الاكثر قراءةترجماتغير مصنف
بعد تراجع ترامب عن دعم بوتين .. هل يواجه نتنياهو مصيرًا مشابهًا؟
رغم استمرار النفوذ "الإسرائيلي" في واشنطن إلا أن الانقسامات المتنامية داخل تيار "ماغا" تعيد رسم حدود العلاقة مع نتنياهو

بقلم: دانيال بايمنظ / أستاذ في كلية الشؤون الدولية جامعة جورجتاون
ترجمة: صفا مهدي عسكر
تحرير: د. عمار عباس الشاهين
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
رغم استمرار النفوذ “الإسرائيلي” في واشنطن إلا أن الانقسامات المتنامية داخل تيار “ماغا” تعيد رسم حدود العلاقة مع نتنياهو
في إطار نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائم على شعار “أميركا أولاً” في السياسة الخارجية تبدو (إسرائيل)** استثناءً لافتًا، فهي تحظى بالدعم حتى عندما تتعارض سياساتها مع المصالح الأميركية أو مع تفضيلات الرئيس الشخصية، ورغم أن الخطاب (الإسرائيلي) الرسمي يركّز على القيم المشتركة بين الجانبين، فإن عوامل أخرى أكثر واقعية تسهم في ترسيخ هذه العلاقة.
يحظى رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو بدعم واسع داخل الدائرة المقربة من ترامب التي تضم وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث إلى (الشرق الأوسط) ستيف ويتكوف والسفير الأميركي لدى (إسرائيل) مايك هوكابي إلى جانب شبكة مؤثرة من المانحين المؤيدين (لإسرائيل)، كما أجاد نتنياهو استثمار نزعة ترامب إلى الإطراء إذ أطلق اسم الرئيس على مستوطنات (إسرائيلية) وأشاد بإنجازاته ما عزز مكانته لدى البيت الأبيض، يضاف إلى ذلك رصيد قوي من الدعم الجمهوري في الكونغرس وتأييد واسع من وسائل الإعلام الموالية لترامب مثل “فوكس نيوز” و”أو إيه إن” و”نيوزماكس”، هذا المزيج من النفوذ السياسي والإعلامي أتاح (لإسرائيل) في لحظة حاسمة إقناع ترامب بالانضمام إلى محاولاتها الرامية لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية في حزيران.
مع ذلك ليس من الصعب تصور سيناريو قد ينقلب فيه ترامب على (إسرائيل)، فالرئيس معروف بتقلباته وميله للتخلي عن حلفاء مقرّبين كما حدث مع كندا والدنمارك وألمانيا والمملكة المتحدة، وحتى روسيا التي حظيت بإشادته لسنوات طويلة لم تسلم من انتقاداته الأخيرة، إذ سخر من قدراتها العسكرية ودعا إلى استعادة أوكرانيا كامل أراضيها.
ولا يتطابق المسار الأميركي في (الشرق الأوسط) دومًا مع أولويات (إسرائيل)، فقد عقدت واشنطن اتفاقًا منفصلًا مع الحوثيين في اليمن رغم استمرار هجماتهم على (إسرائيل)، وفي سوريا اتجهت إدارة ترامب إلى تخفيف العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع بدفع من الحلفاء الخليجيين بينما واصلت (إسرائيل) قصف الأراضي السورية ودعم الدروز ضد حكومة الشرع فضلًا عن احتلال مناطق حدودية منزوعة السلاح سابقًا.
أما غزة فقد تشكّل مصدر توتر إضافي إذ سعى ترامب عبر مبعوثه ويتكوف إلى الوساطة بين (إسرائيل) وحركة “حماس” بهدف إنهاء الحرب مقابل إطلاق الأسرى لكن إصرار نتنياهو على القضاء التام على الحركة يجعل من هذا الهدف شبه مستحيل، وزادت تصريحات ترامب الأخيرة التي تضمنت رفضه السماح (لإسرائيل) بضم الضفة الغربية وتلميحه إلى خطة أميركية تربط مستقبل غزة بالتحرك نحو إقامة دولة فلسطينية من مؤشرات استعداد واشنطن للابتعاد عن مواقف (إسرائيل)، يضاف إلى ذلك تطلع ترامب المتكرر لنيل جائزة نوبل للسلام وهو ما يجعل مواقف نتنياهو عائقًا في طريقه.
يرتبط دعم ترامب (لإسرائيل) أيضًا بصورتها في الإعلام الأميركي، فقد عززت التغطية الإيجابية لحملتها العسكرية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران قرار ترامب بالمشاركة لكن تعثرها العسكري في غزة وما خلّفه من أزمة إنسانية حادة أضعف هذا الزخم وأثار موجة انتقادات دولية متواصلة، كما زاد التوتر بعد الغارة (الإسرائيلية) على قطر الحليف الخليجي المقرب من واشنطن والتي أثارت غضب ترامب ودفعته إلى توبيخ نتنياهو بشدة.
إلى جانب ذلك لم يلتزم نتنياهو دومًا بخط الولاء لترامب، فتهنئته للرئيس جو بايدن عقب انتخابات 2020 أثارت غضب ترامب الذي وصف ذلك لاحقًا بـ”الخطأ الفادح”، وأطلق عبارات لاذعة بحقه.
ورغم أن المؤسسة الجمهورية التقليدية تواصل دعم (إسرائيل) بقوة فإن الموقف أكثر تباينًا داخل قاعدة ترامب الشعبية من تيار “لنجعل أميركا عظيمة مجددًا” (MAGA). فقد وصفت النائبة مارغوري تايلور غرين العمليات (الإسرائيلية) في غزة بأنها “إبادة جماعية” فيما دعا الإعلامي المؤثر تاكر كارلسون إلى “التخلي عن (إسرائيل)”، كما أن النزعة المناهضة للمساعدات الخارجية التي تتجذر داخل حركة ترامب تجعل من الدعم (لإسرائيل) – باعتبارها أكبر المستفيدين من هذه المساعدات – موضع جدل واسع لاسيما في أوساط الشباب الأميركي حيث لا تتجاوز نسبة المتعاطفين مع سياسات (إسرائيل) ونتنياهو 10 بالمئة بين من هم دون الرابعة والثلاثين.
ورغم أن تراجع الدعم قد يتجسد في تقليص المساعدات أو انتقاد بعض السياسات بدلًا من القطيعة الكاملة فإن المخاطر على (إسرائيل) كبيرة، فالمساعدة الأميركية لا تقتصر على الدعم المالي بل تمثل إشارة سياسية تؤكد حيوية التحالف أمام الخصوم والحلفاء، وأي خفض في الدعم أو تصاعد في الانتقادات قد يضعف قدرة الردع (الإسرائيلية) ويعقّد علاقاتها مع شركاء آخرين يعتمدون على إشارات واشنطن.
في المحصلة يتوقف مستقبل العلاقة بين ترامب و(إسرائيل) بدرجة أقل على المصالح الاستراتيجية المشتركة وبدرجة أكبر على نظرة الرئيس إلى الولاء والنجاح والعائد الشخصي، وسجل ترامب يؤكد أن أي حليف قد يصبح عرضة لنقمته إذا شعر بالخيانة أو رأى أن سياساته تعرقل طموحه، وهذا يعني أن حتى الروابط العميقة على المستويات العسكرية والاستخباراتية والسياسية لا تشكل ضمانة كافية لحماية (إسرائيل) من تقلباته، وفي منطقة تتحدد مكانة الدول فيها بمصداقية تحالفاتها فإن مجرد احتمال تخلي واشنطن عن (إسرائيل) قد يكون بحد ذاته ضربة قاسية لا تقل خطورة عن واقع الانسحاب الفعلي.
* Daniel Byman, After Trump Turned on Putin, Is Netanyahu Next? Israel has many friends in Washington, but MAGA is increasingly divided, FOREIGN POLICY, September 26, 2025.
** لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.



