الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

أوجه اختلاف قانون الأحوال الشخصية عن مدونة القانون الجعفري / الجزء 1

أوجه اختلاف قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 عن مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري لسنة 2025

(الجزء الأول)

بقلم: د. مصدق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

 

استبشر العراقيون المسلمون بتطبيق الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري، الذي تكلل بقيام مجلس النواب بتشريع قانون الأحوال الشخصية رقم (1) لسنة 2025، وتلا ذلك قيام المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي بتنفيذ الالتزام المفروض عليه بوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية على وفق المذهب الشيعي الجعفري وارسالها لمجلس النواب بتاريخ 26 اب 2025 لغرض إقرارها، وبالفعل صوت مجلس النواب على هذه المدونة بالأغلبية المطلقة (50+1) من العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب بتاريخ 27 اب 2025، وبهذا فقد أصبحت مدونة الأحكام الشرعية الجعفرية واقعاً ملموساً يعيش ثماره المواطن العراقي والذي سيتحقق بنشر هذه المدون في جريدة الوقائع العراقية بعد ارسالها لرئيس الجمهورية وفقا ًلأحكام المادة (73/ثالثاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.

وعلى الرغم من أهمية هذه المدونة الشرعية في الواقع العملي، غير أنه أثيرت العديد من الشبهات بشأنها، ومن أجل الرد على هذه الشبهات فقد آثرنا استعراض أوجه الاختلافات بين قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل من جهة، وبين مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية على وفق المذهب الشيعي الجعفري من جهة أخرى، وذلك من اجل الوقوف على المزايا والفوائد التي تكمن وراء تشريع مدونة الأحكام الشرعية الجعفرية والتي نجملها بالآتي:

 

  1. اختلاف تعريف عقد الزواج: يعرف القانون (188) عقد الزواج الدائم فقط، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية تعرف عقود الزواج الدائمة والمؤقتة.

  2. اختلاف سن الزواج: يحدد القانون (188) سن الزواج بـ(18) سنة مع السماح لمن اكمل (15) سنة بالزواج، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية التي اختار من صاغها عبارة (البلوغ) دون تحديد سن الزواج مثلما فعل القانون رقم (1) لسنة 2025.

  3. اختلاف شروط الزواج:

أ- يشترط القانون (188) حضور شاهدين على عقد الزواج وتسجيله امام محكمة الأحوال الشخصية، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي لا تشترط حضور شاهدين عدل عند عقد الزواج او عند تسجيله أمام المحكمة.

ب-حدد القانون (188) مدة ولاية الاب أو الاب لجد عند عدم اكمال سن (15) من العمر فقط، مما يعني انتهاء هذه الولاية باكمال سن (18) للمرأة التي تمتلك تزويج نفسها، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اوجبت عدم صحة تزويج البنت الا بموافقتها وموافقة الاب أو الجد للاب، ولا تسقط هذه الولاية الا في حالة المنع من الزواج بكفئها أو اذا اعتزلا التدخل.

 

  1. اختلاف أحكام تعدد الزوجات: فرض القانون (188) استحصال اذن القاضي على تعدد الزوجات، وبشروط مرهقة هي الكفاية المالية والمصلحة، ولم يستثني من ذلك سوى الارملة، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي لم تنص على اشتراط اذن القاضي على الرغم من النص عليه في القانون رقم (1) لسنة 2025.

  2. اختلاف العقوبة المفروضة على تعدد الزوجات: عاقب القانون (188) بعقوبة الحبس أو بالغرامة كل من تزوج بامرأة ثانية دون استحصال اذن القاضي، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي جاءت ساكتة عن تحديد العقوبة على الرغم من النص عليها في القانون رقم (1) لسنة 2025، بل ذهبت المدونة الى الاكتفاء بعبارة (آثم شرعاً).

  3. اختلاف عقوبة الاكراه على الزواج (النهوة العشائرية على بنت العم): عاقب القانون (188) بعقوبة السجن أو الحبس والغرامة كل من يكره امرأة على الزواج، سواء أكان الزواج لابن العم او غيره، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اكتفت بالاقرار بعدم صحة الزواج بشروط مرهقة، دون فرض العقوبة الجزائية.

  4. الاختلاف في تسجيل عقد الزواج: يشترط القانون (188) تسجيل عقد الزواج في محكمة الأحوال الشخصية، ويعاقب بالحبس أو الغرامة كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي لم تشترط تسجيل عقد الزواج في محكمة الأحوال الشخصية، غير أنَّ غياب النص في المدونة لا يعني عدم وجود إلزام قانوني على الزوج بتسجيل الزواج أمام المحكمة أو يمنع من ذلك استناداً للقواعد العامة في العقود.

  5. الاختلاف في أسباب التحريم:

أ- حرم القانون (188) زواج الرجل من المرأة وبنت اختها أو بنت اخيها، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اجازت زواج الرجل بعد الطلاق البائن من بنت اخت زوجته السابقة أو بنت اخ زوجته السابقة بعد استحصال اذنها.

ب- لم يعالج القانون (188) حالات خاصة من المحرمات ، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي عالجت هذه المحرمات بسبب اللعان والاحرام والعمرة والوطء بالشبهة والزنا واللواط وغيره بصورة مفصلة كونها تتعلق بالحل والحرمة.

ج- لم يتطرق القانون (188) لحرمة زواج المرأة المتزوجة او التي في عدتها، والذي يحصل نتيجة العلاقات الجنسية غير المشروعة السابقة على الطلاق، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اقرت الحرمة المؤبدة للزنا بالمرأة المتزوجة، مما يقطع الطريق على العلاقات غير المشروعة، حيث تثبت الحرمة الدائمية بين الزانية والزانية اثناء قيام العلاقة الزوجية، سواء علم الزاني والزانية بذلك من عدمه.

 

 

  1. الاختلاف في المهر: عالج القانون (188) استحقاق المرأة للمهر في العقد غير الصحيح باستحقاق اقل المهرين أو مهر المثل، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية الذي اقر استحقاق كامل المهر للمرأة المسمى بالعقد، سواء أكان عقد الزواج صحيحاً أو غير صحيح، بل ان الزوج اذا ادعى تسليم المهر وانكرت ولا بينة للزوج فالقول قول المرأة بيمينها.

  2. الاختلاف في أسباب فسخ عقد الزواج: سكت القانون (188) عن تحديد الحالات التفصيلية التي تجيز فسخ عقد الزواج، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية الجعفرية التي حددت عيوب الزوج التي تجيز للزوجة فسخ العقد بـ(الجنون- العنن- الخصاء- الجب) كما حددت المدونة عيوب الزوجة التي تجيز للزوج فسخ العقد بـ(الجنون- الجذام- البرص- القرن- الافضاء- العمى- العرج البين).

  3. الاختلاف في تحديد حقوق الزوج والزوجة: سكت القانون (188) عن تحديد حقوق الزوج وأشار إلى بعض حقوق الزوجة فقط كالمهر والنفقة وحق التفريق للضرر، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اشارت لحقوق الزوجة بصورة كاملة، وفي الوقت نفسه اشارت لحقوق الزوجة بصورة كاملة، بحيث تكون الحقوق المقررة للزوجة بمثابة الواجبات المفروضة على الزوج، والعكس صحيح، فأقامت المدونة توازناً بين حقوق الزوج وحقوق الزوجة دون تغليب لمصلحة احدهما على الاخر.

  4. الاختلاف في نفقة الزوجة: اقر القانون (188) استحقاق النفقة للزوجة على الزوج بصورة مطلقة من حين العقد الصحيح حتى لو كانت مُقيمة في بيت أهلها إلا إذا طالبها الزوج بالانتقال إلى بيته فامتنعت بغير حق، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اشترطت عدم تركها بيت الزوجية من دون اذن الزوج او عدم تمكينه من الجماع، حيث تسقط النفقة في هذه الحالات، وفي حالة امتناع الزوجة عن النفقة دون عذر شرعي يرفع الامر للقاضي بالزامه بالنفقة لصالح المرأة.

  5. الاختلاف في أحكام المطاوعة والنشوز: عالج القانون (188) مسألة المطاوعة الزوجية والنشوز لصالح المرأة المتزوجة على حساب مصلحة الزوج، إذ يكتفي المنفذ العدل عند تنفيذ دعاوى المطاوعة الزوجية بالوقوف على راي الزوجة بمطاوعة زوجها والرجوع إلى بيت الزوجية من عدمه، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي عالجت نشوز المرأة، ومن ثم يمكن إقامة دعوى نشوز الزوجة أمام محكمة الأحوال الشخصية دون المرور بدعوى المطاوعة الزوجية، مما يوفر ضمانة لمنع مخالفة الزوجة للأحكام الشرعية والقانونية المتعلقة بطاعة الزوجة وعدم الخروج من بيت الزوجية الا بإذن منه.

  6. الاختلاف في تحديد حالات الطلاق: توسع القانون (188) في تحديد الحالات التي يجوز للزوجة أو الزوج التفريق القضائي أو الطلاق بينهما سواء أكان ذلك التفريق للضرر أو التفريق للخلاف أو غيرها بالشكل الذي جعل القانون (188) الطلاق هو المبدأ العام، وعدم التطليق هو الاستثناء، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي حددت حالات الطلاقة بثلاث حالات فقط هي (امتناع الزوج عن الانفاق – هجز الزوج زوجته هجراً تاماً- اعتداء الزوج على زوجته بالضرب او غيره بلا مبرر).

  7. الاختلاف في تحديد شروط الطلاق: لم يعالج القانون (188) شروط الطلاق، وانما اكتفى بتحديد الحالات الموجبة للطلاق، ومن ثم لم يشترط حضور شاهدين على الطلاق وان كانت محكمة الأحوال الشخصية في بعض الحالات تستوثق من ذلك، خلافاً لما هو عليه الحال في مدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي تشترط شروط مرهقة للطلاق بالشكل الذي يحافظ على الاسرة، حيث تشترط المدونة الصيغة الخاصة في صحة الطلاق، والتنجيز واشهاد رجلين عدلين يسمعان انشاء الطلاق.

  8. الاختلاف في تحديد الجهة التي توقع الطلاق: منح القانون (188) قاضي محكمة الأحوال الشخصية المختص سلطة توقيع الطلاق بين الزوجين، سواء أكان الزوج حاضراً جلسات المحكمة من عدمه، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي لم تمنح القاضي تطليق الزوجة من دون ثبوت تقصير الزوج أو رفض الزوج التطليق، حيث منحت نصوص المدونة الجعفرية لقاضي محكمة الأحوال الشخصية سلطة التحقق واثبات من تقصير الزوج بشأن حالات الطلاق الثلاثة المذكورة أعلاه، غير أنها اشترطت على القاضي استحصال موافقة المرجع الديني الأعلى في النجف الاشرف على إيقاع الطلاق، حماية للاسرة والعائلة وللأحكام الشرعية المتعلقة بالحل والحرمة.

  9. الاختلاف في تنظيم بعض حالات الطلاق: لم يعالج القانون (188) طلاق المبارأة الذي يتعلق بكراهة كل من الزوجين للآخر حيث اعتبره صورة من صور الخلع، خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي عالجت أحكام المبارأة بشكل تفصيلي ودقيق.

  10. الاختلاف من حيث التعويض عن الطلاق التعسفي: أجاز القانون (188) للزوجة ان تلجأ الى محكمة الأحوال الشخصية في حالة تعسف الزوج في طلاق زوجته واصابتها بالضرر جراء ذلك، والذي حدد بمبلغ النفقة الذي لا يتجاوز (سنتين)، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي سكتت عن تنظيم هذه المسألة، وهو الأمر الذي يفهم منه عدم شرعية تعويض المرأة المطلقة في حالة قيام الزوجة بتطليقها كونه يستخدم الحق الشرعي المكفول له بموجب نصوص القران الكريم والسنة النبوية الشريفة.

  11. الاختلاف في دفع المهر المقوم بالذهب عند الطلاق: سكت القانون (188) عن تنظيم هذه المسألة، غير أنه نظمها قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (127) لسنة 1999 الذي اوجب على الرجل دفع مهر المرأة مقوماً بالذهب بتاريخ عقد الزواج، خلافاً لما ذهبت اليه مدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي منعت استيفاء مبلغ المهر مقوماً بالذهب، وان كان يجوز زيادته بالاتفاق بما لا يتجاوز (50%) من قيمته الاصلية.

  12. الاختلاف في تحديد سن الحضانة: حدد القانون (188) سن حضانة الام للطفل باكمال سن (9) سنوات، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي حددت السن الأعلى لحضانة الام للطفل ببلوغ سن (7) سنوات، وبانتهاء السن المذكور تسقط الحضانة عن الام وتنتقل الى الاب لغاية بلوغه.

  13. الاختلاف في سن تخيير الولد في مسائل الحضانة: عاج القانون (188) سن استمرار حضانة الام للطفل باكمال سن (15) سنة، حيث يصار بعد السن المذكور الى تخيير الولد باختيار امه أو ابيه، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي حددت سن تخيير الولد ذكراً كان أو انثى بالبلوغ، وعلى الرغم من عدم تحديد هذا السن صراحة، غير أننا نرى تحققه باكمال الولد سن (14) عاماً.

  14. الاختلاف في تحديد حالات اسقاط الحضانة: لم يجعل القانون (188) زواج المرأة بعد طلاقها سبباً من أسباب اسقاط الحضانة حتى لو كان المحضون بنتاً، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اقرت اسقاط حضانة الام عن الطفل قبل اكمال الطفل (7) سنوات بمجرد زواجها من رجل اخر، ويستمر الاب في هذه الحضانة حتى في حالة طلاق الام، وحسنا فعل عندما غلبت المدونة مصلحة الطفل على مصلحة الام المتزوجة التي لم تضحي بملذاتها من أجل الطفل الذي يحتاجها في نعومة اضافره.

  15. الاختلاف في تنظيم مسالة التنازل عن الحضانة: سكت القانون (188) عن تنظيم مسالة التنازل عن الحضانة كونها من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته، خلافاً لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي اجازت لاحد الوالدين التنازل عن حضانة الطفل للـخر.

  16. الاختلاف في إمكانية الرجوع الى ممثل السلطة الدينية للزوج والزوجة بشان أحكام الأحوال الشخصية: لم يطلق القانون (188) لقاضي محكمة الأحوال الشخصية السلطة المطلقة في الوقوف على الراي الشرعي للزوج والزوجة بشأن أحكام الأحوال الشخصية باستثناء بعض الحالات كأحكام الميراث، خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة لمدونة الأحكام الشرعية الجعفرية التي منحت المرجع الديني الأعلى ممارسة بعض الصلاحيات الممنوحة لقاضي محكمة الأحوال الشخصية في مدونة الأحكام الشرعية كاستحصال موافقة المرجع الديني على التفريق القضائي، وكذلك في مسائل الوصية.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى