الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
قانون تحرير العراق من إيران بين الابعاد الدستورية والإجراءات العراقية

بقلم: أ.د مصدق عادل
كلية القانون – جامعة بغداد
في الوقت الذي ينتظر فيه غالبية العراقيين استكمال الوعود الحكومية بانسحاب قوات التحالف الدولي والقوات الامريكية من الاراضي والأجواء العراقية ووفقاً للمنهاج الوزاري وللتصريحات الحكومية التي تضمنت استكمال هذا الانسحاب كلياً في أيلول 2025، غير أنَّ الولايات المتحدة الامريكية سارت باتجاه معاكس لرغبة العراقيين في تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، حيث اصدر الكونغرس الأمريكي تشريع قانون تحرير العراق من ايران رقم (H.R.2658) في3 نيسان 2025 في خطوة سابقة وخطيرة تجاه العراق منذ تشريع قانون تحرير العراق لعام 1998.
ومن اجل الوقوف على ما تضمنه هذا القانون، وبيان موقف الدستور العراقي منه، واستعراض الإجراءات التي يتوجب على السلطات العراقية القيام بها لذا سنتناول ذلك تباعاً كالآتي:
أولاً: الملامح العامة لقانون تحرير العراق من ايران لعام 2025:
اصدر الكونغرس الأمريكي بتاريخ 3/4/2025 قانون تحرير العراق من ايران، وتألف هذا القانون من (8) مواد، لعل من أهمها تفويض الرئيس الأمريكي اتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة لتطبيق أحكام هذا القانون خلال (6) اشهر من نفاذ هذا القانون.
ولقد تضمن هذا القانون في القسم (4) منه في غضون مدة لا تتجاوز (90) يوماً فانه يتوجب التعامل مع المنظمات الإرهابية الأجنبية وفقاً للقوانين الامريكية النافذة، والذي حدد (10) فصائل وتشكيلات عراقية لتصنيفها كمنظمات إرهابية، فضلاً عن وضع نص يجيز تصنيف أي تشكيل يرتبط بقوات الحرس الثوري.
وبهذا يتضح أن ما قامت به الولايات المتحدة الامريكية من تصنيف (4) من فصائل المقاومة الإسلامية بتاريخ 18/9/2025 ضمن قائمة المنظمات الإرهابية يجيئ تنفيذاً لأحكام هذا القانون.
ثانياً: الموقف الدستوري والقانوني من قانون تحرير العراق من إيران:
يعامل هذا القانون العراق على انه الولاية الواحدة والخمسين للولايات المتحدة الامريكية، مما يخل باستقلال العراق، ويشكل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية العراقية الكاملة وفقاً لإحكام المادة (1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة).
وعلى الرغم من خطورة هذا القانون الذي تضمن إجراءات تمس السيادة العراقية غير أننا لم نشهد قيام رئيس جمهورية العراق أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس وأعضاء مجلس النواب أو وزير الخارجية بإصدار بيان تنديد أو احتجاج على هذا القانون التي يشكل إهانة للسلطات العراقية وللشعب العراقي بأكمله، حيث ان كل من رئيس الجمهورية ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس وأعضاء مجلس النواب سبق لهم ان ادوا اليمين الدستورية قبل المباشرة بمناصبهم بالإخلاص للوطن والمحافظة على السيادة الوطنية وفقاً لأحكام المواد (50) و(71) و(79) من الدستور العراقي، فضلاً عن الالتزام الدستوري المفروض عليهم وفقاً لأحكام المادة (109) من الدستور بالمحافظة على سيادة العراق، وهو الامر الذي لم يتم الالتزام به في مواجهة الرئيس الأمريكي، أو مواجهة الكونغرس الأمريكي من قبل السلطات العراقية المذكورة أعلاه.

ثالثاً: علاقة قرار الكونغرس الأمريكي بإلغاء التفويضات الممنوحة للرئيس الأمريكي للعامين 1991 و2001:
هناك العديد من الاسباب لإلغاء التفويضين الممنوحين للرئيس الأمريكي لعامي 1991 و2001، حيث ان الإلغاء يعد جزءاً من مواد ونصوص (مشروع قانون الدفاع الوطني)، فلا يجوز من الناحية القانونية استمرار تفويضات سابقة ممنوحة للرئيس الأمريكي لأهداف محددة خارج اطار القانون الجديد الذي صوت عليه (مجلس النواب الأمريكي)، كون القانون الجديد منح الرئيس سلطة القيام بالعمليات العسكرية بهدف حماية الأرواح والممتلكات الامريكية من التهديدات الإرهابية وبضمنها التهديدات الحاصلة للأمن القومي الأمريكي في العراق، كما ان التفويضين الصادرين عام 1991 و2002 قد انتهت مدة نفاذهما بتنفيذ الغرض منهما، حيث ان التفويض الأول تم تنفيذه بتحرير الكويت من العراق، والتفويض الثاني انهى النظام السياسي الذي كان يقوده صدام حسين، لذا انتفت اسبابهما ومبرراتهما.
فيما تتمثل الأسباب غير المباشرة وراء الغاء التفويضين السابقين للرئيس الأمريكي في تشريع الكونجرس (قانون تحرير العراق من إيران).
رابعاً: الإجراءات الدستورية والقانونية الواجب اتباعها من السلطات العامة في العراق:
من اجل الحد من الانتهاكات الدستورية لقانون تحرير العراق من ايران، فإنَّ رئيس الجمهورية باعتباره يمثل سيادة البلاد ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق وسيادته وفق المادة (67) من الدستور فانه يتوجب عليه اصدار بيان شجب واستنكار ورفض لهذا القانون الأمريكي سيء الصيت الذي يمس بالسيادة العراقية الكاملة.
فضلا ًعن ذلك فان الحكومة العراقية ممثلة برئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية مطالبين بإصدار بيان استنكار ورفض لهذا القانون الذي يشكل إساءة لسمعة العراق وشعبه.
كما يتوجب على وزارة الخارجية العراقية استدعاء السفير الأمريكي في بغداد أو القائم بالأعمال الى مقر الوزارة وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية على هذا القانون الأمريكي.
فضلاً عن ذلك فانه بإمكان رئيس مجلس الوزراء أو وزير الخارجية العراقي توجيه رئيس بعثة العراق الدائمة لدى الأمم المتحدة لتقديم مذكرة احتجاج لدى الأمم المتحدة عن هذا السلوك غير الدبلوماسي الذي ينتهك استقلال العراق، ويشكل تنصلاً من الولايات المتحدة الامريكية عن الالتزام بالمبادئ والمقاصد التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة في المادة (2) منه التي تنص “1-تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها”.
كما ندعو مجلس الوزراء ومجلس النواب العراقي الى التلويح بإعادة النظر في اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية المصادق عليها من مجلس النواب بالقانون رقم (52) لسنة 2008 من اجل اجبار الولايات المتحدة الامريكية على الغاء قانون تحرير العراق من إيران، وبالأخص في ظل استمرار الوجود العسكري الأمريكي في الأراضي والأجواء العراقية، وتنصل الولايات المتحدة الامريكية من نصوص اتفاقية الإطار الاستراتيجي بتشريعها هذا القانون.
كما ندعو في الوقت نفسه فصائل المقاومة الاسلامية والتشكيلات السياسية والعسكرية الوارد ذكرها في قانون تحرير العراق من إيران الى عدم الانجرار وراء الضغوطات الامريكية التي تهدف الى اشغال العراق والفصائل المقاومة التي ساهمت في تحرير العراق وشعبه من دنس التنظيمات التكفيرية، وعدم السماح للولايات المتحدة بتحويل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية لصالح الكيان الصهيوني، مع ضرورة ضبط النفس، وتغليب المصلحة العليا على المصالح الفرعية الأخرى.



