الاكثر قراءةتحليلات و آراء
صراع الحدود البحرية: العراق والكويت على ضفاف خور عبد الله

بقلم: الباحثة مريم عبدالكريم حكمت
المقدمة:
تُعد مسألة الحدود البحرية من أكثر الملفات تعقيداً و تشابكاً في العلاقات الدولية، خصوصًا عندما تتداخل المصالح الجغرافية مع اعتبارات السيادة والقرارات الأممية،يمثّل خور عبد الله أحد أبرز الملفات الحدودية الحساسة بين العراق والكويت، إذ يعد هذا الممر المائي شريانًا استراتيجياً حيويًا لكل من البلدين “المياه المشتركة” ، لاسيّما بالنسبة للعراق الذي يعتمد عليه للوصول إلى المياه الدولية عبر الخليج العربي، منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في عام 2012 وتصديقها في عام 2013، ظلّت الاتفاقية محلّ جدل داخل الأوساط العراقية، إذ يُنظر إليها من قبل بعض الأطراف على أنها تفريط بالسيادة، بينما تؤكد أطراف أخرى أنها خطوة قانونية لتنظيم العلاقات البحرية وفقًا للقرارات الدولية.
الخلفية القانونية والجغرافية “لخور عبد الله”
خورعبد الله هو ممر مائي يقع في أقصى شمال الخليج العربي، ويمتد بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية ، بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، صدر القرار الأممي المرقم 833 الذي أعاد ترسيم الحدود بين العراق والكويت، بما في ذلك الحدود البحرية، وفي عام 2012 وُقّعت اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله بين البلدين، والتي تم التصديق عليها في البرلمان العراقي عام 2013 ، الاتفاقية نصّت على تنظيم الملاحة المشتركة وفتح المجال لتطوير الموانئ بين كلا البلدين ، مثل ميناء “مبارك الكويتي” ، وميناء “الفاو العراقي” ، ورغم أنها تستند إلى إطار قانوني دولي ، إلا أن بعض الأصوات العراقية اعتبرتها مجحفة وتسببت بتقليص النفوذ البحري للعراق .
خلفية اتفاقية ١٩٩٣:
بعد غزو العراق للكويت عام 1990 وهزيمته، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 833 عام 1993، الذي رسم الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت، بما في ذلك “خورعبدالله” ، لم تُنَفّذ كافة تفاصيل الترسيم عمليًا حينها، خصوصًا ما يتعلق بتنظيم الملاحة والموانئ ، في هذا السياق، جاءت اتفاقية خورعبدالله عام 2012 كخطوة لترسيخ التعاون البحري والتنظيم الملاحي بين الدولتين ، التوقيع: تم في 29 أبريل 2012 بين وزيري خارجية العراق والكويت ، المصادقة : صادق عليها البرلمان العراقي في 22 أغسطس 2013 بالقانون المرقم 42 لسنة 2013،أودعت الاتفاقية في الأمم المتحدة، ما يجعلها جزءًا من القانون الدولي.
أبرز بنود اتفاقية ١٩٩٣
المادة (١) اعتماد الخط الحدودي النهائي بين العراق والكويت كما رسمته لجنة الأمم المتحدة. يشمل الحدود البرية والبحرية، بما فيها خور عبد الله.
المادة (٢) التأكيد على أن الترسيم لا يُعدّ تعديلًا إقليميًا، بل تثبيتًا للحدود القائمة في ضوء الاتفاقيات الدولية وخارطة 1932
المادة (٣) دعوة العراق والكويت لاحترام الحدود المعتمدة وعدم القيام بأي أعمال عدائية أو انتهاكات
المادة (٤) إلزام العراق بقبول نتائج الترسيم دون قيد أو شرط، كجزء من شروط وقف إطلاق النار وفق القرار 68٧.
وجهات النظر العراقية المتباينة حول “خورعبدالله”
في الداخل العراقي، تتباين المواقف من الاتفاقية، فهناك من يرى أنها تمت في سياق ضغوط سياسية خارجية، وفي ظل ضعف السيادة العراقية بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، ما يجعل الاتفاقية غير عادلة من ناحية التوازن البحري، في المقابل يرى آخرون أن الاتفاقية جاءت لتثبيت وضع قانوني مستقر وتنظيم العلاقات البحرية على نحو ينسجم مع القانون الدولي، وتمنع التصعيد العسكري أو النزاع المستقبلي بين كلا الطرفين.
مؤخرًا، صوّت البرلمان العراقي على قرار بإلغاء المصادقة على الاتفاقية في خطوة أثارت الجدل القانوني والدبلوماسي، ما دفع مسؤولين قضائيين إلى التحذير من أن هذه الخطوة قد تؤثر على عشرات المعاهدات الدولية الأخرى وتضع العراق في موقف محرج دوليًا، واشتدَ التصعيد بعد بناء ميناء” مبارك الكبير” في الكويت، الكويت بدأت ببناء ميناء “مبارك الكبير” عام 2011 على جزيرة بوبيان، قرب خور عبد الله.
المشروع ضخم ويهدف إلى تحويل الكويت إلى مركز لوجستي إقليمي، ويتضمن أرصفة عميقة واتصال بالقطارات إلى الخليج وآسيا.
الاعتراض العراقي اعتبرت أطراف عراقية أن موقع الميناء يعرقل موانئ العراق (أم قصر تحديدًا) ويؤثر سلبًا على عمق الخور الملاحي. تم اتهام الكويت بأنها “تخنق” العراق بحرياً وتستفيد من الاتفاقية لتوسيع نفوذها الملاحي على حساب بغداد.
الموقف الكويتي وردود الفعل الإقليمية والدولية
من جانبها، تعتبر الكويت أن الاتفاقية تمّت وفق السياق والقانون الدولي ورضى الطرفين، وترى أن التراجع عنها يُهدد الاستقرار الحدودي الذي تحقق بعد عقود من التوتر، وقد عبّرت الحكومة الكويتية عن قلقها من المواقف العراقية الأخيرة، لكنها التزمت إلى حد بعيد الخطاب الدبلوماسي الحذر.
على الصعيد الإقليمي، تابعت دول الخليج والجهات الدولية هذا الملف باهتمام، خاصةً أن أي تصعيد أو خلاف حدودي جديد قد يُعيد التوتر إلى منطقة الخليج مرة أخرى ، التي تتسم أصلاً بحساسية جيوسياسية عالية ، الكويت تتمسك بالاتفاقية و تعتبرها تنظيم سريان الملاحة في خور عبدالله(٢٠١٢) اتفاقية شرعية و مُلزمة دولياً و قانونياً ، تستند بتوقيع و بإرادة كلا الطرفين ، و تمت المصادقة عليها من قبل البرلمان العراقي و الكويتي ، و أودعت رسمياً للأمم المتحدة ، و رفضت الكويت اعتراض الحكم العراقي على الاتفاقية ؛ حيث أعربت الكويت عن رفضها لقرار المحكمة الاتحادية العراقية معتبرةَ أنه (شأن داخلي عراقي لا يؤثر على الاتزام الدولي) .
اما بالنسبة لردود الفعل الدولية، فقد شدّدت الأمم المتحدة على أن الاتفاقية قانونية وملزمة لأنها؛ جاءت استنادًا إلى قرار مجلس الأمن، ودُعمت من اللجنة الأممية الخاصة بترسيم الحدود، أعربت عن القلق من تداعيات عدم احترام العراق لالتزاماته الدولية، اما الولايات المتحدة ودول غربية، واشنطن حذّرت من أن خرق الاتفاقيات الدولية يُضعف موقف العراق القانوني، وقد يضر بالاستثمارات والمساعدات، دول أوروبية دعت إلى استمرار التعاون الملاحي المشترك وعدم تأزيم الوضع في مياه الخليج.
الخاتمة
يبقى ملف خور عبد الله أحد أبرز التحديات التي تواجه العراق والكويت في علاقاتهما الثنائية، وبين التمسك بالسيادة من جهة، والحفاظ على الاتفاقات الدولية من جهة أخرى، تبدو الحاجة ملحّة لفتح حوار عقلاني يُراعي المصالح المشتركة ويضع حدًا للتفسيرات المتضاربة، خور عبد الله لا يُعتبر كويتياً بالكامل ولا قانونياً و لا دولياً، وانما يخضع لتنظيم واتفاقية مشتركة تنظم سير الملاحة بين كلا البلدين، خور عبد الله عراقي بالأصل وسيبقى عراقي وان كان مقسماً حسب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية.



