الاكثر قراءةتقدير موقفغير مصنف
دوافع الهجوم الاسرائيلي المتوقع على إيران

بقلم: أ.د سعد عبيد السعيدي
مدير مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
تتجمع الكثير من المؤشرات السياسية والعسكرية والميدانية التي تشهدها منطقة (الشرق الأوسط) على ان هناك هجوم (إسرائيلي) بمساندة امريكية على إيران قد يكون قريب من تاريخ 7 تشرين الاول وهو يوم هجوم حركة حماس على بعض الاهداف (الإسرائيلية) داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن المتوقع ان تكون بعض اهداف ودوافع هذا الهجوم تشبه الاهداف السابقة للحرب الاخيرة في حين ستكون هناك اهداف جديدة وتصاعدية يمكن التطرق الى اهمها وكالاتي:
أولا: التأكد من تدمير البرنامج النووي الايراني بشكل شبه تام: فمن المعروف ان اهم هدف مباشر ولا يقبل التأجيل بالنسبة (لإسرائيل) هو التخلص تماما من خطر البرنامج النووي الايراني، وبما ان حرب ال 12 يوم لم تسفر عن ازالة هذا الخطر بشكل كلي، حيث لا تزال إيران تمتلك القدرة على استعادة انشطتها النووية ولو بوتيرة اقل من السابق.
لذلك فمن المتوقع ان يكون الهدف المباشر لاي هجوم (إسرائيلي) جديد على إيران هو تدمير البرنامج النووي الايراني بشكل شبه كلي وتعطيل قدرات إيران المادية الخاصة باستئناف الانشطة النووية لفترة طويلة وغلق خطر الملف النووي الايراني على الامن (الإسرائيلي)، وقد يشمل هذا الهدف تصفية أكبر عدد ممكن من العلماء النوويين الايرانيين واستهداف مكان تخزين اليورانيوم المخصب، وقد تستخدم (إسرائيل) طائرات درون خاصة لتحقيق هذا الهدف من بينها نسخ مطورة من طائرات كواد كابتر الرباعية.
ثانيا: تدمير القدرات الصاروخية والعسكرية الاخرى.
لا شك ان قدرات إيران العسكرية ووسائلها الخاصة بالردع لا تتعلق بالقدرات النووية فقط انما لديها ادوات اخرى مؤثرة وحاسمة في مجال فرض توازن قوى عسكري مع اعدائها وفي مقدمتهم (إسرائيل)، ومن اهم وسائل الردع العسكري الايراني بوجه (إسرائيل) هي الصواريخ البالستية.
فقد باتت إيران تمتلك قدرات صاروخية ممتازة تمتاز بتنوع القدرات من حيث المسافات او السرعة او القدرات التكنولوجية والتدميرية والقدرة على المناورة والخداع الالكتروني، تبدأ من الصواريخ التقليدية محدودة التكنولوجيا ورخيصة التكلفة وصولا الى الصواريخ الفرط صوتية فائقة السرعة وعالية الدقة بالتصويب.
ان هذه الصواريخ باتت تمثل رأس الحربة في نظام الردع الايراني لا سيما في ضوء غياب قدرات دفاع جوي معتبرة او سلاح جو قادر على مواجهة سلاح الجوي (الإسرائيلي)، وهذه الصواريخ تمثل اليوم السلاح الاكثر رعبا بالنسبة (لإسرائيل) والتي باتت تفكر وتضع الخطط لكيفية التخلص منها، اما عبر تدميرها بشكل مباشر عبر القصف وتدمير منظومات اطلاقها التي لا يمكن تجديدها بسهولة، واما تقليص قدرات ايران على اطلاقها باتجاه (إسرائيل) عبر فرض مراقبة فضائية وجوية مكثفة لتتبعها ومحاولة تحييدها، واما فرض قيود على ايران للحد من تصنيعها او تدميرها تحت الضغط العسكري والاقتصادي بطريقة مشابهة لما تم تطبيقه على العراق منذ عام 1991 بعدما خسر الحرب مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وانطلاقا من هذه الوقائع والاهمية للبرنامج الصاروخي الايراني فأن واحد من اهم الاهداف (الإسرائيلية) في اي هجوم جديد سيكون تدمير او اضعاف القدرت الصاروخية الايرانية الى ابعد حد، فضلا عن محاولة تدمير القدرة على انتاج الطائرات المسيرة والانظمة العسكرية الاخرى الخاصة كالسفن والغواصات وغيرها.
ان مهمة استهداف النظام السياسي الايراني ومحاولة اما اسقاطه او اضعافه وعزله باتت تتصدر اهداف السياسة الامنية (الإسرائيلية) تجاه منطقة (الشرق الأوسط)،
ثالثا: استهداف النظام السياسي اما لاسقاطه او اضعافه بشكل كبير وعزله وتحجيمه
يدرك قادة الاحتلال ان تدمير بعض القدرات النووية والصاروخية الايرانية لن يكون حاسما لانهاء الخطر الايراني على المستوى المتوسط والبعيد، انما يمكن استبعاد هذا الخطر عبر اسقاط النظام السياسي لهذه الدولة والذي أعلن العداء للاحتلال (الإسرائيلي) منذ تأسيسه عام 1979، وقد بدأت تصريحات قادة الاحتلال تتواتر في الفترة الاخيرة التي تدعوا الى اسقاط النظام السياسي الايراني، وعدم استبعاد امكانية استهداف رموز القيادة الايرانية في اي جولة هجوم جديد بمن فيهم المرشد الاعلى.
ان مهمة استهداف النظام السياسي الايراني ومحاولة اما اسقاطه او اضعافه وعزله باتت تتصدر اهداف السياسة الامنية (الإسرائيلية) تجاه منطقة (الشرق الأوسط)، وهي تمثل سمة اساسية من سمات السياسة الخارجية (الإسرائيلية) الجديدة لإخضاع باقي انظمة دول (الشرق الأوسط) وترويعها وابتزازها لدفعها الى الانسياق التام خلف الارادة (الإسرائيلية) المدعومة بالدعم الامريكي غير المحدود، فإضعاف اقوى نظام سياسي بالمنطقة او عزله او اسقاطه وهو النظام الايراني توجه رسالة صارمة للجميع ان دولة الاحتلال ليس لها خطوط حمراء في ما يتعلق بأستهداف الانظمة السياسية المعادية لتدميرها او اغتيال رموزها واحداث الفوضى داخلها وصولا الى امكانية استبدالها بأنظمة موالية.
رابعا: تطبيق سياسة المراحل في إطار تدمير إيران وتفكيكها عبر التمهيد في هذا الهجوم لمرحلة اخرى
قد يكون الهجوم المتوقع حلقة في سلسلة هجمات مخطط لها كمراحل في استراتيجية ممتدة لمواصلة الضغط على إيران واضعاف قدراتها تدريجيا وصولا الى تجريدها من اقوى اسلحتها العسكرية والاقتصادية والسياسية وعزلها عن حلفائها.
ويأمل قادة الاحتلال ان الاستهداف المتكرر سيفضي الى تأكل حاصل القدرات الايرانية وصولا الى وصولها الى حد انتفاء التأثير مما يفسح المجال امام حكومة الاحتلال (الإسرائيلي) لتنفيذ مخططاتها الخاصة بتشجيع النزعات الانفصالية داخل إيران بالأخص لدى كل من الكرد والبلوش.
خامسا: عزل إيران تماما عن المحور الروسي – الصيني عبر تكبيلها بشروط اضافية تتعلق بمغادرة هذا المحور والتحكم بخياراتها الاستراتيجية.
يخطط كل من (الإسرائيليين) والامريكان لمهمة عزل إيران تماما عن المحور الصيني – الروسي في إطار لعبة التوازن الدولي عبر قطع الامتداد الجيو سياسي بين هذه القوى الاساسية روسيا – الصين – إيران من خلال تكبيل إيران بشروط سياسية واقتصادية وعسكرية في حال تم اضعافها بشكل كبير عبر الضغط الاقتصادي والسياسي والهجوم العسكري المتكرر.
سادسا: التحول من سياسة التحذير لباقي دول المنطقة الى سياسة الاخضاع والهيمنة وفرض الارادة على الجميع.
سابعا: الانتهاء من مهمة اخراج إيران تماما من معادلة الصراع الاقليمي والصراع مع (إسرائيل): وهذا يعني اخراج باقي محاور المقاومة ومغادرة هذا الملف الى مرحلة اخرى من التوسع والنفوذ والسيطرة الاسرائيلية على المنطقة، حيث لن تكون (إسرائيل) حينها امام عقبة حقيقية للتمدد والهيمنة.
ثامنا: تتمثل المرحلة الاخرى من فرض الارادة والهيمنة الاسرائيلية بجانبين أساسيين:
-
هو التفرغ لتفكيك وبعثرة الدول العربية الاقوى ومنها مصر والسعودية ومحاولة قضم بعض اراضيها دون مقاومة حقيقية سواء في مصر او سوريا او الأردن.
-
التفرغ لإضعاف وتحييد أكبر قوتين اسلاميتين مناوئتين (لإسرائيل) وهما باكستان وتركيا.
ان كل هذه النقاط هي نقاط مفترضة ترغب (إسرائيل) بتحقيقيها لكن هذا لا يعني امكانية تحقيقها لمجرد الرغبة، ايران لا تزال تمثل الرقم الاصعب من بين دول المنطقة ولا يمكن بسهولة اخضاعها او تدميرها دون ان يلحق بالطرف المعتدي دمار هائل يحسب له الف حساب في خططه وتحركاته العسكرية، كما من المتوقع ان ايران قد اتخذت بعض التحوطات السرية بالاتفاق مع الصين منها شراء بعض منظومات الدفاع الجوي لعرقلة مهام سلاح الجو (الإسرائيلي) والتمهيد للسلاح الصاروخي الايراني ان يأخذ زمام المبادرة في مهاجمة الاهداف في (إسرائيل)، وقد يتحول بعض قادة دول المنطقة بشكل كبير في مواقفهم تجاه العدوان (الإسرائيلي) والامريكي خوفا على انفسهم مما يدفعهم الى الضغط على الولايات المتحدة (إسرائيل) لوقف الحرب والاستمرار بالمفاوضات فقط، لان اضعاف ايران اكثر يعني استفراد (إسرائيلي) بباقي دول المنطقة، وقد يتحقق جزء من هذه الاهداف وليس كلها مما يعني استمرار دينامية الصراع والردع بشكل قريب مما هي عليه الان بين (إسرائيل) وايران.




