الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

مشروع حزب الجمهورية الديمقراطية: مبادرة أوجالان الجديدة وتحول المشهد الكردي-اليساري في تركيا

بقلم: الباحث بختيار أحمد صالح

المقدمة

أثار الحديث عن دعوة عبد الله أوجالان – الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني والمعتقل في سجن إيمرالی منذ عام 1999 – لتأسيس حزب سياسي جديد بالتعاون مع حزب العمال التركي (TİP)  تحت اسم حزب الجمهورية الديمقراطية، اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. هذه المبادرة، التي تأتي في مرحلة مفصلية من التحولات الجيوسياسية الإقليمية والانقسامات داخل المعارضة التركية، قد تعيد رسم حدود العلاقة بين القضية الكردية، والحركات اليسارية، والدولة التركية. تهدف هذه الورقة البحثية تحليل أبعاد هذا المشروع سياسياً وفكرياً، وقراءة تداعياته المحتملة على موازين القوى داخل تركيا، ومستقبل الحركة الكردية، وخريطة المعارضة.

 

الخلفية النظرية والفكرية للمبادرة

  • من دولة كردية إلى جمهورية ديمقراطية: منذ منتصف الألفية الثانية، بدأ أوجالان يبتعد تدريجياً عن مفهوم الدولة القومية الكردية لصالح نظريات مثل الأمة الديمقراطية والكونفدرالية الديمقراطية، التي تركز على الديمقراطية المباشرة، الإدارة الذاتية، والمشاركة الشعبية، كبديل عن السيادة القومية. هذه المفاهيم أصبحت الإطار الأيديولوجي للإدارة الذاتية شمال سوريا (روجآفا)، ويمكن اعتبار المبادرة الجديدة جزءًا من السعي لترجمتها داخل تركيا.

  • السوسيولوجيا الجديدة للحركة الكردية: أجيال جديدة من الكرد في تركيا، خاصةً في المناطق الحضرية، بدأت تنظر إلى القضية من منطلقات مدنية ومواطنة، لا فقط من منظور الهوية القومية أو الكفاح المسلح. حزب جديد بمرجعية يسارية شاملة يمكن أن يشكل منصة جامعة لهؤلاء.

البنية التنظيمية المقترحة للحزب الجديد

  • التحالف مع حزب العمال التركي TİP)): يبدو أن اختيار أوجالان لشريك يساري تركي غير كردي مثل TİP يشير إلى رغبته في تخطي الإطار الإثني نحو مشروع يساري شامل. حزب TİP يمتلك قاعدة حضرية ناشئة، وخطاب اشتراكي جذاب للطبقة العاملة والطلاب، ما يخلق تكاملًا ممكنًا مع القاعدة الكردية التقليدية وأركان باش، رئيس حزب العمال التركي (TİP)  ونائب عن إسطنبول، عمل في بداية حياته المهنية كمحرر لمجلة بحوث تاريخ العلوم وألقى محاضرات كأستاذ زائر في جامعتي إسطنبول التقنية ويلدز التقنية. بعد أحداث حركة غيزي 2013، عمل على إعادة تأسيس الحركة الاشتراكية، وكان من الشخصيات البارزة في عملية إعادة تأسيس TİP انتُخب نائبًا في البرلمان التركي في انتخابات 24 يونيو 2018، ويشغل حاليًا منصب رئيس الحزب. له مؤلف بعنوان الاشتراكية من أجل العيش.

  • اسم الحزب ودلالاته الرمزية: الجمهورية الديمقراطية هو اسم ذو طابع تأسيسي، يوحي بالرغبة في إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس تشاركية، وربما محاولة استعادة مفهوم الجمهورية من القومية الكمالية إلى نموذج ديمقراطي-اجتماعي أوسع.

  • أهمية الشراكة مع أوجالان: التحالف المحتمل بين أوجالان وTİP بقيادة أركان باش قد يحقق ما يلي:

توسيع القاعدة الانتخابية: الجمع بين التأييد الكردي التقليدي في جنوب شرق الأناضول والدعم اليساري في المدن الكبرى.

تغيير صورة أوجالان: تقديمه كزعيم سياسي يساري على المستوى الوطني، وليس فقط رمزًا قوميًا كرديًا.

تعزيز خطاب المساواة والعدالة الاجتماعية: بما ينسجم مع الخطاب السوسيال-ديمقراطي المزمع تبنيه في “حزب الجمهورية الديمقراطية”.

التداعيات السياسية المحتملة

  • على حزب العدالة و الشعوب الديمقراطي (DAM): تشكل هذه المبادرة تهديدًا مباشرًا لحزب العدالة و الشعوب الديمقراطي الذي يُعتبر الامتداد السياسي الأبرز لحركة أوجالان. نشوء حزب جديد بمباركة الزعيم التاريخي قد يؤدي إلى انقسام القاعدة الجماهيرية الكردية، أو إعادة توزيع الولاءات بين المحافظين والحداثيين داخلها.

  • على المعارضة التركية: إذا تمكن الحزب الجديد من جذب جزء من القاعدة الكردية وجزء من المعارضة اليسارية غير المنظمة، فقد يتحول إلى قوة توازن جديدة داخل البرلمان، ويغيّر شكل التحالفات في الانتخابات القادمة، خاصة إذا تحالف مع أحزاب أخرى.

  • إعادة دمج أوجالان في المشهد السياسي – حتى بشكل رمزي – قد تكون مبادرة تكتيكية من قبل الدولة أيضًا. ففي ظل الانهاك المزمن لـPKK، قد تستخدم أنقرة هذا الحزب الجديد كأداة لضرب الكفاح المسلح من الداخل عبر شرعنة بدائل سياسية.

السيناريوهات المتوقعة

السيناريو

الملامح

التأثير المحتمل

نجاح الحزب

تعبئة قاعدة كردية-يسارية واسعة، بناء خطاب جامع، تحالفات انتخابية ناجحة

تهديد DAM، تقوية المعارضة اليسارية

انقسام فاشل

مقاطعة من قبل كوادر PKK، رفض شعبي، تضييق حكومي

تفتيت المعارضة الكردية

توظيف أمني

إشراف خفي من الدولة، احتواء سياسي لاوجالان

ضرب PKK، شرذمة الحركة الكردية

الأبعاد الإقليمية والدولية

  • إقليم كردستان العراق: قد يُنظر إلى هذه المبادرة على أنها استكمال لفك الارتباط بين أوجالان ومنظومة قنديل، ما يضعف تأثير PKK في الإقليم.

  • شمال شرق سوريا (روجآفا): احتمال انعكاس هذا التوجه على PYD، وتحولات في الخطاب من حكم ذاتي إلى اندماج سياسي.

  • الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة: حزب جديد ينبذ العنف ويطالب بحقوق مدنية قد يُقبل كفاعل سياسي مشروع، خلافاً لـPKK المصنف إرهابياً.

الخاتمة

إن مبادرة عبد الله أوجالان، لا تعني فقط تأسيس حزب جديد، بل تدشين مرحلة جديدة في الحركة الكردية داخل تركيا: من خطاب قومي مسلح إلى مشروع سياسي مدني يتحدث بلغة الحقوق الاجتماعية والديمقراطية التشاركية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة يتوقف على ثلاثة عوامل:

  • مدى قبولها من الكوادر الكردية التقليدية.

  • درجة الانفتاح التركي الرسمي تجاه المشاركة السياسية الجديدة.

  • قدرتها على نسج تحالفات مجتمعية تتجاوز الهوية الإثنية.

المصادر

  1. أوجالان، عبد الله. (2005). الكونفدرالية الديمقراطية. المبادرة الدولية.

  2. واتس، نيكول ف. (2010). نشطاء في المناصب: السياسة الكردية والاحتجاج في تركيا. مطبعة جامعة واشنطن.

  3. غونَش، جِم. (2019). الحركة القومية الكردية في تركيا: من الاحتجاج إلى المقاومة. روتليدج.

  4. غونتر، مايكل م. (2020). الأكراد في تركيا: الماضي، الحاضر والمستقبل. بالغريف ماكميلان.

  5. الوثائق والبيانات الرسمية لحزب العمال التركي (2023–2025).

  6. أكاديمية الاستخبارات الوطنية. (2025). حرب 12 يوماً والدروس المستفادة لتركيا. أنقرة.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى