ترجمة: صفا مهدي عسكر/ مركز حمورابي البحوث والدراسات الاستراتيجية
تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
في شهر حزيران خططت الأمم المتحدة لعقد مؤتمر بشأن حل الدولتين للنزاع (الإسرائيلي)** الفلسطيني، وقد قادت فرنسا والسعودية هذه المبادرة وكان من المتوقع أن يتفق المجتمعون على الاعتراف بدولة فلسطينية والدعوة إلى إحياء عملية السلام، استنادًا على ما يبدو إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية عام 2002، والتي اقترحت تطبيع العلاقات بين الدول العربية و(إسرائيل) بعد قيام دولة فلسطينية.
(إسرائيل) أعربت مرارًا عن رفضها للمؤتمر بينما أبدت الولايات المتحدة فتورًا ملحوظًا تجاهه، وبحسب وكالة “رويترز” جاء في برقية أرسلتها وزارة الخارجية الأميركية في حزيران إلى السفارات الأميركية حول العالم “نحثّ الحكومات على عدم المشاركة في المؤتمر. تعارض الولايات المتحدة أي خطوات من شأنها أن تعترف من طرف واحد بدولة فلسطينية مفترضة لما تسببه من عوائق قانونية وسياسية كبيرة أمام حل النزاع وقد تُستخدم كوسيلة للضغط على (إسرائيل) في زمن الحرب مما يعني دعمًا لأعدائها”. أما إدارة ترامب فقد عبّرت عن رفض أعمق لفكرة المؤتمر فهي لا ترفض فقط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بل تعارض أيضًا إنشاؤها من الأساس، وقال مايك هاكابي السفير الأميركي لدى (إسرائيل) في مقابلة مع وكالة بلومبرغ “ما لم تحدث تغييرات ثقافية جوهرية فلا مجال لقيام مثل هذه الدولة” مضيفًا أنه لا يتوقع رؤية ذلك “في حياتنا”، واقترح أنه إذا قامت دولة فلسطينية فلا ينبغي أن تكون في الأراضي التي تحتلها (إسرائيل)، بل تُقام في “دولة إسلامية أخرى”.
وقبيل انطلاق المؤتمر بأيام قليلة شنّت (إسرائيل) سلسلة من الغارات الجوية على إيران ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 12 يومًا انخرطت فيها الولايات المتحدة لاحقًا، هذا التصعيد حجب الاهتمام الدولي عن المسألة الفلسطينية وجعل من المستحيل لوجستيًا المضي قدمًا في عقد المؤتمر الذي تقرر تأجيله، وفي مؤتمر صحفي أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن هذا التأجيل “لن يثنينا عن عزمنا على المضي قدمًا في تنفيذ حل الدولتين”، وأضاف “مهما كانت الظروف فقد أكدت التزامي بالاعتراف بدولة فلسطين”.
ماكرون ليس وحده، فمن المرجح أن يستمر الزخم الدولي نحو الاعتراف الواسع بدولة فلسطين في الأسابيع والأشهر المقبلة، سواء عُقد مؤتمر الأمم المتحدة أم لا، فإن قضية الاعتراف الدولي بفلسطين لن تتلاشى.
لكن الواقع على الأرض يبدو أقرب إلى ترسيخ حل الدولة الواحدة منه إلى إحياء حل الدولتين، فالحرب (الإسرائيلية) على غزة تمهّد الطريق لعودة السيطرة (الإسرائيلية) المباشرة على القطاع وربما استيطانه وطرد سكانه الفلسطينيين، أما في الضفة الغربية فقد صعّد المستوطنون (الإسرائيليون) بدعم من القوات الأمنية (الإسرائيلية) حملات عنف وترهيب تستهدف إفراغ المجتمعات الفلسطينية تمهيدًا لضمها رسميًا، المسؤولون (الإسرائيليون) وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبّروا صراحة عن عدم اهتمامهم بحل الدولتين وكان آخرها خلال زيارته إلى البيت الأبيض في أوائل تموز بدعوة من الرئيس ترامب، وتشير تقارير إعلامية متعددة إلى أن “صفقة ترامب الكبرى” – التي تربط إنهاء حرب غزة بتوسيع التطبيع بين (إسرائيل) والدول العربية – لا تشمل في مضمونها قيام دولة فلسطينية.
ومع ذلك فإن خيار الاعتراف بدولة فلسطينية لم يُستبعد كليًا، فتكلفة استمرار النزاع باتت مرتفعة ويبدو أن ترامب يشارك قادة الخليج رؤيتهم الإقليمية التي تركّز على الاستقرار، ويحتاج هؤلاء القادة إلى تحقيق بعض التقدم في الملف الفلسطيني لإقناع شعوبهم بشرعية التعاون الإقليمي. ومن منظور ترامب القائم على المعاملات فإن المعادلة بسيطة الولايات المتحدة تعطي و(إسرائيل) تأخذ ودول الخليج تدفع – بسخاء، لكن (إسرائيل) باتت عبئًا باهظ الكلفة فالحرب في غزة كلّفت واشنطن أكثر من 22 مليار دولار وأثقلت كاهل الجيش الأميركي ودفعت الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، كما أن الصدام مع الحوثيين في اليمن – الذين فرضوا حصارًا على السفن المتجهة إلى (إسرائيل) تضامنًا مع الفلسطينيين – استنزف قدرات البحرية الأميركية وأدى إلى استخدام ذخائر تتجاوز قيمتها المليار دولار مما دفع ترامب إلى التوصل إلى نوع من الهدنة مع الحوثيين من دون حتى التشاور مع (إسرائيل).
من الواضح أن ترامب يشعر بالضيق من الوضع القائم وكما كان الحال مع أسلافه فإن الخيار الأسهل المتاح أمامه قد يكون خطوة رمزية تعيد التأكيد على دعم حل الدولتين دون أن تحققه فعليًا، ومن المؤكد أن دول الخليج والأوروبيين والعديد من الأطراف الأخرى سيبلغونه أن وقف إطلاق النار في غزة – رغم ضرورته القصوى – لا يكفي، وحتى في حال تثبيت الهدنة فمن غير المرجح أن تنهي الحرب بصورة دائمة إذ بات كثير من (الإسرائيليين) المتشددين يدركون أن الجيش (الإسرائيلي) لن يتمكن من القضاء على حركة حماس، وبالتالي فإن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في ظل غياب تحوّل جذري في الرأي العام أو القيادة (الإسرائيلية) هو أن تضبط الولايات المتحدة جماح حكومة (إسرائيلية) توسعية تسلّحت بأسلحة أميركية مدمّرة.
في ضوء كل ما سبق لا ينبغي التقليل من أهمية الدفع نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، فإذا قامت مجموعة كبيرة من الدول بالاعتراف بفلسطين بشكل جماعي فسيكون ذلك رمزًا قويًا على تنامي الإحباط الدولي من تدمير (إسرائيل) لغزة ومن هيمنتها الشبيهة بنظام الفصل العنصري في الضفة الغربية، وسيجد كثيرون في العالم في هذا الاعتراف بديلاً عن المسار الحالي نحو الإبادة والضم، كما أن الاعتراف قد يسهم في إعادة تأطير النقاش حول النزاع (الإسرائيلي) – الفلسطيني ضمن قواعد القانون الدولي وقد يشكّل أداة لدرء التهديد بدمار غزة الكامل أو تهجير سكانها وهو ما لوّح به بعض وزراء الحكومة (الإسرائيلية)، كما أنه يمنح إدارة ترامب ورقة ضغط لدفع الأطراف نحو “الصفقة الكبرى” التي يسعى لإبرامها. ومع ذلك فإن الاعتراف القانوني بدولة فلسطين في ظل غياب تغيير ملموس على الأرض قد يكون فخًا، فلا ينبغي أن يكون الاعتراف هدفًا بحد ذاته، فإذا ما اتخذت العديد من الدول هذه الخطوة دون مواجهة الواقع المتصاعد للهيمنة (الإسرائيلية) على الأراضي المحتلة فقد يكون الاعتراف غير مجدٍ بل وضار، وإذا ما أصبح الاعتراف بديلاً عن الدفاع الحقيقي عن القانون الدولي وتجاهلًا للمعاناة الجوهرية للشعب الفلسطيني فسيمثّل ذلك في أحسن الأحوال مجرّد لفتة رمزية فارغة وفي أسوأها إهدارًا كارثيًا لرأس مال سياسي دولي نادر.
خطوة رمزية أم بداية تغيير جذري؟
يشكّل الدفع نحو الاعتراف بدولة فلسطين جزءًا من مسار سياسي طويل ومعقد، ففي عام 2012 منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة “دولة مراقبة غير عضو” وهي خطوة لم تُفضِ إلى استقلال فعلي أو سيادة حقيقية لكنها أتاحت للفلسطينيين الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وتوسيع نطاق تحركهم الدبلوماسي داخل منظومة الأمم المتحدة، وقد عزز هذا الاعتراف من منطق حل الدولتين وأعاد التأكيد على عدم شرعية السيطرة (الإسرائيلية) على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر العام الماضي حيث شددت على “وجوب إنهاء الوجود (الإسرائيلي) غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع وقت ممكن”. وفي سياق التدهور الكارثي الذي شهده قطاع غزة برزت الدعوات إلى الاعتراف بدولة فلسطين كخيار دولي متاح وضروري للرد على الانتهاكات المتواصلة، فمع تصاعد الغضب العالمي من الدمار والقتل الواسع في غزة باتت الضغوط تتزايد لاتخاذ خطوات دولية ملموسة، ومن شأن اعتراف أوروبي واسع النطاق بدولة فلسطين أن يشكّل ضربة دبلوماسية قوية (لإسرائيل) التي كثّفت حملاتها لإحباط الانتقادات الدولية وضمان استمرار الدعم الغربي لسياساتها، وإذا ما انضمت دول أوروبية وازنة إلى قائمة الدول المعترفة بفلسطين فذلك سيؤشر إلى تراجع جدار الحماية الدبلوماسية الذي لطالما اعتمدت عليه (إسرائيل) مما سيزيد من ارتهانها لدعم أميركي غير مضمون الاستقرار.
من جهة أخرى قد يُعدّ هذا الاعتراف إنجازًا سياسيًا مهمًا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فقبل هجوم حماس على (إسرائيل) في 7 تشرين الاول 2023 والحرب (الإسرائيلية) العنيفة التي تلته على غزة كان ابن سلمان يستعد لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) لكن الغضب الشعبي العربي الواسع دفعه إلى التراجع، وفي هذا السياق يمكن ربط الاعتراف الفلسطيني – وربما أيضًا التطبيع السعودي – بإحياء مبادرة السلام العربية لعام 2002 بما يمنح السعودية أولوية قيادية إقليمية في مواجهة منافسيها وخصوصًا الإمارات التي اختارت فصل المسار الفلسطيني عن تطبيعها الاستراتيجي مع (إسرائيل) عبر “اتفاقيات أبراهام” خلال إدارة ترامب السابقة.
ورغم أن أكثر من 130 دولة قد اعترفت سابقًا بفلسطين فإن موجة جديدة من الاعترافات قد تفتح الباب أمام تحوّل دولي أوسع، فأنصار هذا التوجه يرون أن اعترافًا دوليًا جماعيًا يمكن أن يعزز الضغط على (إسرائيل) لتبني حل الدولتين ويمنح دفعة سياسية جديدة للأصوات (الإسرائيلية) المؤيدة لإنهاء الاحتلال والتي همّشتها الحكومات اليمينية في السنوات الأخيرة، كذلك فإن هذا الاعتراف قد يوفر للفلسطينيين بريق أمل للخروج من المأزق الحالي ويحول موجات الغضب العارم تجاه غزة إلى خطوات سياسية عملية. بل إن البعض يرى فيه مدخلًا ممكنًا لانهيار الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو وشرارة لتغيير سياسي جوهري داخل (إسرائيل)، كما أن حجم التمويل الدولي المطلوب لإعادة إعمار غزة وأجزاء من الضفة الغربية، قد يكون أكثر قابلية للتعبئة إذا جاء في سياق مسار سياسي واضح المعالم يفضي إلى حل نهائي.
غير أن المراهنة على هذا السيناريو تتطلب قدرًا كبيرًا من التفاؤل، فمنذ سنوات طويلة لم يعد حل الدولتين يبدو قابلًا للتطبيق وقد تدهورت فرصه بشكل أكبر خلال الأشهر التسعة عشر الأخيرة، فالواقع الميداني في غزة والضفة الغربية يزداد تعقيدًا ويجعل من التقسيم الجغرافي والتعايش السلمي سيناريو بعيد المنال، ومن اللافت أن القليل من (الإسرائيليين) اليوم يختلفون مع ما صرّحت به السفيرة (الإسرائيلية) لدى المملكة المتحدة تسيبي هوتوفيلي حين أكدت مؤخرًا أن “حل الدولتين قد انتهى”. والواقع أن هذا التوصيف كان صحيحًا حتى قبل اندلاع حرب 2023، فقد أشار كاتبا هذا المقال مع اثنين من زملائهما في مقال سابق في فورين أفيرز إلى أن “جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن كانت منذ زمن طويل تحت سيطرة (إسرائيلية) موحدة تطبّق فيها أنظمة قانونية مزدوجة ويُعامل الفلسطينيون كطبقة دنيا بشكل دائم”، وقد جاءت الحرب الأخيرة لتعمّق هذا الواقع الشبيه بنظام الفصل العنصري في ظل المضي قدمًا نحو الاحتلال الدائم وربما الضم الفعلي، وبينما باتت غزة غير صالحة للحياة شهدت الضفة الغربية مزيدًا من التدمير والتهجير وتسارعًا في بناء المستوطنات.
في ظل هذه المعطيات قد يُنظر إلى الاعتراف بدولة فلسطين باعتباره خطوة رمزية أكثر من كونه تحركًا فعّالًا، فالدعوة إلى حل الدولتين أسهل بكثير من مواجهة واقع السيطرة (الإسرائيلية) المطلقة على الدولة الواحدة بحكم الأمر الواقع، كما أن إعلان وجود دولة فلسطينية أسهل من اتخاذ الخطوات الشاقة والمعقّدة اللازمة لتحقيقها فعليًا. ولتفادي أن يصبح الاعتراف مجرد لفتة شكلية لا بدّ من ربطه بخطوات عملية واضحة على الأرض تواكب الوضع القانوني الجديد لفلسطين، يجب أن يتضمّن الاعتراف مطالب ملموسة بتغيير السياسات (الإسرائيلية)، وتحديد كلفة استمرار الانتهاكات ووضع آليات لحماية المدنيين الفلسطينيين من المزيد من الانتهاكات بالإضافة إلى خطة لبناء مؤسسات حوكمة واقتصاد قابل للنهوض من بين الأنقاض التي خلّفتها الحرب.
ليس من المفاجئ أن تعارض إدارة ترامب مؤتمر الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بفلسطين، فترامب لا يبدو متأثرًا بنداءات القانون الدولي فقد أصدر مؤخرًا أمرًا تنفيذيًا بفرض عقوبات على أربعة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيقهم في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها (إسرائيل) في الأراضي الفلسطينية، وفي ما يتعلّق (بإسرائيل) لا يخرج ترامب كثيرًا عن نهج الرؤساء الأميركيين السابقين إذ لطالما اكتفت السياسة الأميركية عبر الإدارات المتعاقبة بتقديم دعم لفظي لحل الدولتين بينما فعلت كل ما بوسعها للحيلولة دون تطبيق القانون الدولي على النزاع (الإسرائيلي)–الفلسطيني. لكن اللحظة الراهنة ليست عادية لا في السياسة الأميركية ولا في النظام الدولي، فاستعداد ترامب لتحدي الأعراف وتجاوزه للخبراء وانجذابه نحو دول الخليج الغنية ونفوره الشخصي من بنيامين نتنياهو تدفع السياسة الأميركية نحو مسارات غير تقليدية، ورغم أن هجماته على المحكمة الجنائية الدولية وتصريحاته حول “إفراغ” غزة واستغلاله لمزاعم معاداة السامية لمهاجمة الجامعات الأميركية تعكس توجهًا يمينيًا تقليديًا مؤيدًا (لإسرائيل)، إلا أن سلوكه في (الشرق الأوسط) غالبًا ما يكون غير متوقع إذ فاجأ المراقبين – بل حتى أنصاره – حين رفع العقوبات عن حكومة سوريا الجديدة، وسعى إلى إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران.
وقد جعل اعتماد (إسرائيل) الكبير على الدعم الأميركي في حربها وتزايد عزلتها الدولية منها أكثر ارتهانًا لواشنطن من أي وقت مضى، وفي الوقت نفسه تتعارض سياسات (إسرائيل) الإقليمية مع التوجهات الأميركية في ملفات كإيران وسوريا كما تتراجع شعبيتها في أوساط الرأي العام الأميركي بما في ذلك بين الجمهوريين ممن هم دون سن الخمسين، وفي علاقاتها مع واشنطن تبدو (إسرائيل) اليوم أكثر هشاشة من أي وقت منذ نهاية الحرب الباردة حين أطلق الرئيس جورج بوش الأب مبادرة واسعة لتحقيق سلام شامل في (الشرق الأوسط). في هذا السياق تُتاح لترامب فرصة استثنائية لتغيير المعادلة، وقد أشار بالفعل إلى رغبته في إنهاء الحرب (الإسرائيلية) على غزة كما أنه يرى أن معالجة القضية الفلسطينية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمساعيه الدبلوماسية تجاه إيران وشراكاته الاستراتيجية مع دول الخليج، ولا تظهر عليه مؤشرات تدل على أنه يضع العلاقة مع (إسرائيل) في مرتبة “استثنائية” مقارنة بعلاقات الولايات المتحدة مع دول أخرى، كما أنه أحكم قبضته على عملية صنع القرار في البيت الأبيض وقلّص نفوذ البيروقراطية التقليدية التي كانت تميل إلى المحافظة على النهج السياسي ذاته، أما على الصعيد الداخلي فقد أظهرت سياساته المثيرة للجدل أنه غير مكترث بردود الفعل السياسية داخل الولايات المتحدة.
إن تبنّي ترامب لمبادرة عالمية جديدة للاعتراف بدولة فلسطين والعمل على ترجمة هذا الاعتراف إلى واقع ملموس على الأرض قد يكون من نوع التحولات الدراماتيكية التي لا يستطيع الإقدام عليها إلا زعيم يتحرر من الحسابات السياسية التقليدية ويتّسم بقدر كبير من المزاجية الشخصية، صحيح أن حدوث ذلك يبدو غير مرجّح كما أن الاعتراف وحده لن يكون كافيًا لكنه قد يشكّل المسار الأنجع أمام ترامب لعقد اتفاق نووي جديد مع إيران وتعزيز الشراكات الأميركية في الخليج وإثبات قدرته على تحقيق اختراق دبلوماسي طالما عجز عنه أسلافه في السياسة الخارجية.
* Marc Lynch and Shibley Telhami, The Promise and Peril of Recognizing Palestine Can a Two-State Solution Still Emerge from a One-State Reality? FOREIGN AFFAIRS, July 15, 2025.
** لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.