الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
هل يتوجب إنهاء عضوية النائب المستبعد من الترشيح للانتخابات النيابية القادمة؟

بقلم: د. مصدق عادل
كلية القانون / جامعة بغداد
أثيرت في الآونة الأخيرة العديد من الخلافات القانونية والسياسية بشأن المرشحين الذين استبعدتهم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من خوض غمار السباق الانتخابي المقرر اجراؤه بتاريخ 11 تشرين الثاني 2025.
ويكمن سبب هذا الاختلاف في العديد من الأسباب منها تنوع حالات استبعاد المرشحين للانتخابات النيابية، حيث لم يعد الاستبعاد قاصراً على من يتم شموله بإجراءات المساءلة والعدالة، وانما اتسع ليشمل ارتكاب الجرائم المخلة بالشرف وجرائم الفساد، وعدم توافر شرط حسن السيرة والسلوك، فضلاً عن الازدياد الملحوظ في اعداد المرشحين المستبعدين من المشاركة في الانتخابات ليصل الى نسبة (10%) من العدد الكلي للمرشحين، ناهيك عن شمول بعض أعضاء مجلس النواب الحاليين بالاستبعاد، الامر الذي اثار حفيظة العديد من المعترضين على هذه الإجراءات على الرغم كفالة القانون ضمانات للطعن بقرارات الاستبعاد أمام الهيئات القضائية المختصة.
ومن أجل الوقوف على هذا الموضوع الحيوي وبيان الاثار المترتبة عليه سنتناوله تباعاً كالآتي:
أولاً: حالات استبعاد المرشحين من المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة:
بالرجوع الى قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم (4) لسنة 2023 نجد أنه حدد الشروط القانونية الواجب توافرها في المرشح، حيث تنص المادة (7) منه يشترط في المرشح:
أولاً: عراقي كامل الاهلية اتم (30) الثلاثين سنة من عمره يوم الاقتراع.
ثانياً:
أ- أنْ يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها باستثناء كونا المكونات تكون الشهادة اعدادية فاعلى.
ب- للقوائم الانتخابية تخصيص نسبة لا تزيد على (20%) عشرين من المائة من عدد المرشحين لشرائح المجتمع من حملة شهادة الدبلوم أو الإعدادية أو ما يعادلها.
ثالثاً: ان يكون غير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو قضايا الفساد الإداري والمالي المنصوص عليها في المواد (330 ، 333، 334، 335، 336 ، 338، 339 ، 340) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل بحكم قضائي بات سواء كان مشمولاً بالعفو عنها من عدمه.
رابعاً: غير مشمول بأحكام إجراءات المساءلة والعدالة أو أي قانون يحل محله.
خامساً: ألا يكون من افراد القوات المسلحة أو المؤسسات الأمنية (عدا الموظفين المدنيين فيها)، أو من القضاة المستمرين بالخدمة عند الترشيح، أو أعضاء مجلس المفوضين للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات للدورة الحالية والسابقة، أو من موظفي المفوضية المستمرين بالخدمة”.
وبهذا يتضح أن هناك (4) حالات رئيسية لاستبعاد المرشح لانتخابات مجلس النواب والتي تتمثل بالآتي:
الطريق الأول: انتفاء شرط ارتكاب الجريمة المخلة بالشرف أو جرائم الفساد المالي والإداري:
حددت المادة (25) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل الجرائم المخلة بالشرف والتي تتمثل بجرائم (السرقة- الاختلاس- التزوير- خيانة الأمانة- الرشوة- هتك العرض)، واضيف اليها (جرائم الإرهاب) بموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، وكذلك جرائم تسريب الأسئلة الامتحانية أو التلاعب بالنتائج والسجلات الطلابية.
وبهذا فان ثبوت ارتكاب المرشح لاي من الجرائم المذكورة أعلاه، الذي يتحقق بصدور حكم بات فيها فإنه يعد مانعاً من الترشح لانتخابات مجلس النواب، بمعزل عن شموله بقوانين العفو العام من عدمه.
وينطبق الامر ذاته بالنسبة الى جرائم الفساد المالي المنصوص عليها في المادة أعلاه، حيث اختار المشرع العراقي بعض جرائم الفساد وليس جميعها، وتتمثل هذه الجرائم بـ( استغلال النفوذ الوظيفي- استعمال القسوة والتعذيب- الاستيلاء على مال الاخرين- الاخلال بسلامة المزايدات والمناقصات- استغلال الوظيفة لجباية أجور اعلى من المقررة قانوناً- الاضرار العمدي بالمال العام).
الطريق الثاني: يتمثل الطريق الثاني لاستبعاد المرشح من انتخابات مجلس النواب في شموله باجراءات المسائلة والعدالة وفقاً لقانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة رقم (10) لسنة 2008، حيث ان مجرد ثبوت العضوية في جزب البعث المنحل تعد أساسا كافياً لشمول المرشح باجراءات المساءلة واستبعاده، وهو الامر الذي أكدته الهيئة التمييزية للمساءلة والعدالة في محكمة التمييز في العديد من القرارات الصادرة منها. ويلحق بما تقدم ثبوت عمل الشخص في الأجهزة القمعية كجهاز المخابرات والامن الخاص و فدائيو المقبور صدام. ويلحق بما تقدم التمجيد أو الترويج أو التحبيذ للبعث الصدامي ورموزه في العراق، حيث أن المادة (7) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تمنع أن يكونوا ضمن التعددية السياسية في العراق، وبضمنها الاشتراك في انتخابات مجلس النواب.
الطريق الثالث: فيما يتمثل الطريق الثالث بعدم تقديم المرشح لشهادته كأن يكون خارج نسبة (20%) المحددة للقائمة الانتخابية من الحاصلين على شهادة الإعدادية، أو اخلاله بالتعهد الموقع من قبله بجلب الشهادة الحاصل عليها، وكذلك الحال في حالة تقديم شهادة البكالوريوس صعودا الحاصل عليها من خارج العراق دون جلب قرار معادلة الشهادة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
الطريق الرابع: أما الطريق الرابع غير المنصوص عليه في القانون رقم (4) لسنة 2023 فيتمثل بعدم توافر شرط حسن السيرة والسلوك، حيث يلاحظ ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 يشترط توافر شرط حسن السيرة والسلوك بالنسبة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء دون اشتراط توافر ذلك في عضو مجلس النواب.
وعلى الرغم من ذلك تم توسيع حالات استبعاد المرشحين من قبل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ليشمل كل من لا يتمتع بشرط حسن السيرة والسلوك.
ويشير الواقع العملي الى تشكيل لجنة من قبل موظفي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تتولى التدقيق والتحقق من توافر شرط حسن السيرة والسلوك وترفع توصياتها الى مجلس المفوضين لاتخاذ القرار المناسب بهذا الشأن في ضوء السلطة التقديرية الواسعة التي يتمتع بها مجلس المفوضين وفقاً لقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى وجود العديد من المعايير التي يمكن الاستناد اليها بهذا الصدد، حيث لا يشترط ان يصدر حكم بات عن جريمة مخلة بالشرف، ولكن يمكن اعتبار تكرار وجود قضايا جنائية وان كانت جنح تعد قرينة على عدم توافر شرط حسن السيرة والسلوك، وسواء أكانت القضية في مرحلة التحقيق أم صدر فيها حكم نهائي بات.
كما يمكن الاستناد إلى سبق قيام مجلس النواب بسحب الثقة من المرشح على انه دليلاً على عدم توافر شرط حسن السيرة والسلوك في المرشح لعضوية مجلس النواب.
وبهذا فان مجلس المفوضين يتمتع بالسلطة التقديرية الواسعة في النظر في كل حالة على حدة واتخاذ القرار المناسب بشان الاستبعاد من عدمه في ضوء قناعته بتاثير الحكم أو السلوك الشخصي على توافر شرط حسن السيرة والسلوك.
ثانياً: اثار استبعاد عضو مجلس النواب من الترشح على عضويته الحالية في مجلس النواب واستبداله بعد قيام مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باستبعاد العديد من النواب الحاليين في الدورة النيابية الخامس من الاشتراك في انتخابات مجلس النواب التي ستجرى بتاريخ 11/تشرين الثاني/2025.
وأول ما يلاحظ أن مجلس المفوضين قام باستبعاد ما يقارب ربع العدد الكلي لاعضاء مجلس النواب الحاليين المشمولين بالاستبعاد بسبب إجراءات المسائلة والعدالة، حيث تم استبعاد (5) نواب من اصل العدد الكلي للنواب البالغ (16) نائباً.
وبناء على ما تقدم يثار التساؤل هل يوجد تأثير لاستبعاد عضو مجلس النواب الحالي من الترشح للانتخابات القادمة على استمرار عضويته الحالية في مجلس النواب؟
نقول ابتداء ان شرط الشمول باجراءات المساءلة والعدالة تعد من الشروط الدستورية المانعة من استمرار النائب في عضويته الحالية، وذلك بالاستناد لاحكام المادتين (49/ثالثاً وخامساً) و(135/ثالثاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وبدلالة المادة (7/اولاً) من الدستور التي حظرت الترويج أو التحبيذ أو التمجيد للبعث الصدامي ورموزه.
وبناء على ما تقدم يتوجب على رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استكمال الإجراءات اللازمة لاستبدال النائب الذي تم استبعاده من المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة بسبب عدم توافر شروط الترشيح، سواء أكان النائب مستمراً في كتلته النيابية السابقة أو انتقل إلى قائمة انتخابية أو نيابية جديدة، حيث أنَّ احقية استبدال النائب المستبعد في حالة انتفاء شروط الترشيح تعد من الحقوق الدستورية والقانونية الثابتة للكتلة النيابية التي شارك في الانتخابات السابقة معها.
ويتم الاستبدال من خلال تطبيق قانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 المعدل، حيث تنص المادة (1) منه تنتهي العضوية في مجلس النواب لأحد الأسباب الآتية: 2- فقدان أحد شروط العضوية المنصوص عليها في الدستور وقانون الانتخابات”.
فضلاً عن وجوب تطبيق قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم (4) لسنة 2023 بشأن انهاء عضوية النائب المستبعد للانتخابات القادمة بحكم القانون، دون أنْ يتوقف ذلك على تصويت مجلس النواب على انهاء العضوية أو صدور قرار من مجلس المفوضين، حيث تنص المادة (14) من القانون
اولاً: اذا فقد عضو مجلس النواب أو عضو مجلس المحافظة مقعده لاي سبب كان يحل محله المرشح التالي له في عدد الأصوات الحاصل عليها في قائمته.
ثانياً: اذا فقد عضو مجلس النواب او عضو مجلس المحافظة مقعده لاي سبب كان، وكان ضمن قائمة منفردة فيخصص المقعد الى مرشح اخر حاصل على اعلى الأصوات لحزب او تنظيم سياسي حصل على الحد الأعلى للاصوات ولم يحصل على مقعد.
ثالثاً: اذا كان المقعد الشاغر يخص امراة فيشترط ان تحل محلها امراة أخرى من نفس القائمة الانتخابية”.
نخلص مما تقدم إلى أنَّ آثار استبعاد النائب الحالي بسبب عدم توافر شروط الترشيح له لا تقتصر على مجرد الحرمان من المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة في 11 تشرين الثاني 2025، بل يتعدى اثرها إلى انهاء العضوية الحالية لعضو مجلس النواب بسبب انتفاء شروط الترشيح بحكم القانون، ومن ثم يتوجب على الحزب أو التنظيم السياسي الذي رشح معه النائب المستبعد المطالبة باستكمال إجراءات الاستبدال وفق النصوص المذكورة في حالة امتناع أو تجاهل رئيس مجلس النواب عن مخاطبة مجلس المفوضين في المفوضين العليا المستقلة للانتخابات لغرض اعلامهم بالمرشح البديل عن النائب الذي فقد شروط العضوية.
وفي الوقت ذاته يحق للحزب أو التنظيم السياسي سلوك الطرق القانونية والقضائية الأخرى ومنها اللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا للفصل في هذه المنازعة، أو تحريك الشكوى الجزائية ضد رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المفوضين في حالة الامتناع العمدي عن تطبيق النصوص القانونية المنظمة للاستفتاء، وذلك استناداً لاحكام المادة (329) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.
لكل ما تقدم فإننا ندعو مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى سرعة استكمال إجراءات استبدال أعضاء مجلس النواب المستبعدين بسبب عدم توافر الشروط واشعار رئيس مجلس النواب بالمرشح الذي يلي النائب المستبعد في الانتخابات السابقة من اجل استمرار صحة التمثيل الشعبي للنائب عن الشعب، والتطبيق السليم لنصوص الدستور والالتزام الكامل بسيادة القانون وفق المادة (5) من الدستور.
كما ندعو الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة إلى شمول جميع النواب المرشحين للانتخابات القادمة والبالغ عددهم (16) نائباً الذين تتوافر لديهم قيود بشأن إجراءات المساءلة والعدالة والطلب من مجلس المفوضين باستبعادهم من الانتخابات القادمة استناداً لاحكام المادة (7/خامساً) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018 المعدل عام 2023 واستناداً لقانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة رقم (10) لسنة 2008، تطبيقاً لمبدأ المساواة امام القانون وفقا للمادة (14) من الدستور، وهو الامر الذي يمكن معه القول بإمكانية إجراء انتخابات نيابية سليمة ونزيهم تكفل التمثيل الجماهيري السليم في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية.



