الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

نقل القيادة الأمنية في أوروبا بين الفرصة الاستراتيجية والاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة

بقلم: الباحثة إيما آشفورد

زميلة أقدم في برنامج إعادة تصور الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة بمركز ستيمسون.

ترجمة: صفا مهدي عسكر

تحرير: د. عمار عباس الشاهين

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

خلال العقد القادم ينبغي ألا يكون للولايات المتحدة وجود عسكري كبير في أوروبا، يتفق الواقعيون على نطاق واسع على أن الولايات المتحدة منخرطة بشكل مفرط في القارة، في الواقع يبدو أن بقاء الجيش الأميركي في أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة يتناقض بشكل واضح مع فرضية الواقعية التي تفترض أن التحالفات تُبنى أساساً استجابة للتهديدات الأمنية. سواء كان السبب سياسات بيروقراطية أو مجرد اعتماد على المسار السابق، فإن الحقيقة أن الولايات المتحدة بعد مرور ثلاثين عاماً على انهيار الاتحاد السوفيتي لا تزال تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية حماية أوروبا، وقد توسع نطاق هذا الالتزام ليشمل جميع دول حلف وارسو السابقة.

نتيجة لذلك تضاعف عدد أعضاء حلف الناتو وتقدر قوة القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا بحوالي 100,000 جندي، وقد ارتفعت أعداد القوات بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022 لكن حتى في الفترات العادية تراوحت مستويات القوات الأميركية بين 50,000 و75,000 جندي، تُركّز الهياكل القاعدية الحالية ومعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا التي بدأت تفقد فعاليتها غالبية القوات الأميركية في ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، فيما يزداد عدد الجنود المتمركزين في الدول الشرقية الأوروبية بشكل دوري وإن كان هذا التناوب عملياً دائم.

قد يكون الأهم من الأرقام المطلقة للقوات الأميركية هو الدور التكنولوجي واللوجستي الذي توفره الولايات المتحدة للقوات الأوروبية والتي غالباً ما تفتقر إلى قدرات رئيسية في مجالات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع أو النقل الجوي والتزويد بالوقود، يُعد التدخل في ليبيا عام 2011 أبرز مثال على المركزية الأميركية في قدرات الردع الأوروبي فبينما كان من المتوقع أن تلعب أوروبا الدور الرئيسي لم تستطع القوات الأوروبية الحفاظ على العمليات بمفردها ما اضطر الولايات المتحدة لتقديم الذخيرة والدعم الاستخباراتي والتزويد بالوقود جواً، وكما وصف أحد المراقبين آنذاك “أوروبا أقلعت بالطائرات والمروحيات الهجومية لكن معظم العمليات كانت تعتمد على الذخائر الأميركية والأهداف التي حددتها الولايات المتحدة والتنسيق باستخدام تقنياتها.”

لا تزال هناك بعض القدرات المتخصصة لا سيما في مجال الاستخبارات التي توفرها الولايات المتحدة لأوروبا، لكن معظم الفجوات الحالية يجب أن تسدّها الدول الأوروبية نفسها بحيث تكون قادرة على التصدي للأزمات دون الحاجة الماسة للدعم الأميركي الفوري، وبشكل خاص يجب أن تكون القوات الأوروبية كافية وموضوعة بشكل استراتيجي لردع روسيا التي تبقى التهديد الأمني الخارجي الأكثر وضوحاً.

أي تعديل في الوجود العسكري الأميركي في أوروبا يجب أن يقابله تعديل مماثل في الالتزامات الخطابية والعملية تجاه أمن الدول الأوروبية، ولا يتطلب ذلك بالضرورة انسحاباً رسمياً من حلف الناتو، إلا إذا لم توجد بدائل أخرى. وعند الانسحاب الجزئي يجب على الولايات المتحدة التأكيد على أنها ستظل الضامن الأخير للأمن الأوروبي مقدمة الأسلحة والمساعدة بدلاً من الدعم العسكري المباشر في معظم الحالات، ينبغي الحفاظ على الضمانات النووية الأميركية لأوروبا لعدة سنوات حتى تظهر بدائل أوروبية مقبولة مع ممارسة ضغط لتشجيع الاتحاد الأوروبي على تطوير رادع نووي مشترك أو أن تمدّد فرنسا والمملكة المتحدة ضماناتها لدول الجوار، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى محاولات محدودة من بولندا أو ألمانيا لامتلاك أسلحة نووية إذا بدا الضمان البريطاني أو الفرنسي غير مقنع لكن الاحتمال ضئيل إذ لماذا سيكون التزام نووي بريطاني صالح أقل مصداقية من الأميركي؟

لا يوجد تعارض جوهري بين التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة في حلف الناتو وإعلانها عن نية تجنب استخدام القوة المباشرة في المنطقة، المادة الخامسة تلتزم الدول باتخاذ أي إجراءات تراها ضرورية لدعم الدولة المعتدى عليها كما يُظهر مثال أوكرانيا فإن نهجاً أقل تدخلاً يركز على الأسلحة والمعلومات والدعم الاقتصادي يمكن أن يكون فعالاً للغاية في تعزيز قدرة الدول الشريكة على الدفاع عن نفسها، يبقى دور الولايات المتحدة كضامن نهائي للأمن الأوروبي مستعد للتدخل فقط عند مواجهة القارة لتهديد وجودي حقيقي متسقاً تماماً مع عضوية حلف الناتو، وفي غضون 15 عاماً في سيناريو مثالي ينبغي أن تصبح الولايات المتحدة وأوروبا شركاء متكافئين وحلفاء لا مزود أمني تابع ومُعتمد. أي عملية لتطوير الدفاع الشامل للاتحاد الأوروبي ستستغرق على الأرجح عقوداً وقد تشبه العمليات الطويلة والمعقدة للتوصل إلى السوق المشتركة واليورو، بالمقابل يظل الناتو أكثر قدرة على الدفاع عن أوروبا في الأزمات بفضل البنية القيادية القائمة لكنه يعتمد بشكل كبير على القدرات الأميركية، وأي مسار فعّال لتعزيز الدفاع الأوروبي سيحتاج إلى دمج دور تطوري للاتحاد الأوروبي مع انتقال تدريجي للمسؤولية داخل هياكل الناتو القائمة.

أدى تعدد المشكلات الأوروبية إلى شلل في صياغة السياسات الأمنية إذ لا تزال الدول عالقة في نقاشات شاملة حول شكل الدفاع الأوروبي المشترك كما يتضح من إصدار الاتحاد الأوروبي مؤخراً لأول بوصلة استراتيجية له لكنها لم تحقق تقدماً ملموساً على أرض الواقع، ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا أشار محللون من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن إلى أن “لا توجد حتى الآن إعادة تجهيز واسعة للقوات أو مشتريات كبيرة لمعالجة الثغرات القدراتية”، ومن المفارقات أنه بالرغم من الخسائر المدوية التي تكبدتها روسيا في أوكرانيا والتي توفر نادراً نافذة أمان لنقل القيادة الأمنية الأوروبية من الولايات المتحدة إلى أوروبا فإن الدول الأوروبية ما زالت تجد من الأسهل تحميل المسؤولية على الولايات المتحدة بدلاً من مواجهة المشكلات المعقدة المتعلقة بالعمل الجماعي وهو ما وصفه شون موناغان مسؤول بوزارة الدفاع البريطانية بأنه “تحديات بيروقراطية راسخة أمام التعاون”، وأي محاولة متماسكة لتنفيذ هذا الانتقال تتطلب جهوداً قوية من صانعي السياسات لكسر الجمود السياسي.

ويُعد توقيت الانتقال من الالتزامات الأمنية الأميركية إلى الأوروبية أحد أهم القضايا، فقد سلطت المناقشات العلمية الحديثة الضوء على هذا التحدي إذ استعرضت دراسة من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية عدة سيناريوهات افترضت انسحاب القوات الأميركية فجأة تلاه تدخل روسي شبه فوري وخلصت إلى أن الدول الأوروبية لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، ومع ذلك أشار الباحث باري بوزن إلى أن النتائج تتغير بشكل كبير إذا مُنحت الدول الأوروبية وقتاً للتكيف مع الانسحاب الأميركي، ما يدل على ضرورة منح فترة انتقالية طويلة يتم خلالها نقل المسؤوليات تدريجياً بدلاً من أي صدمة مفاجئة. ومن المهم أن يكون صانعو السياسات الأميركيون واضحين بشأن عملية الانسحاب والجدول الزمني لها ويمكن أن يساعد تحديد مواعيد نهائية ملموسة تكون قريبة بما يكفي لتحفيز التركيز وبعيدة بما يكفي لتحقيق تغييرات حقيقية، ويُعدّ هدف عشر سنوات واقعياً وقابلاً للتحقيق إذ تشير تقديرات المعهد إلى أن برنامج إعادة التجهيز الكامل للقوات البرية في أوروبا قد يستغرق 8–12 سنة وقد تحتاج القدرات الجوية نحو عقد من الزمن فيما قد تتطلب القدرات البحرية 15–20 سنة، بينما تُعد القوات البرية وبعض الأصول الجوية أهم عناصر الدفاع الأوروبي الموثوق لا سيما أن الولايات المتحدة من المرجح أن تواصل دورها العام كضامن للمجال البحري العالمي.

وعلى الرغم من أن عشر سنوات فترة طويلة وسيثار بالتأكيد تساؤلات حول مصداقية استعداد الولايات المتحدة للتراجع عن أوروبا كما أوضح الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021، فإن الالتزام الأميركي بتقليص التواجد الأوروبي يجب أن يكون قابلاً للتصديق ويؤخذ على محمل الجد وليس مجرد إعادة صياغة شفهية لنقاشات عقود حول تقاسم الأعباء، وبناءً عليه ينبغي أن يلتزم صانعو السياسات الأميركيون بخطة واضحة طويلة الأمد لتقليص القوات في أوروبا مع جدول زمني مرحلي، بحيث تُسحب القدرات التي يسهل استبدالها أولاً مع إبقاء القدرات الأكثر تعقيداً لفترات أطول، ويشمل ذلك الانسحاب المبكر لفِرَق المشاة القتالية إلى جانب دعم اللوجستيات والتأمين مع نقل القيادة تدريجياً إلى القائد الأوروبي الاستراتيجي. وفي المدى المتوسط ينبغي استهداف الانسحاب التدريجي للقوات المدرعة الأصعب استبدالاً بما في ذلك المدفعية وقدرات التزويد بالوقود والنقل الجوي في حين أن القدرات الأصعب استبدالاً مثل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ وأنظمة الإنذار المبكر ستظل آخر ما يُسحب، إلى جانب بعض القدرات المتخصصة في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والأصول النووية الاستراتيجية مثل نظام Aegis Ashore التي قد تبقى حتى بعد 15 عاماً، كما يمكن إعادة المواد المتمركزة مسبقاً للقوات الأميركية أو الحفاظ عليها إذا رغبت الولايات المتحدة في الاحتفاظ بمرونة قصوى للمستقبل.

ينبغي تعزيز مصداقية هذا الجدول الزمني من خلال تغييرات ملموسة في ميزانية البنتاغون والبرامج المعتمدة من الكونغرس، بحيث تحدد وثائق الميزانية بوضوح ما سيتم تخفيضه ومتى ستصبح بعض البرامج فائضة عن الحاجة، وربما الأهم من ذلك أنه رغم وجود مجال للتفاوض خلال هذه العملية يجب على الولايات المتحدة بشكل عام المضي قدماً في سحب القدرات المناسبة بغض النظر عما إذا كانت الدول الأوروبية قد استجابت في المواعيد المحددة إذ سيزيد ذلك من مصداقية العملية برمتها، وبنهاية هذه العملية ينبغي أن تكون الولايات المتحدة قد تنازلت عن معظم السيطرة على الدفاع الأوروبي وسحبت قواتها البرية والجوية من القارة وعادت إلى موقف بعيد عن التدخل المباشر.

أما السؤال الاستراتيجي التالي فيتعلق بكيفية تنظيم الدفاع الأوروبي، فقد ركزت أوروبا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة على حلول على المستوى الأوروبي لمشكلة الدفاع، وبحسب باحثين من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) فإن أوروبا مجتمعة تمتلك “المطالب الأمنية والمصالح الخاصة بالقوة العظمى”، لكنها ليست كياناً سياسياً موحداً وقد أثبت التغيير من الأعلى إلى الأسفل في الدفاع الأوروبي حتى الآن أنه مخيب للآمال في أحسن الأحوال. ولهذا ينبغي للولايات المتحدة أن تركز على تشجيع استراتيجيات دفاعية أوروبية صاعدة من الأسفل إلى الأعلى من خلال مساعدة الدول الأوروبية على بناء قدرات دفاعية وطنية قوية والهياكل التي تسمح للدول ذات التوجه المشترك على المستوى دون الأوروبي بتجميع هذه الموارد بفعالية، وتعد هذه الطريقة الوحيدة لتجنب مقاربة أدنى القواسم المشتركة في الدفاع والتي تفشل في توفير الأمن الكافي للدول الأعضاء. قد يبدو هذا غير بديهي وقد يعتبره الأوروبيون المؤيدون لفكرة “الاتحاد الأقرب والأوثق” نوعاً من التحدي لكنه يشبه الانتقال إلى السوق الأوروبية المشتركة أو اعتماد اليورو حيث تطلب ذلك أن تحقق الدول الأوروبية مستويات محددة من الترابط والتنمية الاقتصادية والأهداف المالية قبل الانتقال، وبالمثل فإن الانتقال إلى سياسة أمنية ودفاعية مشتركة مرتبطة بالدول الأوروبية لا يمكن أن يقوم إلا على أساس قدرات دفاعية وطنية قوية، وبالفعل إلى الحد الذي قامت فيه المفوضية الأوروبية في السنوات الأخيرة ببناء حضور دبلوماسي أقوى فقد اتبعت هذا المسار من خلال الاستفادة من كوادر الدبلوماسية القوية في دولها الأعضاء، ودمجها في جهودها لتعزيز الحضور الأوروبي المشترك.

تتمحور الانتقادات الأكثر شيوعاً تجاه تعزيز الدفاع على المستوى الوطني حول نقطتين رئيسيتين الأولى: أنه من غير الممكن للدول الأوروبية الصغيرة إدارة الدفاع دون مساعدة فرنسية أو ألمانية. والثانية: أنه سينتج بالضرورة عن ذلك ازدواجية وهدر في الموارد. ومع ذلك يمكن تجاوز هذين القلقين، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة تشكل القوى الكبرى في أوروبا وقادرة على إنشاء دفاع شامل بشكل مستقل في حين يمكن لمجموعات من الدول الصغيرة والمتوسطة التي تتشارك في تصورات التهديد والمصالح المشتركة أن تجمع مواردها بفعالية لتطوير قدرات دفاعية شاملة، على سبيل المثال تشكل بولندا والدول البلطيقية وجيرانها الإسكندنافيون مجموعة طبيعية تهتم بالردع ضد روسيا وبالآثار المترتبة على الحرب في أوكرانيا. كما أن دول منطقة البحر الأسود مثل رومانيا والمجر وغيرها تتعاون بالفعل في القضايا البحرية وأعمال مشتركة في مجالات الطاقة والبنية التحتية عبر مبادرة “البحار الثلاثة”، وتشكل إيطاليا وإسبانيا واليونان وقبرص ومالطا محوراً طبيعياً يهتم بقضايا الهجرة وعدم الاستقرار في (الشرق الأوسط) وشمال أفريقيا وأمن البحر الأبيض المتوسط، أما بريطانيا وألمانيا والدول الإسكندنافية فتجمعها اهتمامات مشتركة تتعلق بأمن بحر البلطيق وحتى القطب الشمالي.

إن فكرة تشكيل مجموعات فرعية تحت الناتو أو الاتحاد الأوروبي على أساس الجغرافيا والمصالح ليست جديدة فقد استخدم الناتو أثناء الحرب الباردة نظام قيادة قائم على الجغرافيا، ومن خلال بناء هذه المجموعات حول تصورات تهديد مشتركة والحفاظ على القدرات على المستوى المحلي أو دون الإقليمي يمكن للدول التخفيف من أسوأ المشكلات المرتبطة بمحاولة حل مشكلة العمل الجماعي للدفاع المشترك في أوروبا، ولأن الدول المشاركة تشترك في تصورات التهديد يصبح من الأسهل الحصول على الموافقة وتحديد الأولويات وبما أن القدرات يمكن تجميعها بين الدول فإن الدول الصغيرة لا تزال قادرة على الاستفادة من وفورات الحجم، كما يساعد ذلك في التخفيف من تأثير الدول غير المنسجمة مثل المجر وتركيا داخل الهياكل الحالية للتحالف من خلال تقييد دورها وتقليص قدرتها على الاعتراض.

ومع ذلك يظل لكل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو دور قوي في تنسيق ورعاية هذه العملية، فالبيروقراطية الدائمة للناتو مجهزة جيداً لتحديد مناطق التهديد المشترك والفرص الاستراتيجية وتنسيق المشتريات بين الدول الأعضاء وتجنب التداخل أو الفجوات في القدرات، أما الاتحاد الأوروبي فهو في وضع يمكنه من تشجيع إنشاء قاعدة صناعية دفاعية أوروبية والحفاظ عليها وتمويلها عبر السندات الأوروبية أو ابتكارات مالية أخرى. وكما أوصى مؤلفو أحد التقارير الحديثة فإن عملية شبيهة بتلك التي أنتجت السياسة الزراعية المشتركة يمكن أن تكون مفيدة في حماية المصالح الوطنية في مجال الدفاع مع تعزيز المصالح الأوروبية الأوسع، وعلى الرغم من أن السياسة الزراعية المشتركة قد لا تُعد أفضل نموذج للحوكمة، إلا أنها أثبتت فعاليتها في التخفيف من النزعات القومية المتطرفة لتحقيق توافق أوسع في القضايا الحيوية.

لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل المسؤولية المباشرة عن الخيارات التي تتخذها الدول الأوروبية خلال هذه العملية لكنها ستظل حاسمة في التخطيط على مستوى الناتو، ويمكن لصانعي السياسات الأميركيين تشجيع تشكيل هذه الكتل بعدة طرق لا سيما من خلال الدبلوماسية التي تهدف إلى تحديد الشركاء المناسبين وجمعهم ضمن إطار عملية الانسحاب الأميركي، وربما بشكل أكثر إثارة للجدل يجب أن يكون صانعو السياسات الأميركيون مستعدين أيضاً للتراجع عن أي تدخل في مسائل المشتريات الدفاعية الأوروبية، بما في ذلك تجنب أي إصرار على تفضيل الموردين الأميركيين على الأوروبيين خلال هذه العملية. ويُفترض أن تؤدي عملية بناء هذه المجموعات الفرعية تحت الناتو بمشاركة كل من الناتو والاتحاد الأوروبي في النهاية إلى تعزيز التكامل الأوروبي الشامل والمساهمة تدريجياً في تطوير سياسة دفاع وأمن أوروبية أكثر اتساقاً متمركزة في بروكسل، هناك طلب شعبي واضح على ذلك إذ أيد 77 في المئة من المستطلعين عبر أوروبا هذه الفكرة في استطلاع حديث، وحتى إذا لم تؤدِ هذه العملية إلى قدرات دفاعية فوق وطنية واسعة فإنها يجب أن تكون قادرة على تحقيق دفاع أوروبي محلي فعال وردع مقبول التكاليف ودون التزامات أميركية كبيرة. وفي جميع مراحل هذه العملية ينبغي على صانعي السياسات تذكّر أن مصالح الولايات المتحدة تتحقق من خلال الدفاع الفعال عن أوروبا ولا تتطلب أن يتم ذلك عبر أي منتدى مؤسسي محدد، فبناء دفاع أوروبي مشترك قد يكون كما وصف أحد الباحثين “مشروعاً يمتد عبر أجيال”، لكن الانتقال المرحلي نحو دفاع أوروبا عن نفسها لا يجب أن يستغرق تلك الفترة الطويلة.

 

* Emma Ashford, Passing the Baton in Europe There has rarely been a safer window for the transition of security on the continent away from America, Foreign-Policy, August 22, 2025.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى