الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

الحرب الروسية الاوكرانية: تطورات المشهد وسيناريوهات المستقبل

بقلم: الباحثة عُلا عبدالله الوائلي

تثير التطورات المتسارعة في الحرب الروسية الأوكرانية تساؤلًا جوهريًا ومهمًا: هل يتجه العالم نحو حرب عالمية ثالثة، أم ستتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من عقد اتفاقيات سلام؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد من تحليل المشهد العسكري والسياسي تاريخيًا ومستقبليًا،

بالعودة إلى عقود مضت، نجد أن الحربين العالميتين الأولى والثانية نشأتا من أسباب توسعية واستعمارية بين أطراف متعددة، مؤيدة ومعارضة كانت الغلبة في النهاية للدول القوية، التي أعادت رسم خارطة نظام عالمي جديد،

واليوم، تصنف الحرب الروسية الأوكرانية ضمن الحروب ذات الدوافع التوسعية الجيوسياسية، حيث تسعى روسيا بوضوح لضم أوكرانيا، مما يثير مخاوف جدية لدى الدول المجاورة من اتساع نطاق الأهداف الروسية، تخشى الدول الأوروبية أن التاريخ يعيد نفسه، إذ عاشت أوروبا هذه الأسباب نفسها إبان الحرب العالمية الثانية، عندما سعى هتلر لبناء الإمبراطورية الألمانية ولم يكتف باحتلال بولندا، بل سعى لتوسيع دولته على حساب احتلال الدول الأوروبية الأخرى،

تعمل الدول الأوروبية حاليًا جاهدة للحد من أطماع روسيا، وصد تلك الأهداف بدعم اوكرانيا عسكريّاً، (حلف الناتو)، وزيادة الانفاق العسكريّ الاوربي للحلف تحت ضغط امريكي التي عدته الاخيرة أمراً ضروريا لمواجهه التوسع الروسي وكان الهدف الاساسي لأنشاء الحلف هو لمواجه السوفييت.

 

 معادلة الطاقة والعقوبات من يدفع الثمن الأكبر؟

تُلقي التطورات الأخيرة في الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها الكثيفة على المشهد الاقتصادي الجيوسياسي العالمي، خاصة مع تصاعد حدة التساؤلات حول مستقبل إمدادات الطاقة لأوروبا، لطالما كانت روسيا المصدر الرئيسي للغاز الذي تحتاجه الدول الأوروبية بشدة، لا سيما تلك التي تعتمد عليه بشكل مباشر مثل ألمانيا وفرنسا، لقد شهدت هذه الدول بالفعل شتاءً قاسيًا لا يرحم إثر انقطاع شبه كامل لإمدادات الغاز الروسي بفعل العقوبات، مما كشف عن هشاشة أمنها الطاقوي.

الآن، ومع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن مهلة 50 يومًا لروسيا لعقد اتفاقيات سلام، مهددة إياها بـ”أقسى العقوبات الاقتصادية” في حال عدم الامتثال، يبرز تساؤل يثير التفكير من هو المتضرر الأكبر من هذه العقوبات؟ هل هو الاقتصاد الروسي، أم اقتصادات أوروبا نفسها؟

الدول الاوروبية التي تعتمد  على الغاز الروسي، وبعضها أُجبر بالفعل على الدفع بالروبل الروسي لضمان استمرار تدفق الإمدادات الحيوية، بينما تعمل روسيا على ايجاد مخرج للعقوبات الاقتصادية  متمثلة بدفع الروبل الروسي بدل الدولار لأنقاذ اقتصادها و بعض الدول اجبرت بعدم الالتزام بالعقوبات لأنها تعتمد بشكل رئيسي على الغاز و النفط الروسي الدول التي تدعم روسيا في الوقت الحالي هي موضوع معقد ومتغير، لكن بشكل عام، يمكن القول أن هناك دولًا تعتبر حليفة لروسيا أو تشاركها مصالح مشتركة، بينما هناك دول أخرى تعارض سياسات روسيا وتدعم أوكرانيا في الصراع الحالي.

 

الدول التي تعتبر حليفة لروسيا أو تشاركها مصالح مشتركة:

الصين: تُعتبر الصين حليفًا قويًا لروسيا، حيث يتبادلان الدعم السياسي والاقتصادي، وتعاونان في العديد من المجالات،

بيلاروسيا: تُعد بيلاروسيا أقرب حليف لروسيا، وتدعمها بشكل كامل في صراعها مع أوكرانيا.

إيران: تُعتبر إيران حليفًا لروسيا في سوريا واليمن، وتتعاونان في العديد من القضايا الإقليمية.

دول أخرى في آسيا الوسطى: مثل كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، تربطها علاقات وثيقة مع روسيا في مجالات مختلفة،

دول أمريكا اللاتينية: مثل فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، تدعم هذه الدول روسيا في مواجهة العقوبات الغربية،

اما الدول العربية فضلت الحياد ودعم السلام وبعضها اتخذت دور الوساطة واجراء مفاوضات لأيجاد حل للصراع بدل من الانزلاق للحرب هي السعودية، قطر، الامارات، مصر، الأردن، سلطنة عمان.

 هذا الواقع يضع هذه الدول في مأزق، ففي ظل استمرار الحرب وإصرار روسيا على ضم أوكرانيا واستعادة ما تعتبره “أمجاد الاتحاد السوفيتي”، يبدو أن الأمور تتجه نحو مزيد من التعقيد،

بينما تتصاعد الضغوط لزيادة العقوبات على روسيا، تظل موسكو مصرة على تحقيق هدفها الوحيد، ضم أوكرانيا ورغم جولات المفاوضات المتكررة التي لم تُفض إلى أي طريق واضح لإنهاء الصراع، فإن إصرار روسيا على هذا الهدف المحوري يُبقي المنطقة والعالم في حالة من عدم اليقين، ويدفع باتجاه معادلة صعبة يواجه فيها الجميع تحديات اقتصادية وجيوسياسية غير مسبوقة.

 

من العقوبات إلى الفوضى: تحولات النظام العالمي وصدام المصالح

إن تصاعد حدة التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات ثانوية، لا على روسيا فحسب، بل على كل من يتعامل معها، يثير تساؤلات جدية حول مستقبل النظام العالمي، ففي عالم تتشابك فيه المصالح الاقتصادية وتترابط بشكل وثيق، وفي عصر بات الاقتصاد من أهم الجوانب التي قد تضعف أو تقوي الدول، فإن إصدار مثل هذه العقوبات الثانوية قد يدفع إلى تفكيك النظام العالمي الحالي القائم على هيمنة القطب الواحد.

تهدد هذه العقوبات بتأجيج الظروف الجيوسياسية والاقتصادية، مما قد يؤدي إلى إضعاف الهيمنة الأمريكية، فكل دولة تفضل مصلحتها العليا على أي شيء آخر، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، قد تضطر العديد من الدول إلى إعادة تقييم تحالفاتها وعلاقاتها التجارية، هذا التحول في الولاءات قد يفتح الباب أمام نظام دولي متعدد الأقطاب، حيث تتنافس القوى الكبرى وتتعاون في آن واحد، وتصبح روسيا لاعباً محورياً يكسر الهيمنة الأمريكية التي استمرت لعقود،

إن كثرة العقوبات المفروضة على روسيا، دون أن تؤدي إلى ردعها أو تغيير مسارها في الأزمة الأوكرانية، ربما يدفع الوضع نحو الفوضى، فالإصرار الروسي على تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها ضم أوكرانيا، يبقي المنطقة والعالم في حالة من عدم اليقين، وفي ظل هذا التصعيد المستمر، يلوح في الأفق شبح حرب عالمية ثالثة، حيث تختلف الحرب اليوم جذريًا عن سابقاتها، فالأسلحة الحديثة أكثر تطورًا وتدميرًا، والترسانات النووية تتزايد وتشكل تهديدًا وجوديًا. هذا السيناريو يشير إلى أن العالم يقف على مفترق طرق تاريخي، حيث يمكن أن تحدد نتيجة هذا الصراع شكل النظام العالمي لعقود قادمة، مع خطر كبير لاندلاع صراع شامل لا يُحمد عقباه.

 

السيناريوهات المحتملة للحرب

السيناريو الاول: انتصار روسي محتمل

مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد التقدم الروسي على الأرض، يتشكل مشهد معقد حول مستقبل الصراع وتداعياته الجيوسياسية، تشير القراءة الحالية للتطورات إلى احتمال متزايد لانتصار روسي، وهو ما يثير قلقًا عميقًا لدى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية،

تتسابق القوى الغربية حاليًا للتوصل إلى اتفاق يجنب روسيا تحقيق انتصار كامل في أوكرانيا. فالانتصار الروسي لا يُنظر إليه فقط على أنه مجرد إنهاء للحرب، بل كإشارة محتملة لإعادة توسع روسيا، بدءًا بأوكرانيا وربما أبعد من ذلك. هذا التوسع المحتمل يهدد بتغيير جذري في موازين القوى الإقليمية والدولية،

الأخطر من ذلك، أن انتصار روسيا في هذه الحرب قد يُفسر على أنه نهاية لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي، فعدم قدرة واشنطن على إنهاء الصراعات الكبرى أو التوصل إلى تسويات سياسية مرضية يُمكن أن يُقلل من مصداقيتها كقوة عالمية رائدة، ويفتح الباب أمام نظام دولي متعدد الأقطاب بشكل أكبر،

لذلك، فإن الفترة القادمة ستشهد على الأرجح جهودًا دبلوماسية مكثفة ومحاولات لإيجاد حلول تُرضي جميع الأطراف، أو على الأقل تُجنب السيناريو الذي تخشاه القوى الغربية، تبقى أوكرانيا في قلب هذا الصراع، ومستقبلها سيحدد إلى حد كبير شكل النظام العالمي للسنوات القادمة.

السيناريو الثاني “الصدام الكبير: إعادة رسم ملامح النظام العالمي

مع استمرار الصراع الروسي الأوكراني، يتصاعد القلق من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة عالمية شاملة، تُعيد تشكيل الخارطة الجيوسياسية برمتها، يرتكز هذا السيناريو على تشكل محورين دوليين متنافسين، حيث تبرز روسيا في قيادة محور يضم حلفاء مثل الصين، كوريا الشمالية، وإيران، بالإضافة إلى تركيا التي أظهرت تقاربًا، وربما دول أخرى قد تعلن وقوفها مع هذا المعسكر لاحقًا. في المقابل، يقف محور داعم لـأوكرانيا، تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وتدعمه قوى أوروبية كبرى مثل ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، وفرنسا، بالإضافة إلى الدول المجاورة لروسيا التي تشعر بالتهديد.

 

مسارات الصراع المحتملة:

  • انتصار روسي وتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب: في هذا المسار، تتمكن روسيا وحلفاؤها من فرض رؤيتهم، مما يؤدي إلى إعادة رسم النظام العالمي ليصبح متعدد الأقطاب، هذا النظام الجديد سيشهد توازنًا في القوى، حيث تتنافس القوى الكبرى وتتعاون في آن واحد، روسيا ستكون لاعبًا محوريًا في هذا النظام، مما يكسر الهيمنة الأمريكية التي استمرت لعقود.

  • انتصار أوكراني وردع روسي: على النقيض، إذا نجحت أوكرانيا بدعم حلفائها في ردع روسيا، فإن ذلك سيعزز مبدأ سيادة الدول ويُثبت أن محاولات احتلال الدول المستقلة ستواجه مقاومة حاسمة. هذا السيناريو سيُقلص من طموحات التوسع الروسي، ويُعيد تأكيد مكانة القانون الدولي.

 

شبح الحرب العالمية الثالثة والخطر النووي:

في خضم هذه الديناميكية، يلوح في الأفق شبح حرب عالمية ثالثة. فالحرب اليوم تختلف جذريًا عن سابقاتها، الأسلحة الحديثة أكثر تطورًا وتدميرًا، كما أن الترسانات النووية تتزايد وتُشكل تهديدًا وجوديًا، الدول المنخرطة في هذا الصراع قد تتجه إلى الردع النووي كخيار أخير، أو قد تُقدم على استخدامه بالفعل، لتاريخ يحمل في طياته دروسًا قاسية حول استخدام الأسلحة النووية، وبعض الدول الأوروبية لديها سجل في هذا الجانب، هذا التهديد النووي يُلقي بظلاله القاتمة على أي تصعيد محتمل، مما يجعل من سيناريو اتفاق السلام أمرًا بعيد الاحتمال في ظل عدم استعداد روسيا للتنازل عن أوكرانيا.

هذا السيناريو يُشير إلى أننا نقف على مفترق طرق تاريخي، حيث يمكن أن تُحدد نتيجة هذا الصراع شكل النظام العالمي لعقود قادمة، مع خطر كبير لاندلاع صراع شامل لا يُحمد عقباه.

 

عقد اتفاقيات

مفاوضات السلام في أوكرانيا: هل يقبل الطرفان بالحلول الوسط؟

مع تصاعد حدة المشهد العسكري وتهديدات أمريكا زيادة العقوبات الاقتصادية، تبرز احتمالية أن تفضي المفاوضات والتهديدات الأمريكية إلى اتفاقيات سلام مشروطة، هذا السيناريو قد يمثل الحل الوحيد لإنهاء دوامة العنف، رغم مرارته للطرفين.

 

قبول روسي مشروط بالضم:

قد تكون روسيا مستعدة للقبول باتفاق سلام إذا تضمن ذلك الاعتراف الدولي بضم الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها حاليًا، هذا يشمل شبه جزيرة القرم ومناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا، بالنسبة لموسكو، هذا مطلب أساسي تعتبره “استعادة لأمجاد الاتحاد السوفيتي” وتأمينًا لحدودها، ولن تتنازل عنه بسهولة، أي اتفاق سلام لن يكون مجديًا في نظر الكرملين ما لم يؤمن هذه المكاسب الإقليمية.

 

 

شروط أوكرانية مقابل السلام:

في المقابل، قد تضطر أوكرانيا، تحت الضغط الدولي وواقع الوضع الميداني، إلى قبول هذه الشروط الروسية القاسية في سبيل وقف النزيف البشري والاقتصادي، هذا القبول لن يكون سهلاً، وسيُشكل تضحية كبرى بالسيادة الإقليمية، لكنه قد يكون السبيل الوحيد للحفاظ على ما تبقى من البلاد، والحصول على ضمانات أمنية مستقبلية، وربما الدعم لإعادة الإعمار، من المتوقع أن تشمل الشروط الأوكرانية لصفقة سلام:

* ضمانات أمنية دولية: تسعى أوكرانيا للحصول على تعهدات قوية من دول كبرى مثل الولايات المتحدة وحلف الناتو بتقديم الدعم العسكري والأمني في حال تعرضها لأي عدوان مستقبلي، حتى لو لم تنضم رسميًا إلى الناتو.

 * رفع العقوبات عن روسيا تدريجيًا: قد يكون جزءًا من الصفقة أن تلتزم الدول الغربية برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بشكل تدريجي مقابل التزام موسكو بشروط السلام،

 * المساعدات لإعادة الإعمار: ستحتاج أوكرانيا إلى تعهدات دولية ضخمة لإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة والمناطق المدمرة.

 

 

هل هذا هو الحل الممكن؟

هذه الحلول الوسط، وإن كانت صعبة على الطرفين، تبرز كواحدة من أبرز المسارات المحتملة في حال قبول الطرفين بمبدأ التسوية بدلاً من الإصرار على الانتصار الكامل، إنها عملية مؤلمة تتطلب تنازلات كبيرة، ولكنها قد تكون الثمن الوحيد لإنهاء حرب مدمرة دفعت العالم نحو حافة الهاوية،

الخاتمة

في ضوء هذه السيناريوهات المتشابكة، يبقى مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية معلقًا بين هاوية الصدام الشامل وأمل السلام المشروط، فالمشهد الجيوسياسي، بطبيعته المتقلبة، غالبًا ما يحمل في طياته ما هو غير متوقع، وبينما تلوح مخاطر التصعيد وحرب عالمية ثالثة قد تغير وجه التاريخ، تظل السياسة فن الممكن، ولعل هذا هو ما يدفع الأطراف الفاعلة نحو البحث عن حلول دبلوماسية، حتى لو كانت مؤلمة، لإنهاء صراعٍ لا يهدد استقرار المنطقة فحسب، بل يزعزع أركان النظام العالمي بأسره، إن القدرة على التنازل وقبول التسويات، مهما كانت قاسية، قد تكون المفتاح الوحيد لتجنيب العالم فوضى لا تُحمد عقباها، وفتح صفحة جديدة مبنية على واقعية المصالح المشتركة لا أحلام التوسع التاريخية.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى