الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
تركيا على مفترق ما بعد أردوغان: صراع الخلافة وتحوّلات النظام السياسي

بقلم: الباحث بختيار أحمد صالح
تواجه تركيا مرحلة دقيقة تتعلق بمستقبل النظام السياسي بعد رجب طيب أردوغان، الذي شكّل محور السلطة على مدى أكثر من عقدين. مع تقدمه في السن وتراجع صحته، باتت مسألة الخلافة السياسية داخل حزب العدالة والتنمية وفي الدولة التركية أحد أكثر الملفات حساسية، ليس فقط داخليًا، بل أيضًا في معادلات الإقليم والعلاقات مع القوى الكبرى. تحلل هذه الورقة الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية لصراع الخلافة، مع التركيز على الشخصيات البارزة التي قد تخلف أردوغان، مع مقارنة بين رؤية روسيا ورؤية الولايات المتحدة لهذا الانتقال الحرج.
منذ عام 2003، ارتبطت صورة تركيا الحديثة بشخص رجب طيب أردوغان. تحوّل الرجل من رئيس بلدية إسطنبول إلى زعيم مركزي، بنى حوله نظامًا هجينًا يجمع بين الإسلام السياسي والقومية المحافظة والتسلطية المؤسسية. غير أن تزايد التحديات الاقتصادية، والانقسامات داخل الائتلاف الحاكم، واهتزاز صورة تركيا في الغرب، جعلت التساؤل حول اليوم التالي لأردوغان سؤالًا استراتيجيًا يتجاوز حدود البلاد.
أولًا: العوامل الدافعة لصراع الخلافة
-
العامل الصحي والزمني: يبلغ أردوغان 71 عامًا، وتكررت مؤشرات التعب والمرض في ظهوره العلني. هذا العامل وحده كافٍ لتغذية النقاش حول خليفته المحتمل.
-
الانقسام داخل الحزب الحاكم: حزب العدالة والتنمية لم يعد موحدًا كما في العقد الأول من حكمه، برزت فجوة بين جناح العائلة، والأمن والمخابرات، والدوائر الاقتصادية.
-
الأزمة الاقتصادية: التضخم وتراجع قيمة الليرة وفقدان ثقة المستثمرين جعلت الاستقرار الاقتصادي عاملاً حاسمًا في تقييم أي خليفة محتمل.
-
تأثير العامل الخارجي: الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي يراقبون هذا الملف عن كثب. فتركيا تمثل محورًا جيوسياسيًا فريدًا، وأي تغيير في قيادتها سينعكس على ملفات مثل سوريا، الناتو، أوكرانيا، والطاقة.
-
العامل العسكري–المؤسسي: رغم تقليص نفوذ الجيش منذ 2003، يبقى احتمال لعبه دورًا مباشرًا واردًا في حال حدوث فراغ مفاجئ.
ثانيًا: خريطة المرشحين المحتملين
يمكن تقسيم الشخصيات المحتملة إلى أربع فئات رئيسية:
-
خاندان أردوغان والحلقة العائلية
-
بلال أردوغان: شخصية رمزية، حضوره قوي في المحافل الإسلامية، لكنه يفتقر للقبول المؤسسي والشعبي بسبب شبهات فساد.
-
برات ألبيراق: صهر الرئيس ووزير الاقتصاد السابق، تراجعت مكانته بعد أزمة الليرة عام 2020 واستقالته الغامضة.
-
-
الدوائر الأمنية والاستخبارية
-
هاكان فيدان: وزير الخارجية والرئيس السابق للاستخبارات، يُنظر إليه كشخصية براغماتية ومقبولة دوليًا، خصوصًا من موسكو وواشنطن.
-
إبراهيم كالين: الرئيس الحالي للاستخبارات، يتمتع برؤية أيديولوجية محافظة، ما يجعله مثيرًا للقلق لدى الغرب وروسيا على حد سواء.
-
-
التكنوقراط العسكري–الصناعي
-
سلجوق بايراقدار: مهندس الطائرات المسيّرة وصهر العائلة. يمثل رمزًا قوميًا، لكن افتقاره للخبرة السياسية يجعله خيارًا عالي المخاطر دوليًا.
-
-
الحاشية السابقة والمهمّشون
-
سليمان سويلو: وزير الداخلية الأسبق، رغم نفوذه بين المحافظين، إلا أن فضائح الفساد قللت من حظوظه الفعلية.
-
-
المعارضة
-
أكرم إمام أوغلو (رئيس بلدية إسطنبول) ومنصور يافاش (رئيس بلدية أنقرة) يمثلان رموزًا محتملة للمعارضة. فرصهما تتوقف على توحيد صفوف حزب الشعب الجمهوري وبناء تحالفات مع القوميين.
-
ثالثًا: رؤية القوى الكبرى
-
رؤية روسيا: لا ترى موسكو بين المرشحين شخصية صديقة استراتيجيًا، لكنها تميل إلى هاكان فيدان باعتباره الأقل ضررًا والأكثر قابلية للتفاهم، مقارنةً بمغامر مثل بايراقدار أو أيديولوجي مثل كالين.
-
رؤية الولايات المتحدة
-
الأولوية الأميركية: ضمان بقاء تركيا في حلف الناتو وعدم انزلاقها نحو محور روسي–صيني.
-
المرشح المفضل: هاكان فيدان، باعتباره براغماتيًا قادرًا على التوازن بين الملفات الإقليمية والالتزامات الأطلسية.
-
تحفظات واشنطن: بلال أردوغان وبرات ألبيراق يفتقران للكفاءة وقد يثيران أزمات شرعي،. كالين قد يعيد إنتاج الإسلام السياسي بنكهة أكثر تشددًا و بايراقدار رغم أهميته التكنولوجية، يمثل خطرًا بإغراق تركيا في قومية متشددة.
-
السيناريو المفضل: انتقال منظم عبر شخصية أمنية/براغماتية، مع بقاء المجال مفتوحًا لإصلاحات تدريجية تقودها المعارضة إذا نجحت في استثمار اللحظة.
رابعًا: السيناريوهات المحتملة لما بعد أردوغان
مع ترتيبها وفق الاحتمالية والتأثير:
-
استمرار النظام الأردوغاني بصيغة جديدة (احتمالية عالية/تأثير متوسط): يقوده فيدان أو كالين، مع بقاء العائلة في الخلفية.
-
تفكك التحالف الحاكم وصعود بديل داخلي (احتمالية متوسطة/تأثير عالٍ): يؤدي إلى صراع داخلي يفتح الباب لتحالفات جديدة.
-
مرحلة انتقالية فوضوية (احتمالية متوسطة/تأثير عالٍ): وفاة مفاجئة أو تدهور صحي قد يفتح الباب لتدخل الجيش.
-
إصلاح دستوري بقيادة المعارضة (احتمالية منخفضة/تأثير عالٍ): لحظة نادرة تسمح بعودة النظام البرلماني.
خامسًا: التداعيات الإقليمية والدولية
-
العلاقة مع روسيا: مستقبل الطاقة وسوريا والبحر الأسود سيُعاد رسمه وفق شخصية القائد الجديد.
-
الناتو والغرب: القلق الأكبر في واشنطن وبروكسل يتمثل في أي اضطراب مفاجئ يُضعف جبهة الحلف.
-
الشرق الأوسط: الدور التركي في سوريا، ليبيا، والتطبيع مع إسرائيل سيعتمد على طبيعة القيادة المقبلة.
-
الاقتصاد: أي خليفة سيتعين عليه مواجهة التضخم وتراجع الاستثمارات، ما يجعل العامل الاقتصادي محددًا أساسيًا للاستقرار.
الخاتمة
المشهد السياسي التركي يقف على أعتاب مرحلة ما بعد أردوغان، وهي مرحلة قد تكون الأعقد منذ تأسيس الجمهورية. الصراع الحالي ليس مجرد تنافس على السلطة، بل هو صراع على هوية تركيا وموقعها الجيوسياسي. الخيارات المطروحة – من فيدان البراغماتي إلى بايراقدار العسكري أو بلال الوريث العائلي – تكشف هشاشة النظام الذي بناه أردوغان حول شخصه أكثر من مؤسساته.
روسيا تنظر إلى الملف من زاوية الشرور المختلفة، بينما الولايات المتحدة تسعى لضمان الاستقرار عبر البراغماتية الأمنية. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيسمح النظام الذي صممه أردوغان بولادة زعيم جديد، أم أن رحيله سيؤدي إلى تفكك البنية التي بناها على مقاسه الشخصي؟
المصادر
-1Kanal Rybar. (2025). Post-Erdogan Scenarios in Turkey: Six Potential Successors
-2TRT World. (2024). Turkey’s Power Transition: Inside Erdoğan’s Inner Circle.
-3Yavuz, M. H., & Özcan, N. (2023). Authoritarian Consolidation in Turkey: Erdoğan and Beyond. Middle East Policy Journal.
-4Al-Monitor. (2025). Who Will Succeed Erdoğan? Inside Turkey’s Political Chessboard.
-5Reuters. (2024). Turkey’s Intelligence Shake-Up: From Fidan to Kalin.
-6BBC Turkish. (2025). Selçuk Bayraktar and the New Military Elite in Turkey.
-7Brookings Institution. (2024). Turkey and NATO: The Future of the Alliance Post-Erdogan.
-8RAND Corporation. (2023). Turkey’s Strategic Posture and U.S. Interests.



