الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
قمة الدوحة .. قمة الموت المحتم والاندثار المبين

بقلم: الباحث نوار العبد الرزاق الحسن الثامر
كيانات وتحالفات صفرية
على مرّ التاريخ، عندما تتشكّل كيانات وتحالفات ذات قوة عسكرية واقتصادية وموقع جغرافي مهمّ، فإنها إما تهيمن وتنتصر، أو على الأقل تُثير خشية أعدائها. ومن نوادر التاريخ وعجائبه أن تتحوّل تحالفات ذات ثقل ديموغرافي وجغرافيا وطاقات استثنائية إلى كيانات مهملة لا تُحسب لها حسابًا — كما هو حال التحالفات العربية والإسلامية الراهنة.
كلمات براقة.. وقرارات هزيلة
كسابقاتها، جاءت قمة الدوحة محمّلة بالاستنكارات والادانات، ومزخرفة بكلماتٍ رنانة وصور تذكارية ولقاءات جانبية. التفاعل الشعبي الكبير مع هذه الشعارات البراقة كان لافتًا وخطيرًا، لكنّ المشهد ظلّ خاليًا من الردود الحاسمة والقرارات الضرورية بعد أحداث جسام. جاء البيان الختامي مشوّهاً، مما زاد في إحساس العجز والضعف الذي طغى على القمة وعلى البعض الذين كانوا يتأملون شيئًا ملموسًا منها.
العدوان لا ينتظر البيان
عُقدت القمة بعد اعتداءٍ للصهاينة على أرض قطر، وبالطبع بعد الجرائم المتواصلة في غزة والاعتداءات على الضفة وسوريا ولبنان واليمن. بينما انشغل الحاضرون بالكلام والتنديد، أعلنت قيادة الكيان الصهيوني توسيع عمليّات الاحتلال والتدمير والقتل في غزة، وهددت بضرب قطر مرة أخرى أو أي مكان يعتبرونه “تهديدًا”. إذًا، عن أي قِمَم عربيّة وإسلاميّة يتحدّث القوم حين لا يواكب الكلام فعل ردع حقيقي؟
القوة لا الوعود
الكيان المحتل لا يلتفت إلى البيانات والشعارات؛ ما يفهمه هو الفعل الحقيقي والقدرة على فرض موقف استراتيجي. إجراءات عملية مثل إغلاق المجال الجوي والبري والبحري العربي والاسلامي (خصوصًا دول الطوق)، طرد السفراء، غلق السفارات، إلغاء اتفاقيات السلام الموقعة معه، تشكيل تحالف عسكري وسياسي واقتصادي فوري، والبحث عن حلفاء استراتيجيين بديلين — كلها خطوات ذات أثر حقيقي. أما الإدانات والاستئناف إلى المحاكم الدولية وطلب التزام القرارات الأممية فتبقى مجرد وهم واضغاث احلام لا تردع المعتدي بل تزيده غطرسةً واجرامًا واستهتارا. (ولا أحد ابدًا في مأمن من هذا المعتدي، الصديق قبل العدو، ففي نظره وعقله كلهم اعداء يجب تحييدهم واستئصالهم، اليوم العدو وغدًا الصديق).
قمة بلا فعل.. مصير مُحتّم
بعد سنتين من الإبادة في غزة، وتهويد القدس وتهجير الفلسطينيين من الضفة، واستباحة أراضٍ في سوريا ولبنان واليمن، ثم الاعتداء على الأراضي القطرية، تأتي هذه القمة الطارئة بهذا الشكل المعيب وبهذه القرارات البائسة. إن استمرار سياسة الكلام دون فعل حازم يجعل المصير واضحًا جدًا “الموتُ المحتّم والاندثار المبين”.
لا تكفي البيانات لاستعادة الكرامة أو حماية الشعوب؛ وحدها القرارات العملية والقدرة على التنفيذ تُعيد الردع والتوازن. إذا كانت القمم ستظلّ مجرد مشاهد تصوير وشعارات رنانة، ستبقى شعوبنًا عرضةً للمزيد من الخوف والقتل والتهجير، وأراضينا إلى الاعتداء والاغتصاب والتدمير. آن الأوان لأن تتحوّل الكلمات إلى سياسةٍ جماعيةٍ ذات أثرٍ حقيقي وإلا فستُكتب صفحات التاريخ التالية باسم الاندثار.



