار حالة الترقب والعسكرة المكلفة ماديا على الجبهة  اللبنانية لذلك يحاول (إسرائيل)  وبكل الطرق جر الحزب إلى حرب معلنة كي يمتلك الذريعة للتوغل مجدداً في الجنوب اللبناني واحتمال احتلال أجزاء كبيرة من بيروت وبضمنها الضاحية الجنوبية وتنصيب حكومة لبنانية مشابهة لتلك التي شكلت بعد الاجتياح (الإسرائيلي) لجنوب لبنان عام 1982 مستغلاً حالة الهدنة في غزة التي نجمت عن مؤتمر شرم الشيخ.

 

 

 

أمريكا و(الشرق الأوسط) العودة إلى قيادة تحالف جديد

بالاعتماد على فكرة آليات العمل التي تضمنتها استراتيجية ترامب لبناء نظام دولي جديد تهيمن عليه وتسيره القيادة الأمريكية رغم كل ما يحصل من متغيرات. فإن هذه الاستراتيجيات تنتظم على نحو متجاوب مع حضور عالمي وتهديدات متزايدة الاحتقان إذ تعمل الإدارة الأمريكية على تفعيل خيار أسلوب الإدارة بالمخاطر عبر التحالفات الاستراتيجية وإنّ تجاوزت هيئتها الأولى لاسيما عندما وجدت لها أرضية مناسبة لمعالجة القضايا الإقليمية في (الشرق الأوسط) بكل قضاياه وأزماته وحروبه غزة- سوريا- اليمن- مصر- إيران إذ “الملف النووي الإيراني ومن ثم التصعيد إلى حرب معلنة” – لبنان- ليبيا- السودان- العراق ” وهكذا تعاملت مع كل هذه الملفات مبتغية أنّ تكون هي وحدها من يحرك الدمى التي سلمت إرادتها لها و لطالما بدأ (الشرق الأوسط) في نظر كل القيادات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض ميداناً لإظهار الزعامة الأمريكية العالمية والمجال الخصب للترويج لمبيعات أسلحتها  بصفقات غير مسبوقة مع هيمنة اقتصادية تجعل بترول (الشرق الأوسط) تحت الوصايا الأمريكية.

من هنا فقد عملت الإدارة الأمريكية على الوقوف كند معارض لروسيا التي تبحث عن الحصول على أكبر قدر من مناطق النفوذ  وهي تقاتل في وسط أوروبا حلفاء أمريكا المتذمرين من سياسة ترامب غير المستقرة تجاه أوكرانيا، وفي ذات الوقت تعمل الإدارة الأمريكية على تحجيم الدور الصيني خشية مسايرتها للجهد الروسي على أمل مواجهة النفوذ الأمريكي وإعادة تشكيل الخارطة الجيوستراتيجية للمنطقة خارج السيطرة الأمريكية، لتقود هي مفاتيح الصراع في (الشرق الأوسط) من خلال طرح مبادرات يغلب عليها الطابع الإعلامي بدون استراتيجيات علمية وعقلانية لتنفيذ كل مضامينها كما حصل في طرح ترامب لمبادرة شرم الشيخ. كذلك محاولات الإدارة الامريكية في أنّ تثبت للعالم بأن إيقاف القتال بين (إسرائيل) وإيران جاء بمبادرة أمريكية في حين أنّ الوقائع تشير إلى أن تلك المبادرة ما كان لها أنّ ترى النور دون أن يطلب نتنياهو ولمرات عديدة من ترامب البحث عن مخرج لإيقاف القتال بعد شعوره بتفوق غير مسبوق لإيران في مجالات متعددة من مكونات الصراع المادية.

من جانب آخر وتعزيزاً للدور الأمريكي في هذه المبادرة التي حملت اسم ترامب فقد افتتح نائب الرئيس الامريكي جي دي فانس في (إسرائيل)، يوم 23 تشرين الاول 2025. مركز تنسيق مدني-عسكري / لوجستي Civil-  يقوده الجيش الأميركي أو تحت إشرافه، ومهمته الأساسية المعلنة تنسيق دخول المساعدات الإنسانية، اللوجستيات، وإدارة السجلات والتبادل بين الدول المشاركة “ومع (إسرائيل) والجهات الإقليمية”، والجدير بالذكر أنّ هذا المركز العالي المستوى سيقاد من قبل مجموعة من الضباط الامريكان يقدر عددهم ب 200 ضابط برتب مختلفة سيعملون على أداء مهام لوجستية وإدارية وفرض سيطرة عسكرية  في هذا الإطار، كما سيعمل هذا المركز والذي هو بمثابة مركز قيادة وسيطرة ودعم على تنسيق دخول وانتشار القوات الدولية التي ستنتشر في قطاع غزة ومن ضمنها قوات عربية واسلامية من دول مثل مصر، قطر، تركيا، الإمارات “وأخرى جرت مناقشتها”  بحيث تكون متعددة الجنسيات وتشترك في مراقبة تنفيذ بنود الاتفاق “مثل إطلاق الأسرى، وخطوط وقف النار”، ومن الواضح أنّ ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تسعى من خلال جملة من الإجراءات المتخذة على الأرض بناء هيكل  إداري وعسكري وأمني واستخباري (للشرق الأوسط) الجديد وبالتالي فإن هذا المركز لا يعدو أنّ يكون بمثابة  طريقة جديدة للتمركز الأمريكي في (الشرق الأوسط) وبداية لقيادة تحالف دولي جديد سيعمل تحت آمرة القيادة الأمريكية عسكرياً وأمنياً وبالتالي فأن جميع الأطراف التي ستعمل في هذا المركز غايتها الأساس هي تحييد حماس ومن ثم إنهاء وجودها وبالتالي طي صفحة الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) إلى الأبد.

 

 

سوريا الوضع الهش ومحاولات الترميم والتطبيع المبطن

قد تكون سوريا بوضعها الحالي لا تشكل رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية قدر تعلق الأمر بالجانب الأمني والعسكري فسوريا في ظلل الحكومة الانتقالية المؤقتة هي في حقيقتها ورغم تحركاتها الدبلوماسية المثيرة للجدل ليست السلطة القادرة على فرض إرادتها على كامل الأرضي السورية فأجزاء كبيرة منها تلامس حافات دمشق أصبحت تحت السيطرة الكاملة (لإسرائيل) وتقدر بأكثر من 7% في الوقت الذي تفرض قسد سيطرتها على ما نسبته 20% في حين أنّ داعش وتنظيمات أخرى تسيطر على ما نسبته 5 – 10%  في المناطق المجاورة للعراق كذلك القوات التابعة لوجستياً لتركيا المسماة الجيش السوري الوطني هي أيضاً تحتل ما نسبته 3-5% من الأراضي السورية  فضلاً عن ما خسره الشرع من تأييد مسبق من قبل العلويين والدروز الذين يسطرون على قرابة 2 % بعد المجازر التي تعرضوا لها واصبحوا في وضع  من الصعب أنّ تكون للشرع قدرة على تغييره لاسيما للدروز الذين التحقوا تحت عباءة (إسرائيل). في حين أنّ فصائل الغرباء هي الأخرى باتت تشكل تهديداً أكثر خطورة من السابق بعد أنّ غازلتها داعش وحاولت احتواها نتيجة عزم الشرع على إقصاء مقاتلي هذه الكتيبة كونه قد تلقى أوامر أمريكية وصهيونية ومن دول غربية متعددة بأن عليه أنّ يتخلى عن  كل الأجانب الذين قاتلوا معه النظام السوري السابق وبالتالي فإن الحكومة السورية الحالية والتي هي امتداد لتنظيمات تحرير الشام والنصرة لا تسيطر إلا على أقل من 60%  من الأراضي السورية.

ومع ذلك فإن لسوريا في ظل الأوضاع الإقليمية السائدة ما بعد مؤتمر شرم الشيخ أدوار غير معلنة في مقدمتها تحجيم أي محاولة لعودة النفوذ الإيراني او فصائل المقاومة العراقية إلى الأراضي السورية وقد يتعدى الأمر هذا الدور لتلعب الحكومة الموقتة دور أكبر في مسار حركة التطبيع وتقبل فكرة الإبراهيمية وبالتالي فإن الأدوار المستقبلية فيما استطاع الشرع كبح جماح داعش وكتائب الغرباء وتحالف مع قسد وأنهى خلافاته حول التواجد الروسي في طرطوس وحميميم والقامشلي وغيرها من السواحل السورية وتصالح مع الدروز. أنّ يكون بمثابة البديل الثاني (لإسرائيل) بعد البعض من دول الخليج التي تمثل البديل الأول في تطبيق ما تطمح إليه الإدارة الأمريكية في حفظ أمن (إسرائيل) واستمرار تدفق النفط الخليجي بأقل الأسعار إلى الموانئ الأمريكية مع استمرار صفقات التسليح التي لابد أنّ تكون لكبرى الشركات الأمريكية اليد الطولى فيها.

وبقدر تعلق الأمر بالأمن الوطني العراقي فإن سوريا وعلى ضوء هذه المستجدات ستكون في حالة من التشتت بين أن تكون دولة قادرة على حماية حدودها ومكافحة الإرهاب والتطرف وبين ما هو قائم من دعوات داخل الهياكل التنظيمية للفصائل التي اسقطت الحكومة السورية السابقة والتي هي جزء من إدارة الملف الأمني والعسكري السوري بالوقت الحاضر من أنّ نهجها هو إقامة الدولة الإسلامية ذات الفكر الاصولي المتشدد  ورغم أنّ البعض من قادة هذه الفصائل قد غيروا وإلى حد كبير من طبيعة الأفكار التي كانوا يروجون لها وباتوا يطرحون فكرة سوريا للسوريين ولا علاقة لها بجوارها إلا أنّ ذلك لا يمنع  من ينمو مجدداً تنظيم داعش او أي تنظيم متطرف آخر في المناطق الهشة والرخوة من سوريا لاسيما المناطق المجاورة للعراق  واحتضان المقاتلين الأجانب الذين تعج بهم التنظيمات العسكرية السورية الحالية  والمرفوضين أمريكيا وغربيا وحتى من قبل الشرع نفسه بالوقت الحاضر. وهؤلاء من الصعب عليهم العودة إلى بلدانهم كونهم مطلوبين للعدالة بتهم الإرهاب والترويج للعنف، فضلاً عن أولئك الذين تربوا في أحضان داعش في مخيم الهول من العراقيين والأجانب والذين يصعب عليهم العودة إلى بلدانهم بعد غلق المخيم نهائيا. ومع ذلك فإن ما سيحصل يتوقف على طبيعة النظام الذي سيدير السلطة في العراق بعد الانتخابات والذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أنّ يكون مطيعا لأمريكا ومطبعاً مع (إسرائيل) ورافضاً لاي تقارب عراقي إيراني رغم أنّ كل الدلائل تشير إلى استحالة حصول ذلك خلال هذه الدورة الانتخابية.

 

 

روسيا والبقاء على التواجد العسكري في (الشرق الأوسط)

من أكثر المتغيرات مثاراً للتساؤل هو الزيارة الأخيرة لأحمد الشرع إلى روسيا والحديث عن إبقاء المصالح الروسية ولاسيما القواعد البحرية في طرطوس وحميميم على حالها ورغم أنّ البيان الختامي للزيارة كان مقتضبا ولم يتطرق إلى مثل هذا الاتفاق إذ جرى الحديث عنه فقط في أحاديث إعلامية غير رسمية. وقد اشارت وسائل الاعلام للطرفين أنّ الزيارة قد ركزت على تجديد اتفاق القاعدتين الروسيتين في حميميم و طرطوس في حين لم يرد أي ذكر لقاعدة القامشلي كونها ليست تحت سيطرة الحكومة السورية الحالية  إضافة إلى  ذلك فقد تمخضت الزيارة عن توقيع عقود لتسليح الجيش السوري، مع التركيز على الدفاع الجوي وهذه العقود هس الأخرى لم يعلن عنها بشكل تفصيلي. وكذلك جرى التطرق إلى دعم روسيا للحكومة السورية في بسط سلطتها على كامل الأراضي، والحفاظ على وحدة الدولة، ومساعدتها في رفع العقوبات داخل مجلس الأمن. في حين أكد رئيس الحكومة الانتقالية السورية الشرع لبوتين التزام دمشق بجميع الاتفاقات السابقة، ورغبته في إعادة تعريف العلاقات على أساس احترام السيادة ووحدة الأراضي.

إنّ ذلك إنّ حصل فأن روسيا قد حصلت على ما تبتغيه وهو البقاء على سواحل المياه الدافئة في البحر المتوسط وبالتالي فأنها لم تغادر (الشرق الأوسط) مثلما جرى الحديث في الأيام التي تلت سقوط الأسد وفي الوقت الحاضر فإن روسيا تحتفظ بالقواعد التالية في سوريا في ظل نظام احمد الشرع وهي:

 

 قاعدة حميميم:

تقع في محافظة اللاذقية غرب سوريا وتعدّ العمود الفقري للوجود العسكري الروسي في المنطقة. تحتوي القاعدة على أنواع طائرات من طرازات مختلفة مثل سوخوي-24، وسوخوي-34، وسوخوي-35، وميج-29 التي تستطيع القيام بعمليات جوية متعددة، تشتمل على أنظمة دفاع صواريخ مثل إس-400 التي تعمل على صد الهجمات الجوية من الدول والجماعات المختلفة.

 

قاعدة طرطوس:

تقع على الساحل السوري. تحتوي على أرصفة للسفن الحربية الروسية وأماكن لتخزين الإمدادات العسكرية التي تحتاجها القوات العسكرية والمعدات، كما تحتوي القاعدة أيضًا على أنظمة دفاع جوي مثل إس-300 لحماية السفن الحربية.

 

قاعدة القامشلي:

استفادت روسيا من إعادة الانتشار الجزئي للقوات الأمريكية شمال شرق سوريا، وأسست قاعدة للطيران المروحي في القامشلي، وركزت فيها قرابة 200 جندي مع عربات مدرعة، و6 طائرات مروحية من طراز مي 8 ومي 26، استخدمتها في تسيير دوريات مشتركة مع الجانب التركي على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.

هذا المتغير في طبيعة العلاقات السورية الروسية سيمنح موسكو بعداً جديداً في طبيعة علاقتها القائمة مع بلدان (الشرق الأوسط) وبما فيهم (إسرائيل) رغم انعدام الثقة لدى الطرفين بسبب موقف (إسرائيل) من الحرب الأوكرانية والمساعدات العسكرية لتل ابيب لكييف طيلة مدة الحرب القائمة كذلك فإنه يبقى الباب مفتوحا لصفقات أسلحة جديدة من مناشئ روسية لاسيما لمصر والعراق فضلاً عن سوريا.

 

 

تركيا غموض المواقف ومحاولة الظهور الإعلامي

تركيا اللاعب الأكثر غموضاً في (الشرق الأوسط) والتي استطاعت من خلال حكم اوردغان الذي يفترض به أنّ يكون الأقرب إلى القضية الفلسطينية بحكم توجهاته الاخوانية، إلا أنه وهذه هي طبيعة السياسة التركية منذ  إعلان الجمهورية على يد أتاتورك في أنها تحاول أنّ تكون على مسافة قريبة جداً من التوجهات الغربية والأمريكية وحتى (الإسرائيلية) مع عدم فقدان البوصلة في علاقتها مع العرب والفلسطينيين لذلك فقد غلب الطابع الإعلامي على خطابات اوردغان طيلة مدة ازمة غزة إلا أنّ الواقع على الأرض لم يحمل أي من المتغيرات تجاه (إسرائيل)  بل بقيت العلاقات العسكرية التركية (الإسرائيلية) على ما هي عليه واستمرت صفقات الأسلحة والتطوير المشترك للصناعات العسكرية بين الطرفين وحتى أثناء الحرب بين (إسرائيل) و إيران ورغم إعلان تركيا إغلاق المجال الجوي التركي للطائرات المقاتلة للطرفين إلا أنّ هنالك شكوك كبيرة في أنّ تركيا أسهمت بشكل او بآخر بمساعدة (إسرائيل) في قصف وتدمير المواقع الإيرانية القريبة من حدودها رغم أنّ ذلك لم يتم إثباته عملياً.

إنّ تركيا بعد شرم الشيخ تشعر بنوع من الارتياح كون المبادرة التي تقدم بها ترامب قد منحتها قدر أكبر من القدرة على التوجه الإعلامي في خطاباتها بدل ما كان مطلوب منها من إجراءات تحاكي الواقع، ومن باب المشاركة والظهور بمظهر الاهتمام بما حصل في غزة فأن أنقرة تجري مباحثات حول مشاركة للجيش التركي في بعثة لحفظ السلام بقطاع غزة، وذلك رغم الرفض(الإسرائيلي) للوجود العسكري التركي في القطاع. لذلك تحاول تركيا التواصل مع الجانب الأمريكي حول مشاركتها  في البعثة التي سيتم إنشاؤها في غزة”، إذ تمت إقامة مركز تنسيق عسكري مدني بغية تشكيل قوة تعمل في غزة لغرض تطبيق البنود التي أعلنها ترامب، مهمة القوة الدولية لإرساء الاستقرار إذ ستكلف بالقيام بدوريات أمنية وحماية البنى التحتية المدنية والمساعدات الإنسانية وأمن الحدود وتدريب قوات الأمن المحلية ومراقبة وقف إطلاق النار”.وكان رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو قد  أعرب عن رفضه نشر قوات تركية في قطاع غزة في إطار مهمة دولية لمراقبة وقف إطلاق النار، رغم تأكيد الولايات المتحدة أن تركيا سيكون لها “دور بناء” في خطة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب وإنّ نتنياهو  أبلغ(جيه دي فانس ( نائب الرئيس الأميركي بأن (إسرائيل) لن تسمح للأتراك بدخول غزة.

وهنا لابد من تبيان حقيقة لم يتم التركيز عليها خلال أكثر من عامين وهي هل أنّ تركيا بحكومتها الإسلامية المزعومة قد قدمت لحماس او لغزة أي دعم رغم أنّ التوجه الإخواني الذي يجمع الاثنان معا.  تركيا تحاول الآن أنّ تعاود لعب دور أكبر في المنطقة لاسيما بعد الانحسار الإيراني والتواجد الروسي الخجول فهي تضغط بشتى الوسائل ومنها السياسة المائية على العراق لتكون طرفا في المتغيرات الحاصلة بالمنطقة لاسيما وأنّ طريق التنمية لا يمكن له أنّ يرى النور دون أنّ تكون لتركيا الحصة الأكبر فيها كما أنّ إقرار البرمان التركي يوم 24 تشرين الأول بإبقاء القوات التركية في شمال العراق وسوريا وهو جزء من سياسة فرض الأمر الواقع الذي تنتهجه تركيا حيال جيرانها لذلك فإن ما حصل في شرم الشيخ يعدّ بالنسبة لتركيا مكسباً تخلصت من خلاله من أعباء تأييدها الإعلامي المعلن لغزة.

 

تجارة الأسلحة ودورها في السلام (الشرق أوسطي)

المراقب لما حصل من صفقات أسلحة خلال العامين 2023 و2024 والعام الحالي 2025 يجد أنّ النسبة الأكبر من مبيعات الأسلحة كانت من نصيب دول (الشرق الأوسط) وفي مقدمتها دول الخليج التي تصدرت القائمة بعد (إسرائيل) هذه الصفقات ما كان لها أنّ تتصاعد دون أنّ تكون هنالك بوادر للتصعيد العسكري أي اذكاء الصراعات بالمزيد من الأسلحة.  إذ كان للحرب بين إيران و(إسرائيل) الدور الأكبر في هذا التصعيد كذلك ما أعقب طوفان الأقصى من تسارع في الاحداث وتصاعد في وتيرة التسليح لاسيما لمنظومات الدفاع الجوي. فضلاً عما حملته رياح التغيير في سوريا من مبررات لزيادة العدة والعدد للأنظمة القائمة في منطقة (الشرق الأوسط). ورغم كل ما تقدم فان التحكم بسياسات التسليح لدول (الشرق الأوسط) يتم خلف الكواليس باتجاه الدفع نحو المزيد من صفقات الأسلحة والذي يجري بإرادة أمريكية ومتابعة (إسرائيلية) دقيقة وبأموال اغلبها خليجية لم يكن مجرد إضافة أسلحة لترسانة الأسلحة غير المستخدمة من قبل جميع دول الخليج. وكذلك تركيا الحريصة على تصعيد قدراتها التسليحية والتصنيعية وغير المستخدمة عدا ما يتطلبه الموقف القتالي في شمال سوريا الآن وشمال العراق سابقاً. أي أنً هذه الصفقات لا تعدو أنّ تكون رفع للقدرات الاقتصادية الأمريكية والغربية في ظل المنافسة الأمريكية الصينية والعلاقات المضطربة بين أمريكا وروسيا والتصعيد الحاصل في قدرات (بريكس) للتخلي نهائياً عن التعامل بالدولار الأمريكي.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى