الاكثر قراءةترجماتغير مصنف
رسالة طهران التحذيرية إلى بكين تداعيات الضربة الأميركية على حسابات الصين تجاه تايوان

بقلم: غرانت روملي/ زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وكريغ سينغلتون/ زميل أول في شؤون الصين لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات
ترجمة: صفا مهدي عسكر
تحرير: د. عمار عباس الشاهين
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
لم تقتصر الحملة الجوية (الإسرائيلية)** على إضعاف القدرات النووية والصاروخية لإيران فحسب بل أجبرت كل الفاعلين الإقليميين على الكشف عن مواقفهم الحقيقية، (إسرائيل) راهنت بكل ثقلها الجوي فيما اتخذت العواصم الخليجية موقف الحياد الحذر وأظهرت واشنطن سيطرتها المطلقة على المشهد، أما بكين فاقتصر رد فعلها على بيانات إعلامية حيث بدا كتاب لعبها في (الشرق الأوسط) متواضعًا ومحدودًا إلى شعاراتٍ بلاغية دون أي تحركات فعلية، ومع انقشاع الغبار يكمن الدرس الأهم لبكين بعيدًا عن الخليج فقد أكّد الصدام القصير ما طالما بشّر به الاستراتيجيون الصينيون، أن القوة الصلبة هي التي تحسم نتائج النزاعات بين القوى الكبرى.
لكن تدخل الولايات المتحدة المفاجئ في صراع إيران – (إسرائيل) قد يُعقّد حسابات الصين في ملف تايوان، ففي أزمات مضيق تايوان قد يتصرف رئيس أمريكي غير متوقع مثل دونالد ترامب بسرعة وبقوة أكبر مما كان يُعتقد سابقًا من قبل المخططين الصينيين، وحتى رئيس يميل إلى ضبط النفس قد يعكس موقفه ويرد نيابة عن تايوان خصوصًا إذا صمدت الجزيرة أمام الهجوم الأولي الصيني ووجد الدعم الشعبي الأمريكي لها، بمعنى آخر ما لم تستطع الصين السيطرة على الجزيرة بضربة حاسمة وواضحة فقد يظل الرهان الأمريكي قائمًا.
هذا الأمر يجب أن يثير قلق الرئيس الصيني شي جين بينغ لكنه على الأرجح لن يفعل، إذ أن الثقة الزائدة دفعت قوى مراجعة النظام العالمي مثل روسيا في أوكرانيا وإيران في مجال الدفاع الجوي إلى اتخاذ رهانات خاطئة، وقد تواجه بكين المصير نفسه إذا استمرّت في تصديق خطابها العسكري المبالغ فيه.
أما بالنسبة لقادة الخليج فقد أكّدت الحرب التي دامت 12 يومًا أن الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الخارجي الوحيد القادر على إعادة تشكيل الواقع على الأرض، وقد نشأ تقارب بعض دول الخليج مع بكين جزئيًا من اعتقاد بأن واشنطن تفقد اهتمامها الإقليمي وتسعى إلى تقليص التزاماتها، استثمرت الصين هذا الشعور لتمهيد الطريق لمصالحة سعودية – إيرانية عام 2023، أعادت فتح السفارات وهدّأت الهجمات الوكيلة على منشآت النفط الخليجية، وقد قدمت بكين هذه الخطوة كدليل على دورها كوسيط محايد ومكسب مبكر لمبادرة الأمن العالمي التي تركز على السيادة وتتجنب الانتقادات الغربية بشأن الحقوق والإصلاح، وقد رمز هذا الاتفاق إلى بداية جهود بكين لتثبيت نفسها كلاعب أمني إقليمي بعد أن كان تركيزها الأول على التجارة ثم الدبلوماسية. لكن الأحداث الأخيرة كشفت هشاشة هذا الوعد فبينما تردد الخطابات الصينية المناهضة (لإسرائيل) بعد هجوم حماس في 7 تشرين الاول 2023 على الشوارع العربية فإن رهانات بكين الكبرى لم تتجاوز التصريحات الشكلية، فاستضافة الفصائل الفلسطينية المتناحرة لم تؤد إلى الوحدة ومبادرات السلام التي أعلنتها لم تحقق أي تسوية، وفي حين شنت إيران المتحالفة مع الحوثيين حملة على الملاحة في البحر الأحمر أواخر 2023، انتظرت العواصم الإقليمية أن تضغط بكين على طهران لكن الصين اكتفت بضمان مرور آمن لسفنها الخاصة بينما اضطر الآخرون إلى التحايل عبر إفريقيا بتكاليفهم الخاصة، والأسوأ من ذلك أن القوة البحرية الصينية الإقليمية في بعض الأحيان تجاهلت نداءات استغاثة لسفن غير صينية تحت نيران الحوثيين مما يعكس أن بكين تعمل لمصلحتها فقط وليس لأمن الممرات البحرية المشتركة.
تكشف هذه الحادثة أيضًا عن رهان بكين طويل الأمد على طهران، فقد اشترت الصين حوالي 90% من نفط إيران متجاوزة العقوبات عبر عمليات نقل متكررة ومصافي صغيرة متفرقة وغالبًا بأسعار مخفضة، في المقابل قدمت بكين غطاءً دبلوماسيًا لطهران وزوّدتها بمكونات للصواريخ والطائرات المسيّرة كما تثبت العقوبات الأمريكية الأخيرة، كان هذا الترتيب مفيدًا للطرفين بدرجات متفاوتة الصين حصلت على نفط رخيص ووجود معارض للولايات المتحدة بينما تلقت إيران دعمًا محدودًا يكفي لإبقاء الأمور قائمة، لكن الهجوم (الإسرائيلي) دمّر هذا الاتفاق وحوّل دبلوماسية بكين إلى صمت متفرج وكشف هشاشة شراكة قائمة على الخصومات وإنكار المسؤولية.
هنا يكمن جوهر المشكلة في شبكة علاقات بكين (بالشرق الأوسط) وتحالفها مع روسيا وإيران، فهي شراكات مؤقتة تقوم على مصالح مشتركة وغضب مشترك، لكنها في كثير من الأحيان تعاني من فجوات في القدرات والحذر السياسي.
فحين قصفت (إسرائيل) المواقع الإيرانية استنكرت الصين (إسرائيل) وطلبت من واشنطن ضبط حليفتها لكنها امتنع عن تزويد إيران بالطائرات المسيّرة والائتمان وقطع الغيار للصواريخ، والنتيجة تعزز الانطباع بأن بكين أكثر من تدلي ببيانات دون أن تلعب دورًا فعالًا، وأظهرت الحرب أيضًا أن تحالف بكين – روسيا – إيران يعاني من قصور في التنسيق اللوجستي والسياسي وعدم ثقة بين الشركاء، والدروس واضحة للخليج وحتى تايوان حين تُطلق الصواريخ تختفي المواقف الرنانة بين الصين وحلفائها بينما لا تزال الولايات المتحدة قادرة على التدخل.
هذا الظهور الضعيف للتحالف كان أكثر من إحراج سياسي لبكين إنه تحذير من أن أي تحرك عدائي ضد تايوان – وخاصة إذا كان ترامب في البيت الأبيض – قد يثير رد فعل أمريكي غير متوقع، فرغم ادعاء ترامب سعيه للسلام فإن حوادث إيران برهنت أنه لا يتردد في استخدام القوة عندما تمس هيبة الولايات المتحدة ومصالح حلفائها، فبمجرد اتخاذ القرار است mobilized أعلى القدرات الأمريكية في أيام، الدرس لبكين يجب أن يكون مزلزلًا حتى لو تردد المسؤولون الأمريكيون في البداية فإن ضغوط الكونغرس ووزارة الدفاع والرأي العام يمكن أن تجبر الرئيس المتردد على الانخراط في الصراع.
في الوقت نفسه يمكن لبكين أن تستخلص من الحرب درسًا أكثر صرامة القوة النارية والاستعداد هما مفتاح الانتصار، الطائرات F-35 التي اخترقت رادارات إيران والطيارون المدربون تدريبًا عسكريًا من قبل أمريكا وقوات الدعم الجوي التي تعيد تزويد الطائرات بالوقود في دقائق كلها عوامل حسمت المعركة، وهذا يعزز قناعتين رئيسيتين لدى بكين
أولًا: الخبرة القتالية أمر حاسم فقد حاصرت جيش التحرير الشعبي تايوان منذ 2022 بتدريبات حية وضربات تمثيلية لمبانٍ رئاسية، مطورة تكتيكاتها مع كل تدريب.
ثانيًا: الأسلحة المتقدمة تحدث فرقًا كبيرًا، فطائرات J-20 وصواريخ DF-17 والطائرات المسيّرة الصينية لا توازي قدرات المزيج الأمريكي – (الإسرائيلي) لكنها تتفوق بشكل كبير على أسطول تايوان القديم من F-16 و Mirage، وبكل تدريب جديد تضيق الصين الخناق ويتعمق الفارق النوعي في القدرات ما يدل على أن ميزان القوى يميل لصالحها في المواجهة المباشرة.
الخلاصة:
لبكين هي ضرورة الاختيار بين تعلم الدرس من التحفظ الإيراني وحدود دعم الحلفاء في الصراعات، أو المراهنة بشكل أكبر على السرعة والكمية، على أمل أن تحقق الكفاءة العسكرية والمفاجأة تفوقًا على مقاومة وتدخل أمريكي محتمل. وما يثير القلق هو أن الحوادث الأخيرة في الخليج كان يجب أن تكون بمثابة درس تواضع لبكين لكن الغرور يعمي القادة غالبًا عن الإشارات السلبية والتجارب في الخطوط الأمامية تُظهر أن القوى المراجعة تتورط في حروب لا تستطيع إنهاءها، قد تصر الصين على أن التطهير العسكري وحملات مكافحة الفساد والثغرات اللوجستية مؤقتة لكنها تتطابق مع الأنماط التي ظهرت في روسيا وإيران والثقة الزائدة غالبًا ما تؤدي إلى سوء تقدير، والخطر القادم هو أن تصبح تايوان هي الساحة التالية حيث يراهن حاكم استبدادي واثق من فرصه على كل شيء ليكتشف بعد فوات الأوان أنه قد أخطأ في حساباته.
* Grant Rumley and Craig Singleton, Tehran’s Wake Up Call for Beijing the sudden U.S. attack on Iran could complicate China’s Taiwan calculus, FOREIGN POLICY, July 31, 2025.
** لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.



