الاكثر قراءةترجماتغير مصنف
آفاق القمة بين ترامب وبوتين كمدخل محتمل لعملية السلام

بقلم: إيما أشفورد
ترجمة: صفا مهدي عسكر
تحرير: د. عمار عباس الشاهين
عندما اشترت الولايات المتحدة إقليم ألاسكا من الإمبراطورية الروسية عام 1867 وصفت بعض الصحف الصفقة آنذاك بسخرية بـ”حماقة سيوارد” و”والروسيا”، واليوم حين يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا في 15 آب في أول قمة تجمعهما منذ عام 2016، ستكتسب المناسبة دلالة رمزية واضحة إقليم أميركي– أصبح لاحقاً ولاية– انتقلت ملكيته سلمياً عبر المفاوضات، يستضيف محادثات تتمحور حول قضايا الحدود الإقليمية في أوكرانيا.
ورغم أن بعض المعلقين قد يصف هذه القمة بـ”حماقة ترامب” معربين عن رفضهم المبدئي لفكرة الحوار مع روسيا، فإنها ليست بالضرورة عديمة الجدوى أو ضارة بمسار حل النزاع الروسي- الأوكراني، فهناك سيناريوهات يمكن أن تُفضي إلى نتائج محدودة لكنها قد تفتح المجال لمزيد من المباحثات على المدى البعيد.
هذا المنظور يجد صداه في خطاب إذاعي للرئيس الأميركي رونالد ريغان عام 1986 موجَّه إلى الشعب السوفييتي، حيث أكد أن الولايات المتحدة “على استعداد لدعم جميع الجهود الجادة لإيجاد حلول سلمية للنزاعات الإقليمية والعمل مع الاتحاد السوفيتي وأي دولة أخرى لتحقيق هذا الهدف”، مشيراً إلى أن معالجة القضايا المعقدة بين البلدين “لن تكون سهلة لكن أعظم الإنجازات غالباً ما تكون كذلك”. وبناءً على هذه الرؤية لا ينبغي الاكتفاء بالتقليل من شأن محادثات ألاسكا أو السخرية منها، بل من المهم النظر إلى ما يمكن أن تتيحه من فرص ولو محدودة لإحداث تقدم في مسار إنهاء الحرب، ويمكن تناول الأمر من خلال السيناريوهات المحتملة التالية.
سيناريو “الصفقة الفارغة“
تاريخ القمم الأميركية- الروسية يظهر أن النتائج الإيجابية كانت نادرة، فقد عقد الرئيس جو بايدن قمة جنيف مع بوتين عام 2021 ولم تمضِ سوى سبعة أشهر حتى أقدمت روسيا على غزو شامل لأوكرانيا، وفي قمة هلسنكي عام 2018 بين ترامب وبوتين لم يتحقق تقدم ملموس بل ساهمت المحادثات في تغذية الجدل حول قضية “روسيا غيت”، أما قمة “البرغر” بين الرئيس باراك أوباما والرئيس الروسي حينها ديمتري ميدفيديف عام 2010، التي التُقطت لهما صور وهما يتناولان البرغر في ولاية فرجينيا فقد أصبحت رمزاً لحدث بروتوكولي محدود القيمة السياسية.
وعليه يبقى أحد الاحتمالات الواردة لقمة ألاسكا أن تنضم إلى هذا النمط بحيث تنتهي إلى حوار لا يُعالج جوهر الخلافات القائمة، وإذا فشلت المحادثات تأمل بعض العواصم الأوروبية أن يدفع ذلك ترامب إلى فرض عقوبات مالية أشد صرامة على روسيا، وهناك من يرى أن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن يخلص ترامب إلى أن بوتين غير جاد في التوصل إلى تسوية، في المقابل قد يؤدي الفشل أو حتى مجرد الإعلان عن عدم التوصل إلى اتفاق إلى زيادة عزلة أوكرانيا عن واشنطن من خلال الإيحاء بأن تمسك كييف بمطالبها القصوى هو العائق أمام السلام. وفي جميع الأحوال فإن قمة لا تفضي إلى اتفاق ستكون انعكاساتها أكثر سلبية على أوكرانيا منها على روسيا نظراً لواقع أن موقف كييف العسكري يتسم بقدر متزايد من الهشاشة مع معاناتها من نقص في القوى البشرية والعتاد، وفي سياق حروب الاستنزاف عادةً ما تكون الدولة الأصغر– حتى مع دعم قوى كبرى– في موقع أضعف بمرور الوقت، ورغم أن القيادة الأوكرانية قد لا تميل إلى تقديم تنازلات فإن قدرتها التفاوضية تشهد تراجعاً مستمراً.
سيناريو الأوهام
يذهب بعض أكثر أنصار ترامب حماسة إلى الاعتقاد بأن مجرد اجتماع بينه وبين بوتين سيكون كفيلاً بإبرام اتفاق سلام شامل أو على الأقل إطلاق مسار انفراج جوهري في العلاقات الأميركية– الروسية، ويشارك ترامب نفسه وكبير مفاوضيه ستيف ويتكوف في هذا التصور إذ يتجاوزان في كثير من الأحيان التعقيدات الدقيقة للعمل الدبلوماسي سعياً وراء إعلان “انتصارات كبرى”. غير أن الاعتقاد بأن ترامب وبوتين– وكلاهما ليس معروفاً بدقة المتابعة– قادران خلال بضع ساعات على التوصل إلى صيغة عملية لوقف إطلاق النار، مع وضع آليات مراقبة وتحديد مستقبل أوكرانيا في أوروبا ومعالجة قضايا إقليمية معقدة وحسم منظومات العقوبات، هو محض وهم سياسي. وفي المقابل هناك طرح آخر لا يقلّ مثالية يتمثل في مقاربة “وقف إطلاق النار أولاً” التي يتبناها عدد من القادة الأوروبيين، بمن فيهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وزعماء من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والذين يشددون على أن أي مفاوضات يجب أن تسبقها هدنة شاملة غير مشروطة، ويدعو أنصار هذا التوجه ترامب إلى اعتماد موقف متشدد يفرض وقفاً فورياً لإطلاق النار. لكن هذا التصور أيضاً يفتقر إلى الواقعية إذ ليس ثمة ما يدفع روسيا– وهي تحرز مكاسب ميدانية وتحتفظ باقتصاد متماسك نسبياً رغم الضغوط– إلى وقف القتال والتنازل عن إنجازاتها دون مقابل ملموس، وباختصار فإن كلا الطرحين يعكس تفكيراً رغبوياً أكثر من كونه قراءة عملية للواقع.
الخطوة الأولى: السيناريو الأكثر واقعية
قد يكون الخيار الأكثر جدوى– وإن كان الأقل طموحاً– هو ما وصفه ترامب نفسه بـ”اجتماع استكشافي” هدفه تقييم مدى جدية بوتين في التوصل إلى سلام، ورغم أن المقترح الروسي المطروح حالياً يتضمن جوانب غير مقبولة مثل مطالبة أوكرانيا بتنازلات إقليمية مقابل وقف القتال، فإنه أقل تشدداً مقارنة بالمطالب السابقة.
ويُلاحظ أن العرض الروسي الأخير لا يتضمن شروطاً تتعلق بشكل الحكومة الأوكرانية أو سيادتها أو أمنها، وإذا اعتُبر هذا العرض نقطة انطلاق فقد يكون من الممكن التوصل إلى تسوية أكثر توازناً تقوم على ترتيبات تبادل أراضٍ تمنح الطرفين خطوط تماس أكثر استقراراً وأمناً مقابل وقف الأعمال القتالية وفتح المجال أمام مفاوضات لاحقة، ورغم أن الدستور الأوكراني يحظر التنازل عن الأراضي إلا عبر استفتاء شعبي فإن ثمة فرقاً بين الاعتراف القانوني والاعتراف الفعلي بسيطرة روسيا على مناطق يبدو من غير المرجح استعادتها في الأمد القريب. ويمكن معالجة عقدة الأراضي بعدة طرق منها التمييز بين الاعتراف القانوني والاعتراف المؤقت أو الفعلي، أو تحديد مدة زمنية للاعتراف تمتد لعقدين أو ثلاثة أو إجراء عمليات تبادل غير متكافئة من حيث القيمة، بحيث تستعيد أوكرانيا مواقع ذات أهمية استراتيجية– مثل محطة زابوريجيا النووية– مقابل أراضٍ أقل أهمية من الناحية العملية.
التحديات اللاحقة
إن أي اتفاق يقوم على مبدأ “الأرض مقابل السلام” سيكون خطوة بالغة الأهمية وصعبة التنفيذ لجميع الأطراف ولن يشكل سوى بداية لمسار تفاوضي طويل ومعقد، وستكون هناك حاجة لمعالجة قضايا محورية مثل مستقبل سيادة أوكرانيا وخيارات انضمامها للاتحاد الأوروبي وآليات الدفاع المستقبلية (بما في ذلك نوعية التسليح المسموح بها وكيفية مراقبة الالتزام بالاتفاق وتنفيذه)، فضلاً عن أي مطالب روسية محتملة تتعلق بالسياسة الداخلية الأوكرانية كضمان حقوق اللغة الروسية، ومن المرجح أن تستغرق هذه المفاوضات سنوات عدة. ومع ذلك يظل هذا السيناريو الأفضل بين الخيارات المتاحة لأنه الوحيد الذي يتيح مخرجاً عملياً أفضل من الوضع الراهن، أما تجاهل قمة ألاسكا أو الإصرار على المطالب القصوى– كما يفعل بعض القادة الأوروبيين– فسيكون نهجاً غير بنّاء، وحتى اللحظة لم يتأكد ما إذا كان زيلينسكي سيحضر القمة إذ أعلن البيت الأبيض أنه لم يُدعَ بعد وأن التحضيرات تتركز على اللقاء الثنائي، غير أن حضوره قد يكون ضرورياً لتحقيق نتائج ملموسة وينبغي على العواصم الأوروبية حثه على المشاركة ودعوة واشنطن إلى إشراكه.
في المحصلة يمكن للقمة أن تشكّل جسراً نحو عملية سلام إذا أُحسن استثمارها، أما الاستخفاف بها أو التعامل معها بوصفها مجرد عرض سياسي على طريقة تلفزيون الواقع فهو إغلاق مبكر لباب قد يقود إلى حلول ممكنة وافتراض متشائم بأن البدائل الأفضل غير قابلة للتحقيق، وحتى في حال نجاح القمة فإن الطريق نحو اتفاق ملموس بشأن الأراضي أو وقف إطلاق النار أو غيرهما من القضايا المعقدة سيكون شاقاً وطويلاً– لكن، وكما قال ريغان فإن “الأمور التي تستحق الإنجاز نادراً ما تكون سهلة”.
* Emma Ashford, The Trump-Putin Summit Could Actually Be Helpful, FOREIGN POLICY, August 14, 2025.



