الاكثر قراءةدراساتغير مصنف

التنافس الامريكي الصيني حول الهيمنة العالمية

بقلم : الباحث علي نعيم داود

المقدمة

يشهد العالم اليوم تحولا جوهريا في موازين القوة الدولية ، حيث برزت الصين كقوة  اقتصادية وعسكريا وتكنولوجية، لتشكل تحديا  مباشرا  للهيمنة الامريكية التي استمرت منذ الحرب الباردة. وقد اتخذ هذا التنافس ابعاد متعددة، شملت الحروب التجارية، والتسابق في مجالات الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، وتوسيع مناطق النفوذ الجيوسياسي عبر مبادرات واستراتيجيات كبرى مثل  الحزام والطريق من الجانب الصيني، والتحالفات الأمنية والاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة هذا الصراع لا يقتصر على كونه مواجهة بين قوتين عظيمتين، بل يعكس اعادة تشكل للنظام الدولي  نفسه، مع ما يحمله من انعكاسات على الاستقرار العالمي، والتجارة الدولية، والتحالفات الاقليمية.

المبحث الاول : التنافس الامريكي الصيني في المجالين الاقتصادي والعسكري

المطلب الاول: المجال الاقتصادي

 شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين عبر التاريخ العديد من التقلبات والمنعطفات ففي عام 2018، قامت الولايات المتحدة برفع التعريفة الكمركية على ما يقارب 50% من الواردات من الصين، حيث زاد متوسط التعريفة الكمركية الامريكية على الواردات الصينية من 3 الى اكثر من 12% وهو ما ادى الى رد فعل مماثل من الصين التي فرض هي الاخرى تعريفات كمركية على واردات الولايات المتحدة، ورفعت متوسط التعريفة الكمركية على صادرات الولايات المتحدة من اقل من 10% الى اكثر من 18%. ويطلق على هذه الانواع من التبادل لفرض التعريفات اسم (الحرب التجارية)، ويكمن خلف ذرية هذه الحرب التجارية التنافس بين اكبر اقتصادين في العالم من اجل الهيمنة والمكانة العالمية.(1)

تشهد المنافسة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة  مع تشجيع الصين للدول للتخلي عن هيمنة الدولار على المعاملات الدولية، سواء من خلال اتفاقات التبادل بالعملات الوطنية بينها وبين بعض الدول، وكذلك دعمها اطلاق عملة جديدة ضمن تحالف البريكس. وقد تزايد عدد الدول المنضمة لمبادرة بكين الخاصة باستخدام العملة المحلية في التبادل التجاري الثنائي، بدلا من الدولار واحدثها البرازيل. ويأتي هذا في اطار الاتفاقيات التي ابرمتها الصين في السنوات الاخيرة مع عدة دول لتقليص التعامل بالدولار واضعافه، ومن تلك الدول هي روسيا وباكستان واندونيسيا وبنغلادش ولاوس ومؤخرا البرازيل. (2)

ان حالة الصراع ما بين الولايات المتحدة والصين اصبحت تأخذ ابعاد متداخلة في العديد من مناطق العالم، حيث يأتي في مقدمتها بحر الصين الجنوبي، وفي أفريقيا و(الشرق الاوسط) حيث الصرع على الطاقة والتجارة والنفوذ ولعل الاكثر خطورة في ذلك الصراع والحرب التجارية هو المبادرة التجارية الصينية (طريق واحد – حزام واحد ) بما يشكله من تهديد للمصالح الامريكية في كل من اسيا و(الشرق الاوسط) وأفريقيا وأوروبا، والتي تروم الى ربط اوروبا بالشرق واليابان التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الامريكية، حيث ان المبادرة الصينية تقدم نفسها كنموذج عالمي للتنمية اذ تتلاءم سياستها الاقتصادية مع تطلعات كثير من دول العالم. (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)مركز الحضارة للدراسات والبحوث، الحرب التجارية الامريكية – الصينية والتنافس على الهيمنة الاقتصادية، تاريخ الاطلاع 6/8/2025،متاح على الرابط الاتي:

https://hadarcenyer.com

(2)المصدر نفسه.

(3) بدر صايم ، التنافس الصيني الامريكي وتداعياته على النظام الدولي، مجلة حمورابي، العدد50 ، 2024، ص269.

تجدر الاشارة الى ان القروض الصينية اقل في الفائدة بنسبة 10و15%، من القروض الامريكية التي تبلغ اكثر من 25% مما ادى الى تزايد الاقبال على الاقتراض من الصين بدلا من الولايات المتحدة ، واللافت للنظر في هذه المبادرة انها استطاعت جذب حلفاء الولايات المتحدة للتعاون معها والاستثمار فيها ومنها بنوك بريطانية وشركات امريكية خاصة كما وقعت السعودية اتفاقيات بقيمة 20مليار دولار كاستثمار اولي في المرر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، وسعت الصين الى ضم ايطاليا للمبادرة الاقتصادية (طريق واحد – حزام واحد) في اطار العلاقات المتميزة بين الدولتين وكذلك التقارب مع فرنسا لتشكيل تنسيق اوروبي.

ان الهدف الاستراتيجي للسياسة التجارية الامريكية هو ازاحة اية قوة صاعدة تهدد هيمنتها على قيادة العالم واستغلاله بما يعود عليها بمنافع اقتصادية وسياسية، كما تراهن الولايات المتحدة في نزاعها التجاري مع الصين على عدم قدرة الاخيرة على الصمود ازاء العقبات الكمركية  نظرا لاعتمادية الصادرات الصينية على الاسواق الامريكية، الامر الذي ستضطر الصين في ضوئه الى القبول بالشروط الامريكية. (2)

يتضح لنا ان الصين اعتمدت على عدة اليات لتحقيق مصالها في ان تكون قوى عظمى وفي نفس الوقت خلق عام متعدد الاقطاب يتم السماح فيه لمختلف الدول بالمشاركة في صنع القرارات الدولية، ارتكز الادراك الصيني للتحولات العالمية على الرغبة في حماية تجربة الاصلاح الاقتصادي والمحافظة على طابعها الصيني الخاص، وهو ما عرف بالتجربة الصينية وايجاد الشروط الملائمة لاستمرارها واللازمة في انجاحها، لما لها من اهمية في بناء دور الصين المستقبلي. كذلك سعت الصين نحو تأكيد الحضور وبلورة معالم الدور عالميا في نظام دولي اخذت معالمه ترتكز على معطيات اقتصادية، وعلى المصالح وفتح الاسواق بعد ان كان للأيديولوجيا، في معظم مراحل القرن الماضي دور مهم في ادارة السياسات الخارجية للدول وفي رسم بنية التحالفات والتوازنات على المسرح الدولي. (2)

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر نفسه، ص 269- 270.

(2)محمود زكي ، تحولات السياسة الخارجية الصينية: من الدبلوماسية التقليدية الى استراتيجيات الصعود السلمي، مجلة الدراسات التجارية والادارية، الجلد6، العدد2، 2025، ص 371.

المطلب الثاني: الجانب العسكري

من اصعب مجالات التحدي بالنسبة للصين هو المجال العسكري، اذ تسطير الولايات المتحدة بفعل تفوقها العسكري على طرق التجارة العالمية وعلى منابع الطاقة وتضيق بشكل استراتيجي على الصين من جهتي الجنوب والشرق، وهو ما سهم في تشكيل وعي صيني متزايد بأهمية امتلاك قوة عسكرية قادرة على حماية طرق تجارتها. فقد عززت الصين انفاقها العسكري بشكل متصاعد مستفيدة من الفائض المالي الذي يوفرها نموها الاقتصادي، اذ تضاعف الانفاق العسكري للصين عدة مرات خلال العقدين الماضيين بما يظهر الاهتمام المتزايد الذي توليه للقوة العسكرية.(1)

ان الصين تعد البلد الثاني في حجم الانفاق العسكري، اذ بلغ 261مليار دولار عام 2019، ولديها الجيش الاكبر في العالم وقوامه 2،3 مليون جندي، علما ان الولايات المتحدة تتهم الصين بأن انفاقها العسكري الحقيقي يفوق الرقم المعلن بكثير. (2)

قامت الصين بتوظيف قدرتها العسكرية لتعزيز هيمنتها العسكرية الاقليمية خصوصا في بحرها الجنوبي والشرقي، وأبدت جرأة متزايدة في تحدي الوجود الامريكي في محيطها، كما قامت بتوظيف قضية كوريا الشمالية في هذا السياق، اذ ان احد العوامل التي تدفعها لأسناد النظام الكوري الشمالي هو حرصها على ابقاء القوات الامريكية الموجودة في كوريا الجنوبية بعيدة عن حدود الصين. (3)

من العناصر الحاسمة في الاستراتيجيات العسكرية لكلا البلدين هو (الذكاء الاصطناعي )، حيث تهدف الصين الى تحقيق ذكاء جيشها والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملية صنع القرار وتحسين الانظمة المستقلة، وتعزيز قدرات القيادة والسيطرة. يشكل هذا الهدف جزءا من طموح الصين الاوسع لتصبح قوة عسكرية عالمية المستوى، اما الولايات المحتدة فقد ركزت هي الاخرى على دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية ولكنها واجهت تحديات، مثل مقاومة شركات التكنولوجيا الكبرى للانخراط في مشاريع الذكاء الاصطناعي العسكرية. وتتناقض هذه المقاومة مع التكامل السلس الذي حققته الصين بين جهود الحكومة والقطاع الخاص. (4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)محمد غازي، الصراع الامريكي الصيني واثره على النظام الدولي، ورقة تحليلية، مركز الجزيرة للدراسات ، 2020، ص10.

(2)المصدر نفسه، ص10.

(3)محمد غازي، مصدر سبق ذكره ،ص11.

(4)محمود البازي ، من الحروب التجارية الى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الامريكية- الصينية، عربي 21قضايا واراء ، 2024.

 تخطط الصين اليوم الى اعادة الديناميكية العسكرية في منطقة المحيط الهادي لكي تعكس مكانتها التقليدية، وهي تريد العودة الى موقع القيادة وان تحرر أمن تجارتها البحرية وخاصة في المنطقة التي تسميها البحار القريبة، اي المياه الساحلية التي تشمل البحار الصفراء وشرق وجنوب الصين وتعتبر قاعدة يالونغ البحرية في هاينان جزءا من الاستراتيجية التي بدأت الصين في وضعها للسيطرة على البحار القريبة، مما دفع البحرية الامريكية للانطلاق غرب المحيط الهادئ. فما تقوم به الصين يشكل تحديا عميقا لقيادة الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها العمود الفقري للمعجزة الاقتصادية الاسيوية.(1)

تعد الخطط البحرية الصينية الجديدة تعبيرا عن انتقال السلطة على زعامة العالم، ومن خلال اضاف الوجود الامريكي في غرب اسيا تأمل الصين تدريجا في تقويض تحالفات امريكا مع الدول الاسيوية الاخرى، وخاصة كوريا الجنوبية والفلبين وربما اليابان، واذا ما تراجع نفوذ الولايات المتحدة، فستكون الصين في وضع يمكنها من تولي مكانة قيادية بهدوء في اسيا. (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الميادين ، حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، تاريخ الاطلاع 7/8/2025، متاح على الرابط الاتي:

https://www.almaydeen.net/butterfly-effect

(2)المصدر نفسه.

المبحث الثاني: انعكاسات التنافس الامريكي الصيني على منطقة (الشرق الاوسط)

المطلب الاول: انعكاسات التنافس الامريكي الصيني على قضايا منطقة (الشرق الاوسط)

 

ان المنافسة الحاضرة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين ستترك اثار لها على قضايا وازمات (الشرق الاوسط)، رغم ان النفوذ الصيني يعمل كموازن او معادل للنفوذ الامريكي في المنطقة. ان بكين ترددت في الانخراط في قضايا الامن الاقليمي في (الشرق الاوسط)، وذلك رغم حضورها وتواجدها الفاعل والمتزايد اقتصاديا ودبلوماسيا في المنطقة ففي وثائق السياسة التي تحدد نهج الصين في (الشرق الاوسط) بما في ذلك رؤى واجراءات 2015 بشأن البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير البحري، تمكنت الصيم من اقحام نفسها اقتصاديا ودبلوماسيا مع جميع الاطراف تقريبا في المنطقة دون ان تتحمل أي من الاعباء الامنية او الشروع في أي من المغامرات الامنية التي هي ميزة تتميز بها الولايات المتحدة في المنطقة. ان التنافس بين بكين وواشنطن يمكن ان يجرهما الى مشاركة اكبر في شؤون (الشرق الاوسط) دون ان يكون لأي منهما خيار، انطلاقا من زيادة استثماراتهما والتزاماتهما لمواجهة النفوذ الاقليمي للطرف الاخر. ونظرا للتردد الحالي لكل من الحكومتين الامريكية والصينية في الخوض في النزاعات الاقليمية المعقدة، يبدو من الارجح ان المنافسة العالمية من شأنها اثارة المنافسة الاقليمية، بدلا من العكس وبالنسبة لكليهما فقد تكون قضايا الامن في (الشرق الاوسط) ساحة جيوسياسية يتم اللجوء اليها كملاذ اخير، ولكن في منافسة اوسع حيث يمكن للبلدين البحث عن الفرص اينما يمكن العثور عليها. (1)

ان الصين لن توقف نمو علاقاتها الاقتصادية مع دول (الشرق الاوسط)، وستعمل على استكمال مشاريعها العملاقة التي تربط اقتصادات دولة باقتصاد بكين المتنامي بصورة كبيرة، واهمها مشروع الحزام والطريق، الذي سيحول بكين عاجلا ام اجلا الى قوة اكثر تأثيرا في السياسيات الاقليمية والعالمية. (2)

بموجب موقعه الاستراتيجي وما يذخر به من موارد الطاقة، يحظى (الشرق الاوسط) باهتمام جم لدى القوة الدولية كافة على الرغم من اختلاف رؤاها وايديولوجياتها السياسية. وان تحسب الخبراء لتشكل قطبي جديد يغير البيئة الدولية بصعود الصين كقوة اقتصادية عملاقة، فأن (الشرق الاوسط) سيكون احد المناطق المتأثرة بالتطورات المصاحبة، سلبية كانت ام ايجابية لتحول المنطقة من احادية ثابتة الى قطبية ثنائية او متعددة. (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)قيصر فرحان حسن، مستقبل منطقة الشرق الاوسط في ضوء التنافس الامريكي الصيني، مجلة العلوم الانسانية والطبيعية، المجلد5،العدد7، 2024، ص4.

(2)محمد بن صقر السلمي، التنافس الامريكي الصيني وانعكاساته على منطقة الشرق الاوسط ، المعهد الدولي للدراسات الايرانية ، 2021، ص12.

(3))محمد بن صقر السلمي، مصدر سبق ذكره ، ص13.

لهذا فأن منطقة (الشرق الاوسط) ستشهد خلال المرحلة المقبلة تنافسا كبيرا وستتأثر بهذا الصراع بشدة، نظرا للواقع المعقد وصراعاته الممتدة التي تسمح بالتدخل الخارجي، بجانب تشابك الحضور الامريكي الصيني وشدة تنافسيته، ناهيك عن كونه يمثل ساحة مواجهة خارج المجالات الحيوية لواشنطن وبيكين وحديقة خلفية للصراع الدولي. (1)

ان المنافسة بين الولايات المتحدة والصين اصبحت العنوان الابرز للقرن الحادي والعشرين والشاغل الاساسي لصناع القرار في كلا البلدين، فقد شهدت الصين نموا سريع في قوتها الوطنية ونفوذها الدولي، بعد ان اصبحت ثاني اكبر اقتصاد في العالم حيث فرض هذا الامر على واشنطن الى ضرورة مراجعة سياستها، والتأكد من ان صعود الصين وصل الى نقطة تحول وبالفعل بدأت امريكا في التحول في سياستها من الشراكة الى المنافسة الاستراتيجية، وذلك لأقناع الصين بعدم السعي نحو تهديد طبيعة النظام الدولي القائم والمكانة الامريكية.(2)

على الرغم من استفادة دول المنطقة من حدة التنافس بين الطرفين لتحقيق مصالح نفعية، لكن هذا الامر قد ينعكس سلبا عليها، اذ تصاعد التوتر بين الطرفين الامريكي والصيني مما يؤدي الى اجبار دول (الشرق الاوسط) الى الانضمام لاحد المعسكرين ودخول المنطقة في حرب باردة بين الطرفين قد تكون طويلة الامد، بالتالي سيولد هذا الامر ضغط يقع على عاتق الدول التي ستكون حليفة لاحد الطرفين، وبذلك قد تكون هذه الدول امام خسارة احدى الميزتين، اما الشراكة الامنية مع الولايات المتحدة، او الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجية مع الصين. (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)المصدر نفسه ، ص13. 

 (2) فاطمة الصمادي، ايران والصين معاهدة ال 25 عاما : هل تتحول العلاقات الى شراكة استراتيجية عميقة، مركز الجزيرة للدراسات، 2020، ص12.

(3)سيف نايف ودعاء ضياء ابراهيم، الحضور الصيني في الشرق الاوسط واثره على الوجود الامريكي، مجلة الشرق الاوسط للدراسات القانونية والفقهية، المجلد4، العدد2، 2024، ص162.

المطلب الثاني: مستقبل منطقة الشرق الاوسط  في ضوء التنافس الامريكي الصيني

ان السياسات المنتهجة في (الشرق الاوسط) تعد سياسات معقدة، حيث تعتمد على عوامل جيوسياسية امنية واقتصادية، اذ تستخدم الولايات المتحدة الامريكية الضغوط الامنية وتواجدها العسكري كوسيلة لتحقيق مكاسب اقتصادية، بينما تقدم الصين نفسها كخيار اقتصادي بديل للولايات المتحدة من خلال سياستها الحيادية وقوتها الاقتصادية، وتستخدم كلتا الدولتين استراتيجيات مختلفة لجذب الانتباه والتأثير في المنطقة. (1)

المواجهة ما بين الولايات المتحدة والصين في (الشرق الاوسط) ترجع لعد اسباب : (2)

اولا: الشرق الاوسط يعد منطقة ذات اهمية استراتيجية لكلا القوتين ولكن بطرق مختلفة الولايات المتحدة تركز على الامن وحرية الملاحة ، بينما الصين تركز على التعاون الاقتصادي والطاقة.

ثانيا: الصين تتبع سياسة لاعب مركزي في (الشرق الاوسط) حيث تسعى لتعزيز علاقاتها الثنائية مع دول المنطقة بغض النظر عن صراعاتها البينية او ارتباطاتها بالسياسات الامريكية هذا يشمل الاقتراب من القضية الفلسطينية وتشكيل نوع من القطبية الثنائية مع روسيا في وجه الولايات المتحدة.

ثالثا: هناك تحول  في سياسات الولايات المتحدة نحو التركيز على المنافسة الاستراتيجية بين الدول بدلا من الارهاب كشاغل رئيسي للأمن القومي . ومع ذلك تشترك الولايات المتحدة والصين في مصالح مشتركة في (الشرق الاوسط)، مثل الحاجة الى الطاقة ومكافحة الارهاب والتي قد تصبح مصدر تخفيف للتوترات الثنائية.

ان الشرق الاوسط مليء بالعديد من المشاكل ولا يستطع تحمل حلقة مفرغة اخرى من التنافس بين القوى العظمى في الواقع، وبينما تسعى الصين بشكل جوهري الى تحقيق المصالح الجيو-اقتصادية في مجال التجارة، والاستثمار، والطاقة، فأن الولايات المتحدة تحافظ على مصالحها الجيوسساسية في حماية القيادة الاقليمية واطلاق حملات مكافحة الارهاب والدفاع عن الحلفاء في (الشرق الاوسط).(3)

تقوم مقاربة الصين في جوهرها على انها ليست مضطرة ولا محتاجة الى تحمل وزر السياسية الامريكية في (الشرق الاوسط)، ويعزز ذلك الاعتقاد انه في حال اندلاع نزاع في المستقبل ستكون الصين قادرة على اعادة صوغ علاقاتها في مجال الطاقة والاقتصاد بما يجنبها اي تداعيات اقليمية.(4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)دعاء منعم ياسين، التنافس الاقتصادي الصيني – الامريكي في منطقة الشرق الاوسط، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد98، ص634.

(2)المصدر نفسه، ص635. 

(3) مركز الخليج للأبحاث، التنافس الاستراتيجي الصيني – الامريكي والشرق الاوسط: من حرب باردة الى حرب تكنولوجية، تاريخ الاطلاع 8/8/2025، متاح على الرابط الاتي:

https//share.google/puvQ6sz255xyGqHyp

(4) هيو لوفات، هل ستكون الهيمنة المقبلة على الشرق الاوسط للصين، مجلة الدراسات الفلسطينية،العدد122،2020،ص96.

ان التنافس الصيني الامريكي على( الشرق الاوسط )سيترك اثره على القضايا المطروحة والاشكالية في هذه المنطقة ولاسيما مع تنامي نفوذ الصين ودورها مما يشكل بديلا للولايات المتحدة الامريكية او اقله موازن لدورها في قضايا(الشرق الاوسط)، يجب على دول الشرق الاوسط تعزيز أمنها الداخلي وتماسكها ، ذلك ان التنافي الامريكي الصيني على المنطقة قد يقود الى افتعال واشعال العديد من الحروب والازمات عبر الوكلاء دون المواجهة المباشرة، اذ لابد لدول (الشرق الاوسط) ان تعمل على ايجاد نظام اقليمي فاعل يقوم على التعاون والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وذلك لتستطيع مواجهة التحديات والتهديدات بكفاءة وفعالية.(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • قصير فرحان حسن، مصدر سبق ذكره،ص20.

الخاتمة

يمكن القول ان التنافس الامريكي الصيني ليس مجرد صراع تقليدي بين قوتين، بل هو صراع هيكلي قائم على قيادة النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين. اذ تسعى الصين الى تقديم نموذج بديل للنظام الليبرالي الامريكي، بينما تحاول الولايات المتحدة الامريكية الحفاظ على مكانتها من خلال اعادة بناء التحالفات، وضبط قواعد التفاعل الدولي.

ومن المتوقع ان يستمر التنافس ما بين الصين وامريكا على المدى الطويل، مع احتمالية تصاعده في بعض المناطق، دون الوصول الى صراع عسكري مباشر بفضل الردع المتبادل والمصالح الاقتصادية المتشابكة.

ان مسار هذا التنافس سيظل مؤثرا على الاستقرار العالمي وقد يحمل في طياته فرصا للتعاون في بعض المجالات المشتركة، لكنه ايضا ينذر بمخاطر التصعيد والصدام ، وفي ظل هذا المشهد تبدو القوى الاقليمية ومنها الدول العربية مطالبة بأتباع سياسات متوازنة ومرنة تتيح لها الاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا الصراع، مع تنجب الانزلاق الى تبعاته السلبية.

ان التنافس الامريكي الصيني سيبقى في المستقبل مفتوحا امام عدة سيناريوهات، تتراوح بين التعايش الاستراتيجي والصدام المباشر ما يجعل دراسة هذا الموضوع ومتابعة تطوراته امرا حيويا لصانعي القرار والباحثين على حد سواء.

المصادر

اولا: الدوريات:

  1. بدر صايم، التنافس الامريكي الصيني وتداعياته على النظام الدولي، مجلة حمورابي، العدد50، 2024.

  2. دعاء منعم ياسين، التنافس الاقتصادي الصيني – الامريكي في منطقة الشرق الاوسط، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد98.

  3. سيف نايف ودعاء ضياء ابراهيم، الحضور الصيني في الشرق الاوسط واثره على الوجود الامريكي، مجلة الشرق الاوسط للدراسات القانونية والفقهية، المجلد4، العدد 2،2024

  4. فاطمة الصمادي، ايران والصين ومعاهدة ال 25 عاما: هل تتحول العلاقات الى شراكة استراتيجية عميقة، مركز الجزيرة للدراسات، 2020.

  5. قصير فرحان حسن، مستقبل منطقة الشرق الاوسط في ضوء التنافس الامريكي الصيني، مجلة العلوم الانسانية والطبيعية، المجلد 5، العدد7، 2024.

  6. محمود زكي، تحولات السياسة الخارجية الصينية: من الدبلوماسية التقليدية الى الصعود السلمي، مجلة الدراسات التجارية والادارية، المجلد6، العدد2، 2025

  7. محمود البازي، من الحروب التجارية الى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الامريكية- الصينية، عربي 21قضايا واراء، 2024.

  8. محمد غازي، الصراع الامريكي الصيني واثرة على النظام الدولي، مركز الجزيرة للدراسات،2020

  9. محمد بن صقر السلمي، التنافس الامريكي الصيني وانعكاساته على منطقة الشرق الاوسط، المعهد الدولي للدراسات الايرانية، 2021.

  10. هيو لوفات، هل ستكون الهيمنة المقبلة على الشرق الاوسط للصين، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد122، 2020.

ثانيا: المواقع الألتكرونية:-

  1. مركز الحضارة للدراسات والبحوث، الحروب التجارية الامريكية- الصينية والتنافس على الهيمنة الاقتصادية، تاريخ الاطلاع 6/8/2025، متاح على الرابط الاتي: https//com

  2. الميادين، حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، تاريخ الاطلاع 7/8/2025، متاح على الابط الاتي:

https//www.almaydeen.net/butterfly-effect

  1. مركز الخليج للأبحاث، التنافس الاستراتيجي الصيني – الامريكي والشرق الاوسط: من حرب باردة الى حرب تكنولوجية، تاريخ الاطلاع 8/8/2025، متاح على الرابط الاتي:

https//share.google/puvQ6sz255xyGqHyp

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى