الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف
العشائر العربية السورية ومشروع التقسيم (الإسرائيلي): احداث السويداء نموذجًا

بقلم: الباحث نوار عبد الرزاق الحسن الثامر
منذ بداية الاحداث في سوريا عام ٢٠١١، برزت مجددًا بُنى تقليدية، وعلى رأسها العشائر، الى الواجهة كمكونات اجتماعية وسياسية لها حضور واسع في المشهد السوري، لا سيما في الشمال السوري، ومع تسارع الاحداث وجدت العشائر نفسها امام استحقاقات جديدة، من اهمها الانخراط في مجريات الواقع المفروض، والتصد للمسئولية.
وفي هذا السياق ظهرت محاولات خارجية كثيرة ومتعددة الوجوه لاستغلال الاحداث السورية لصالح اجندتها، ولصالح مشاريع تقسيمية، اتسمت بإثارة النعرات الطائفية، وتحويل كيانات محلية الى مجاميع وتشجيعها الى الانفصال الاداري والثقافي والسياسي، وفي مقدمة هي المشاريع مشروع التقسيم (الإسرائيلي)، الذي يهدف الى اضعاف الدول العربية المركزية، وذلك من خلال اعادة تشكيل خريطتها الاجتماعية والسياسية وحتى الديموغرافية.
تُعد احداث السويداء الاخيرة نموذجًا تطبيقيًا يمكن من خلاله قراءة دور العشائر السوريةـ العربية تحديدًاـ من هذا المشروع التقسيمي، وايضًا بروز المشروع الاسرائيلي وتوابعه جليًا بما لا يعد مجالًا للشك.
العشائر العربية السورية كقوة اجتماعية
تمتاز العشائر السورية بأنها مكون رئيس في المجتمع، وايضًا مكون عابر للمناطق والطوائف، فمن الشرق (دير الزور والرقة والحسكة)، الى الجنوب (درعا والسويداء)، مرورًا بالبادية السورية، وتشكل قبائل كبرى ذات امتدادات في العراق والاردن والخليج العربي، وقد كان لهذا الامتداد دور في تشكيل وعي عشائري وحدوي متجاوزًا للحدود، ومعبرًا عن الهُوية العربية الجامعة.
المشروع (الإسرائيلي) للتفكيك من خلال الهويات الصغرى
منذ عقود، والخطط (الإسرائيلية) “الفوضى الخلاقة” او خارطة (الشرق الأوسط) الجديد او “ممر داود” او (إسرائيل) الكبرى تُطرح علانيةً من خلال بيانات رسمية، او تصريحات لزعماء ووزراء، او مسؤولين عسكريين وامنيين، او من مراكز ابحاث ودراسات استراتيجية، وفيها تسعى (إسرائيل) الى تمزيق الدول العربية وتجزيتها الى دويلات صغيرة، او مكونات طائفية او اثنية او عشائرية، مما يؤدي الى اضعافها استراتيجيًا، وبالتالي تحويل محيط (إسرائيل) الى محيط لا يهدد امنها ووجودها، وعاجزًا عن المواجهة.
ويتضمن هذا المشروع ثلاثة محاور:
-
استغلال هشاشة الدولة، وتفكيك الانتماء للمركز، وذلك من خلال تأجيج النزاعات الداخلية.
-
نشر الفوضى الامنية والفراغ السياسي، وذلك من خلال دعم مليشيات او مجموعات لزعزعة الامن والاستقرار.
-
دعم قوى وكيانات انفصالية، وذلك تحت شعار حكم ذاتي وتمثيل محلي.
وقد اثبتت العديد من المراكز الامنية والاستراتيجية المتخصصة، بان (إسرائيل) تنظر الى سوريا كأولوية في هذا المشروع، نظرًا لموقعها الجيوسياسي، ولمكانتها التاريخية والحضارية.
احداث السويداء الاخيرة قراءة في النموذج العشائري
السويداء، ذات الاغلبية الدرزية، شهدت في السنوات الاخيرة تظاهرات كثيرة ذات طابع اجتماعي ـ معيشي، وتطورات بالفترة الاخيرة الى طابع سياسي، وتشكلت على اثر هذا التطور مجاميع مسلحة، وهنا استغلت (إسرائيل) هذا الوضع وهذا التطور، بأن توظف هذه الاحداث لصالحها ولصالح مشروعها التقسيمي في سوريا، وذلك من خلال محاولة عزل السويداء من سياق وحدة الارض السورية.
رغم أن الطابع العشائري في السويداء يختلف عن العشائر السنية في الشرق، فإن غالبية
“شيوخ العقل” و”القيادات الاجتماعية التقليدية”، قد ظلت تلعب الدور ذاته في التصدي لمن يريد الفوضى وعدم الاستقرار في السويداء ذاتها وسوريا ككل، ووقفت ضد مشاريع انفصالية قديمة مع قوى خارجية.
وفي هذا السياق، اظهرت (إسرائيل) مخططها التقسيمي، من خلال:
-
دعم الطائفة الدرزية في سوريا بحجة “حمايتها” مع محاولات تنسيق مباشرة عبر دروز الداخل الفلسطيني.
-
تسليح وتدريب بعض المجموعات المسلحة التي تكونت لضبط الامن في السويداء، على ان تكون خارج سيطرة الادارة السورية الجديدة، مما يخلق اضطرابات، كما حصل في احداث السويداء الاخيرة المؤلمة والمؤسفة.
-
اعلام موجه يرّوج لانفصال اداري وسياسي للسويداء، وتصويرها كمنطقة مستقلة وخاصة بالدروز، وذات مصالح مختلفة عن باقي مناطق سوريا الاخرى.
ورغم ذلك، فإن اغلب وجهاء العشائر البدوية من جهة، وشيوخ العقل وقيادات اجتماعية درزية من جهة اخرى رفضوا الانجرار وراء هذه المشاريع، واكدوا جميعهم في اجتماعات وبيانات كثيرة، أنهم مع وحدة سوريا، وأن ما يحصل شأن داخلي يمكن حله داخليًا وتحت اشراف الادارة السورية الجديدة، وأن الجميع مع الادارة الجديدة، واعلن كثير من الشيوخ العقل الدروز وقيادات اجتماعية، أنهم مع الادارة السورية، وأنهم ضد استخدامهم كورقة ضغط في المشروع (الإسرائيلي) او غيره.



