الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

الولايات المتحدة والأمم المتحدة بين مسعى الإضعاف ورغبة “الإحياء من جديد”؟

بقلم: لوريل راب / مديرة برنامج الولايات المتحدة وأميركا الشمالية

ترجمة: صفا مهدي عسكر

تحرير: حسن فاضل سليم /د. عمار عباس الشاهين

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

تتوافد القادة إلى نيويورك لإحياء الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة، ويحمل شعار الدورة الحالية للجمعية العامة عنوان “معًا نحو الأفضل ثمانون عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان”، في محاولة لتأكيد القيمة المستمرة للتعاون الدولي.

غير أن الواقع العالمي الراهن يجعل من الصعب العثور على أدلة قوية تؤيد هذه الرؤية، فقد كان عاماً مليئاً بالتحديات بالنسبة للأمم المتحدة في ظل تصاعد الانقسامات بين القوى الكبرى، وتزايد الشكوك تجاه المؤسسات متعددة الأطراف وتركيز الدول بصورة أكبر على شؤونها الداخلية، وتجلّت هذه الاتجاهات بشكل خاص في الولايات المتحدة الدولة المضيفة لمقر المنظمة وأكبر مموليها.

ويشارك ممثلو 193 دولة عضو في اجتماعات رئيسية تناولت قضايا المناخ وتمويل التنمية والدولة الفلسطينية وحوكمة الذكاء الاصطناعي، إلى جانب سلسلة من الاجتماعات الثنائية والفعاليات الجانبية، وبينما يسعى المشاركون إلى تقييم التحديات الكبرى التي تواجه النظام الدولي، سيكون عليهم التعامل مع الدور الأميركي المتغير.

 

إعادة إحياء الأمم المتحدة

 منذ عودتها إلى السلطة في كانون الثاني تبنّت إدارة ترامب نهجاً صدامياً تجاه الأمم المتحدة، فقد انسحبت مجدداً من مؤسسات أممية رئيسية وخفضت تمويلها بمقدار مليار دولار، وسرّحت أكثر من ألف خبير أميركي كانت مهامهم تدعم وظائف أساسية داخل المنظمة.

ومع ذلك تؤكد الإدارة الأميركية- على الأقل في خطابها الرسمي- رغبتها في البقاء منخرطة في منظومة الأمم المتحدة، ففي جلسة استماع في مجلس الشيوخ الصيف الماضي أشار المندوب الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايكل وولتز إلى قيمة المنظمة باعتبارها “المكان الوحيد الذي يمكن للجميع فيه الحوار لحلّ النزاعات”. وقدم وولتز رؤيته لمؤسسة أكثر تركيزاً وإصلاحاً، أمم متحدة تركّز على منع النزاعات وتسويتها بنهج جديد لعمليات حفظ السلام وتتمتع بميزانية شفافة وتحارب معاداة السامية وتتخلى عن “تسييس القضايا الداخلية الأميركية”، كما تعهّد بقيادة أميركية قوية لمواجهة النفوذ الصيني داخل المنظمة وبحضور فاعل في الهيئات الدولية المعنية بوضع المعايير في مجالات الطيران والاتصالات والملكية الفكرية، وختم قائلاً “أنا واثق من أننا قادرون على جعل الأمم المتحدة عظيمة من جديد”.

وقد تبنّت إدارات ديمقراطية سابقة أهدافاً مشابهة لا سيما فيما يتعلق بشفافية الميزانية والتصدي للصين والمشاركة في وضع المعايير، غير أن تلك الإدارات كانت ترى أن النفوذ الأميركي يمر أولاً عبر دفع الالتزامات المالية والانضمام إلى المؤسسات، أما إدارة ترامب فتبدو وكأنها تختبر استراتيجية معاكسة (الإضعاف أولاً، ثم إعادة الانخراط لاحقاً).

في هذا الاجتماع طرحت الولايات المتحدة استراتيجية “الإضعاف” من خلال مواجهة بعض برامج الأمم المتحدة وتقديم مقاربات بديلة للمعايير المتفق عليها منذ زمن، وتأمل واشنطن في محاربة ما تصفه بـ”البيروقراطية المتضخمة التي تقوّض السيادة الوطنية وتروج لأيديولوجيات مدمّرة مثل التنوع والإنصاف والإدماج”، كما تستعد لاستضافة فعالية تهدف إلى إعادة صياغة السياسات المتعلقة باللجوء والهجرة.

وربما تظهر أوضح تجليات هذه الاستراتيجية في “قمة مسألة فلسطين”، التي تهدف إلى حشد الدعم لإقامة دولة فلسطينية، فبينما أعلنت المملكة المتحدة وأستراليا وكندا والبرتغال اعترافها بدولة فلسطين قبيل انعقاد الجمعية العامة، تصدّرت الولايات المتحدة العناوين برفضها منح أكثر من 90 تأشيرة دخول لأعضاء الوفد الفلسطيني.

ويبدو أن واشنطن لم تحسم بعد ما إذا كانت تسعى فقط إلى إضعاف الأمم المتحدة أم أنها تريد المضي في أجندة أكثر طموحاً لإعادة إحياء المنظمة وتعزيز وظائفها الأساسية، فقد قال الرئيس ترامب في شباط “هناك آمال كبيرة معلقة عليها لكنها لا تُدار بشكل جيد… يجب أن تنظم صفوفها”، وإذا ما أرادت الإدارة الأميركية تطوير أدوات أكثر فاعلية للسلام والأمن كما تدّعي، فسيتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت مستعدة للغوص في أعماق النظام الأممي واختبار تأثير “الاشتراطات المالية” في سياساته.

وكما أن الولايات المتحدة لم تحسم موقفها من الأمم المتحدة فإن المنظمة نفسها لم تتوصل بعد إلى استراتيجية فعّالة للتعامل مع واشنطن، ففي إدارة ترامب الأولى سعى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تجنّب انهيار أوسع للنظام عبر بناء علاقات شخصية مع ترامب وممارسة “الصبر الاستراتيجي”، أما اليوم فيروّج غوتيريش لمبادرة “UN80″ التي تتضمن سلسلة من الإصلاحات التدريجية الرامية إلى تبسيط البيروقراطية الأممية وتحسين الكفاءة المالية، غير أن هذه الجهود قد تبدو أشبه بـ”تشذيب الفروع” بينما الجذع ذاته يواجه خللاً في الجذور.

أما الشركاء الراغبون في الحفاظ على دور أميركي فاعل داخل الأمم المتحدة – مثل المملكة المتحدة والدول الأوروبية الأخرى – فقد يدركون الآن أن “الانتظار” وحده لن يكون كافياً، فمثل هذا النهج سمح بتجنب الأسئلة الصعبة المتعلقة بطبيعة النظام الأممي ومبادئه التأسيسية في ظل غياب أقوى أعضائه، رغم أن الإجابات لا تزال بعيدة المنال.

* Laurel Rapp, Does the US want to weaken the UN or make it ‘great again’? 22 September 2025, https://www.chathamhouse.org/2025/09/does-us-want-weaken-un-or-make-it-great-again

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى