الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

التحوّل في تكتيكات الحوثيين يدعو إلى حلول خارج الأطر الغربية التقليدية

مع تصاعد استهداف الحوثيين للبحارة الهنود تبرز أمام البحرية الهندية فرصة لتعزيز حضورها والاضطلاع بدور أكثر فاعلية

بقلم: إليزابيث برو/ كاتبة عمود في مجلة فورين بوليسي وزميلة أولى في المجلس الأطلسي

ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ باحث في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

 

قذائف صاروخية أسراب من الزوارق حرائق متعمدة واحتجاز رهائن – بهذه الوسائل التصعيدية أعلن الحوثيون عودتهم العنيفة إلى الساحة البحرية بعد فترة من الهدوء النسبي في هجماتهم ضد السفن التجارية المرتبطة بالغرب في البحر الأحمر، لكن الهجمات الأخيرة جاءت أكثر عنفا  مما اعتاده العالم منذ تشرين الثاني 2023، حيث تحوّلت أهدافهم من البنية الملاحية إلى الطواقم البشرية نفسها ومعظم الضحايا من دول غربية، في ظل هذا التصعيد تبدو الفرصة سانحة أمام دولة غير غربية مثل الهند لتولي زمام المبادرة ووضع حد لهذا العنف المتزايد.

في السادس من تموز وأثناء إبحار سفينة الشحن ماجيك سيز (Magic Seas) عبر البحر الأحمر اصطدمت طاقمها بواقع مغاير تمامًا للاسم الذي تحمله، فعندما وصلت السفينة التي ترفع العلم الليبيري إلى المياه المقابلة لسواحل الحُديدة حاصرتها مجموعة من الزوارق الصغيرة المحملة بمسلحين حوثيين مدججين بالسلاح وبدأوا بإطلاق النار بكثافة، لم يتمكن فريق الحراسة الأمنية من التصدي للهجوم وفيما بدا وكأنه استعراض متعمد تسببت الهجمات في اندلاع النيران بالسفينة ما أجبر طاقمها المكوَّن من 22 فردًا على مغادرتها.

ورغم خطورة الموقف تمكّن طاقم ماجيك سيز من النجاة، إذ أنقذتهم سفينة تجارية أخرى كانت في المنطقة، أما الحوثيون فقد صعدوا على متن السفينة المنكوبة، ووثقوا بأنفسهم لحظات زرع المتفجرات فيها، ثم انسحبوا لمشاهدة السفينة وهي تغرق إلى قاع البحر.

وفي اليوم التالي استُهدفت سفينة أخرى، ففي السابع من تموز أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية (UKMTO) أن “سفينة تجارية تعرّضت لهجوم باستخدام قذائف صاروخية أُطلقت من زوارق صغيرة”، وكانت السفينة المستهدفة هي إيترنيتي سي (Eternity C) وهي ناقلة بضائع ترفع العلم الليبيري تمرّ عبر المنطقة نفسها، أطلق الحوثيون خمس قذائف مضادة للدروع واقتربت زوارق غير مأهولة من السفينة بسرعة بينما انهالت عليها صواريخ كروز وصواريخ باليستية، الهجوم استمر لساعات وأُجبر الطاقم في نهاية المطاف على إخلاء السفينة التي غرقت لاحقًا في مشهد وثقته عدسات الحوثيين.

وفي 14 تموز تم الإعلان عن وقف عمليات البحث عن المفقودين، وقد جرى إنقاذ ثمانية بحارة فلبينيين وحارسين أمنيين من المياه بينما اعتُبر سبعة بحارة فلبينيين آخرين إلى جانب بحّار روسي وحارس هندي في عداد القتلى، أما البحارة الستة المتبقون وجميعهم فلبينيون فقد احتُجزوا كرهائن لدى الحوثيين، ومن ناحية أخرى يواجه مالك إيترنيتي سي خسائر مالية ضخمة إذ لم تكن السفينة مؤمّنة ضد مخاطر الحرب قبل دخولها إلى مياه البحر الأحمر. وحول خطورة التصعيد الأخير قال نيل روبرتس السكرتير العام للجنة الحرب المشتركة التابعة لصناعة التأمين البحري “الهجمات التي شهدناها هذا الشهر أظهرت تنسيقًا جديدًا وعزمًا واضحًا، مع نية متعمدة لإغراق السفن”، في الواقع أطلق المسلحون الحوثيون تكتيكاتهم الجديدة في الوقت الذي بدأ فيه البحر الأحمر يبدو أكثر استقراراً، ويقول سايمون لوكوود رئيس قسم مالكي السفن في شركة التأمين ويليس “لقد تصرف الحوثيون بذكاء، ففي اللحظة التي بدأ فيها التهديد بالتراجع وشرعت كبرى شركات الشحن في مناقشة العودة إلى العبور عبر البحر الأحمر، جاء هذا التحول في التكتيك ليوقف كل ذلك”.

وقد كان لهذا التحول أثر فوري، إذ عمد معظم مالكي السفن المرتبطين بالغرب ممّن يتحلون بالحذر إلى تجنّب البحر الأحمر منذ البداية، مفضلين إعادة توجيه سفنهم حول رأس الرجاء الصالح رغم طول المسافة، أما الآن فقد بات هذا المسار البديل هو الخيار الوحيد المطروح أمامهم.

وأوضح نيل روبرتس من لجنة الحرب المشتركة المعنية بالتأمين البحري “شبكة أهداف الحوثيين تشمل أي شركة شحن زارت (إسرائيل)**، وهذا بحد ذاته تحذير واضح وسيُثني كثيرين عن العودة إلى قناة السويس، ومع ذلك هناك بعض الأعلام التي لا تستهدفها هجمات الحوثيين، وقلة من السفن ما زالت تغامر بالمرور”.

وباستثناء حوادث الإطلاق العرضية يمكن للسفن الروسية والصينية أن تتوقع المرور بأمان، لكن بالنسبة لمعظم السفن الأخرى فإن المغامرة بالعبور تُعدّ مقامرة قد تكلّف المزيد من الأرواح، لذلك ليس من المستغرب أن تلجأ أطقم السفن العابرة للبحر الأحمر إلى مخاطبة الحوثيين عبر الراديو لإبلاغهم بجنسياتهم في محاولة يائسة لحماية أنفسهم، وليس مفاجئًا كذلك أن تقوم الفلبين في 10 تموز بحظر دخول السفن التي يعمل على متنها بحارة فلبينيون إلى البحر الأحمر وخليج عدن، وبما أن الفلبين هي أكبر مصدر للبحارة في العالم فإن هذا القرار يعني أن عددًا أكبر من السفن سيضطر إلى تغيير مساره حتى أكثر مالكي السفن مغامرةً سيعيدون الآن التفكير في المرور عبر البحر الأحمر.

من جهتها حاولت الولايات المتحدة وقف الحوثيين من خلال اعتراض الصواريخ وتنفيذ ضربات جوية على أهداف حوثية داخل اليمن وكذلك فعلت بريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى المشاركة في التحالف العسكري بقيادة واشنطن، وتواصل البحريات الأوروبية وعملية “أسبيديس” التابعة للاتحاد الأوروبي حماية السفن التجارية في البحر الأحمر، ليس لأن السفن الأوروبية ما تزال تستخدم هذا المسار – إذ أن معظمها اتجه منذ فترة إلى طريق رأس الرجاء الصالح – بل لأن القيام بذلك يُعدّ “الشيء الصحيح” من وجهة نظرهم.

لكنّ كل ذلك لم يردع الحوثيين فهم يسعون إلى جذب اهتمام العالم وسيواصلون استهداف السفن والآن يستهدفون طواقمها أيضًا، هذا الواقع يجب أن يثير قلق الهند التي تُعد ثالث أكبر مصدر للبحارة في العالم بعد الفلبين وروسيا، كما أن الهند تمتلك واحدة من أكبر القوات البحرية وقد نالت مؤخرًا إشادة دولية على قيامها بإنقاذ بحارة مختطفين من قبل قراصنة صوماليين إلى جانب كونها قوة صاعدة في السياسة الدولية.

وهنا يظهر دور محتمل لـ نيودلهي في هذه الفوضى الدامية التي يشهدها البحر الأحمر، فمعظم السفن التجارية اليوم تضم على الأقل فردًا هنديًا في طاقمها، وعلى الرغم من أن الهند لم تتبع بعدُ خطى الفلبين في حظر دخول السفن ذات الأطقم الهندية إلى البحر الأحمر فإن اتخاذ مثل هذا القرار سيحمل رسالة قوية. بدلاً من ذلك يمكن للهند بأسطولها البحري الذي يضم نحو 130 قطعة بحرية أن تتخذ خطوات أكثر فاعلية، من ذلك مثلًا التعاون مع عملية “أسبيديس” ونشر بعض قطعها البحرية في البحر الأحمر، وقد عبّرت العملية الأوروبية بالفعل عن رغبتها في تعزيز التعاون مع البحرية الهندية في مجال مكافحة القرصنة ما يمهد الأرضية لشراكة عملية.

لو أن البحرية الهندية بدأت بمرافقة السفن التجارية بانتظام خلال عبورها للبحر الأحمر والدفاع عنها في وجه هجمات الحوثيين، فإن ذلك سيفقد الحوثيين ذريعة ادعائهم أنهم يقاتلون “الغرب”، وبما أن البحرية الهندية تنشط أصلًا في المناطق القريبة قبالة سواحل الصومال فإن توسيع عملياتها ليشمل البحر الأحمر سيكون خطوة منطقية، ولا تحتاج الهند لتشكيل تحالف مع الاتحاد الأوروبي أو أي تكتل جيوسياسي آخر للقيام بذلك، ففي ذروة أزمة القرصنة أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تعاونت دول من بريطانيا إلى الصين في تأمين المياه قبالة الصومال دون أي تحالف سياسي رسمي أو قيادة موحدة – وهو نموذج يمكن تكراره اليوم.

في الواقع سيكون التدخل في البحر الأحمر فرصة للهند لإبراز قدرات أسطولها البحري البعيد المدى وإثبات قدرتها على التعامل مع القضايا الأمنية الدولية المعقدة، وفي هذه الحالة ستكون نيودلهي بصدد معالجة أزمة فشلت حتى القوى العظمى في السيطرة عليها، صحيح أن وجود البحرية الهندية وحده لن يعيد البحر الأحمر إلى سابق عهده من الأمان، لكنه قد يجعله آمنًا بما يكفي كي لا يخشى البحارة على حياتهم.

وإن أقدم رئيس الوزراء ناريندرا مودي على اتخاذ هذه الخطوة، فسيكون ممتنًا له عدد كبير من الدول، وعدد أكبر من شركات الشحن، وعدد لا يُحصى من البحارة حول العالم.

* Elisabeth Braw, New Houthi Tactics Call for New, Non-Western Solutions, FOREIGN POLICY, July 21, 2025.

**  لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى