الاكثر قراءةتقدير موقفغير مصنف

استهداف حماس .. التوقيت، المكان، الغاية والرسالة

بقلم: الفريق الركن حسن سلمان البيضاني

 

وفقا لنظرية الامن (الإسرائيلي) المتجددة والتي جرت مراجعتها  خلال العام  الحالي لمرات عديدة بناء على المستجدات التي افرزتها نتائج طوفان الأقصى والتوغل الصهيوني المتعثر في غزة والنجاحات المشوبة بالحذر في الجنوب اللبناني  و السلسلة التي لا تتوقف من الصواريخ والطائرات المسيرة لانصار الله الحوثيين فضلا عن الحدث الأهم والأكثر تأثيرا والمتمثل في خسارة الكيان لفرض الردع وفقا لمقاييسها في مواجهة الاثنا عشر يوما مع ايران كل تلك المستجدات أدت بشكل او باخر الى إعطاء نتنياهوا باعتباره القائد العام لجيش (الدفاع الصهيوني ) الضوء الأخضر بعدم وجود تعارض  على الاطلاق في تحرك الاذرع الضاربة باي اتجاه كان مادام ذلك يخدم ما تصبو اليه هذه النظرية الأمنية الصهيونية  في تحقيق الهدف الاسمى  والمتمثل بأمن الكيان أولا وقبل كل شي.

تشمل العناصر العسكرية الرئيسة لنظرية الأمن الصهيوني، ثلاثة أبعاد وهي (الردع والإنذار، والحسم). ويمكن اعتبار الردع والحسم هما العنصرين الأساسيين في هذه النظرية كون العنصر الثالث والمتمثل بالإنذار هو ذو طابع استخباري ومخابراتي يمنح العنصر الأول الضوء الأخضر للقيام بما هو مطلوب ويعطي للعنصر الثاني المتمثل بالحسم الفسحة الزمنية الكافية للتحرك والعمل من اجل الوصل الى تحقيق الغاية العليا المتمثلة بدحر العدو وليس تحييده فقط. وبالعودة الى الردع كعنصر اول فلقد أدرك الكيان منذ البداية أن الفلسطينيين  لن يسلموا باحتلال أرضهم وتدشين مشروعها الاستيطاني عليها، ومن ضمن ذلك طرد الشعب الفلسطيني من وطنه، وافترضت أنهم سيحاولون مقاومة مشروعها بهدف استعادة الأرض المحتلة أو بعضها، مما جعلها ترى في ردع أي قدرات للمقاومة الفلسطينية ومن يدعمها والحد من دافعيتهم لمواصلة مواجهة مشروعها، لذلك يعتبر الردع أحد أهم مكونات إستراتيجية أمنها القومي. ويتبنى مفهوم الأمن القومي (الإسرائيلي) اتجاهين من الردع الاتجاه غير النشط” (Passive‏ ‏trend)، الذي يقوم على بناء قدرات عسكرية تردع العدو عن الهجوم والمبادرة بشن الحرب، مما يسهم في تأجيل اندلاع الحرب القادمة”. و”الاتجاه النشط” ‏(Active trend) الذي يتمثل في شن عمل عسكري ضد العدو تسهم نتائجه في مراكمة وتعزيز أثر الردع بما يضمن تدمير قدراته على مواصلة استهداف الكيان. من هنا، فقد افترضت نظرية الامن الصهيوني أن تحقيق نصر في كل حرب ضد من يعارض مشاريعها الاستيطانية والتوسعية يسهم في مراكمة قوة الردع في مواجهتهم مما يفضي إلى تأجيل الحرب القادمة ذات الطابع الشمولي إلى أطول أمد”.

 

 

المكان المستهدف

من هذا المنطلق والمتمثل في إعطاء عنصر الردع الأهمية الأكبر في نظرية الامن الصهيوني فان جملة من المؤشرات يمكن ان نحددها في الجانب المتعلق بمكان الضربة والمتمثل بما يأتي:

أولا: الدوحة عاصمة مفتوحة لكل الجهات فلا قيود امنية صارمة للتحرك فيها فهي احتضنت طالبان لفترة ليست بالقصيرة كما انها كانت المرتع الأكثر نشاط بعد سوريا للعناصر الإرهابية تجاه العراق لذلك فان معرفة تحركات العناصر القيادية لحماس فيها امر طبيعي للغاية لا يحتاج الى كتمان او مراقبة ملاصقة.

ثانيا: الموساد والشاباك معا لديهم وجود نشط في الدوحة دون أي قيود وبمسميات مختلفة وتحت عناوين متعددة لذلك فان تنفيذ الضربة لم يكن بحاجة الى تخطيط مسبق طويل الأمد كما حصل في طهران عند استهداف الشهيد هنية او في بيروت عند استهداف الشهيد حسن نصر الله.

ثالثا: المعروف عن قيادات حماس التي تواجدت في الدوحة من اجل استمرار المفاوضات حول الاسرى وإيقاف الحرب في غزة وعلى رائسهم المستهدف الأول (خليل الحية) كانوا مكشوفين من قبل الجميع ولم يكن هنالك أي تكتم او سرية في تحركاتهم مما سهل على الشاباك وعناصر الموساد التنسيق مع القوة الجوية الصهيونية لاستهداف المكان

رابعا: رغم ذلك فان الامر لا يخلو من احتمال وجود طرف ثالث كان على اتصال بالشاباك لإعطائهم المكان بالشكل الدقيق وهذا الطرف متيسر بكثرة في عاصمة مثل الدوحة التي تحتوي على عشرات الاف من المقيمين من جنسيات مختلفة.

 

اثبتت احداث طوفان الأقصى ان التطبيع لم يشكل أي رادع امام تهديد امن الكيان لذلك وجد نتنياهو الفرصة مناسبة لكي ينفذ الضربة تجاه دولة مطبعة..

 

 

توقيت التنفيذ

  1. نفذت الضربة في وقت كانت الأنظار تتجه نحو الدوحة لحسم جولة التفاوض التي كانت تعقد في الدوحة حيث كان الوفد الفلسطيني المفاوض يتواجد قبيل أداء صلاة المغرب في مبنى على شكل (فيلا) في أحد الأماكن الراقية وسط العاصمة الدوحة.

  2. حديث نتنياهو تضمن عبارة مثيرة للانتباه وهي (ان الفرصة كانت قصيرة للغاية لتنفيذ الضربة) هذا يعني ان هنالك احتمال ان تكون الضربة قد نفذت دون ان يكون هنالك المزيد من الاستعدادات التي تقتضيها مثل هذه العمليات التي تنفذ خارج الكيان.

  3. في تصريح للمتحدث باسم جيش الكيان ذكر فيه انه قد فات الأوان لأخبار القطريين بتوجه الضربة أي ان الطائرات كانت في طريقها للتنفيذ ولم يكن بالإمكان ابلاغ الجانب القطري وهذا ما يوكد ان القرار اتخذ انياً.

  4. يحتمل ان توقيت الضربة المفاجئ جاء بعد ان لمس نتنياهو وجود تجاوب من قبل قادة حماس للشروط الامريكية واراد ان يقوض أي فرصة للسلام وإيقاف الحرب على غزة كونه كان عازما ومن خلال أحاديثه المسبقة على اجتثاث حماس كليا وعدم السماح لها بالعودة مجددا كقيادة ميدانية لقطاع غزة.

  5. الامريكان من جهتهم وحسب ما أعلنه ترامب كانوا على علم بتوقيت الضربة من خلال اتصال هاتفي قصير بين نتنياهو وترامب ورغم ذلك لم يبادر ترامب بإيقاف الضربة من اجل إنجاح المفاوضات التي تضمنت شروطه، كما انه لم يقم بتكليف أي جهة لأخبار الدوحة بنية نتنياهو للقيام بالضربة.

 

غاية الضربة من الناحية العسكرية

  1. لم يكن من الضروري على الاطلاق ان يجري الاستهداف بهذه الطريقة التي أدت الى نوع من الخسائر الدبلوماسية للكيان الا ان غاية الضربة تتعدى مجرد استهداف اشخاص بإمكان الموساد او الشاباك قتلهم وبسهولة ويسر لاسيما في مدينة مثل الدوحة بل انها تعطي رسالة للجميع بان أذرع الكيان العسكرية والاستخبارية قادرة على الوصول الى حيث تشاء.

  2. لم تكن لدى نتنياهو أي رغبة في زيادة عدد سفارات الدول العربية في القدس او تل ابيب بعد ان اثبتت احداث طوفان الأقصى ان التطبيع لم يشكل أي رادع امام تهديد امن الكيان لذلك وجد نتنياهو الفرصة مناسبة لكي ينفذ الضربة تجاه دولة مطبعة ليعطي رسالة بان الذراع الطولى للكيان لا تتحدد باعتبارات دبلوماسية.

  3. يعمل الكيان بعد طوفان الأقصى بأقصى ما يمكن من اجل الإعلان عن موت الدبلوماسية التوافقية حيث لا يرغب على الاطلاق بإنصاف الحلول التي تقتضيها الضرورات الملحة رغم انه قبل بذلك مع إيران بعد ان تلقى الضربات الموجعة والمدمرة، ومن هنا فان الكيان يبحث عن أي فرصة تعيد له مكانته كقوة لا تقهر بعد التقهقر الكبير الحاصل في حزيران من هذا العام.

  4. قد يكون ترامب بعقليته المادية هو الاخر طرفا في التشجيع على الضربة لدوافع تتعلق بتجارة الأسلحة حيث باتت الكثير من الدول تفكر في ان حماية اجوائها من الطيران الصهيوني امر لابد منه حتى لو كان شكليا امام شعوبها ومن هنا فان الطلبات على منظومات الثاد والباتريوت المصنعة أمريكيا بدأت حال عودة الطائرات الصهيونية الى قواعدها بعد تنفيذ الضربة.

  5. نفذت الغارة باثنا عشر طائرة ويحتمل ان تكون 10 او 15 طائرة لم يحدد عدد طائرات الف35 التي اسقطت القنابل العشرة على الهدف وتعتبر مثل هذه الغارات وبهذا العدد المحدود جدا نوع من المجازفة الا ان تيقن الكيان من ان كل منظومات الدفاع الجوي التي ستمر بها هذه الطائرات هي منظومات مسيطر عليها من قبل الامريكان وبالتالي فأنها لا تشكل أي خطورة تذكر على الطائرات.

  6. التدريب على مثل هذا النوع من الغارات مستمر طوال العام من قبل القوة الجوية الصهيونية لذلك فان الحديث عن ان العملية جرى التدريب عليها والتخطيط لها منذ عام امر فيه مبالغة كبيرة

  7. مسار الطائرات المنفذة لم يجري تأكيده فهنالك مسار هو الأكثر احتمالا من خلال عبور الأردن ثم السعودية وصولا الى الدوحة وهو المسار الأقصر اما المسار الاخر والذي روجت له السعودية فهو الذي يمر بسورية ثم جنوب العراق والتحليق فوق الخليج العربي وصولا الى الدوحة ويبلغ 1800كم وهذا المسار يحتاج الى عمليات ارضاع جوي لذلك فان المسار الأكثر رجحانا هو المسار الأول، حين أعلن المتحدث باسم جيش الكيان ان موافقات مسبقة من دول مجاورة قد حصلت من اجل مرور الطائرات المغيرة وعودتها.

  8. بروز الشاباك كطرف رئيسي في عملية نفذت خارج الكيان تعطي دلالات واضحة ان هنالك متغيرات كبيرة في بنية أجهزة الاستخبارات الصهيونية حيث ان مثل هذه العمليات غالبا ما يكون الموساد هو المعني بها بالدرجة الأساس وقد يكون لحرب الاثنا عشر يوما مع إيران دورا في هذا المتغير.

خلاصة القول ان هذه الضربة ورغم محدودية تأثيرها وفشلها في تحقيق الأهداف المرسومة لها كانت في غاية الضرورة للكيان الصهيوني تحت زعامة نتنياهو بعد فشل حرب الاثنا عشر يوما واستمرار الإصرار لدى كتائب الأقصى في استهداف جيش الكيان المتوغل في أعماق غزة لإعطاء رسالة واضحة للجميع وبلا استثناء ان الكيان لا يثنيه أي اعتبار دبلوماسي او أخلاقي عن تنفيذ ارادته العسكرية متى ما يشاء وأين ما يشاء والطريقة التي يختارها.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى