الاكثر قراءةتحليلات و آراءغير مصنف

الحروب السايبور-جية …. عندما يصبح الجندي مزيج بين الانسان والالة

بقلم: الباحث مقتدى عثمان علي

تشهد الاستراتيجية العسكرية تحولاً جذرياً يعطي طابع الذهول والدهشة وهذا ما بينت له الحروب والمواجهات المباشرة الأخيرة لكن نتحدث عن حروب تجمع بين البيولوجيا والتكنولوجيا هذا المزيج الهجين الذي لم نشاهده في ساحات الحروب بل في الخيال العلمي فقط ¸ اصبح على ارض الواقع ونطلق عليه بالحروب السايبورجية (cyborg warfare  ) وهذا واقعياً نتيجة التقدم التكنولوجي والاختلال في حتمية المعقول والتجارب المكثفة في مختبرات الدفاع العالمية للخروج من المراحل السابقة للتنافس الدولي من التبادل و الاعتمادية الاقتصادية، العولمة، الجيوش العسكرية الى التجييش الذكي بمنظومات عالية الدقة والتوجيه، برامج الذكاء الاصطناعي، الرقمنة في كافة المجالات، الاستعمار الرقمي، مما نخرج بنتيجة واحدة هي الدخول في عصر اللامعقول، هذا ما أشار اليه الكاتب إيهاب خليفة في كتابه ” مجتمع ما بعد المعلومات ”  هذا المقال يكشف لنا لأول مرة التفاصيل العلمية والأخلاقية لهذا النوع من الحروب ..

أصل المصطلح واشتقاقه

كلمة سايبورج هي اختصار للمصطلح الاغريقي سيبر- نيتيك أو كيبرنتيس أي بمعنى القائد، السيطرة، التحكم والتوجيه الالي وهي صيغة استخدمها العالم مانفريد كلاينز وناثان كلاين عام 1960  لوصف الكائن الحي المدمج بأنظمة ميكانيكية او الكترونية لتعزيز القدرة والحروب السايبورجية هي امتداد لهذا المفهوم، هي نمط جديد من الصراعات العسكرية التي تعتمد على جنود هجينين يجمعون بين البيولوجيا البشرية وتقنيات الذكاء الاصطناعي بالواجهات العصبية والأعضاء الاصطناعية، مما يصبح الجندي يمتلك أنظمة قتالية متكاملة تعمل في كافة بيئات وطبيعة الحروب من المعارك التقليدية الى الفضاء الخارجي، بمعنى اصبح يمتلك قدرات تفوق الحدود البشرية بمراحل …

  • الواجهات العصبية الحاسوبية تعتبر قنوات الادخال والإخراج للاشارات العصبية المسؤولة عن ربط الدماغ البشري بالأنظمة الالكترونية وخير مثال على ذلك هي شريحة “Neurlink” التي طورتها شركة ايلون ماسك لتتيح نقل البيانات بسرعة قياسية، تسمح للجندي التحكم بالأسلحة مثل الطيارات المسيرة بمجرد التفكير، التواصل الفوري مع الزملاء ومراكز القيادة والتحكم عبر شبكات عصبية لاسلكية.

  • الأعضاء الصناعية الحيوية مثل الأطراف الذكية المصنوعة من الالياف النانوية صاحبة المستشعرات الذكية التي تتميز بقدرات الإصلاح الذاتي وقوة تفوق العضلات البشرية بأضعاف خيالية، هذه الأطراف مزودة بمستشعرات حسية تمكنه من التأقلم السريع مع البيئة المحيطة بدقة متناهية.

  • أنظمة الدعم الحيوي مثل الرئات الصناعية التي تتيح التنفس في أراضي الاوكسجين المنخفض، الكبد (الذكي) الاصطناعي الذي ينقي الجسم من السموم تلقائيا ويبعد كافة المؤثرات الضارة، الحدس النانوي الذي يكشف التهديدات البيولوجية فوراً مما يقلل من عامل الخسارة البشرية والخروج بأفضل النتائج في المعارك مع الجيوش الغير النظامية وحروب البيئة الصعبة.

هذه التقنيات لم تأتي من العدم بل جاءت من تطور تاريخي كانت في السابق مجرد أدوات وأفكار مقتصرة فقط في المختبرات والان أصبحت أدوات ميدانية تحدث ثورة في كيفية خوض وتغير الحروب،  عام 1959 بدأت اول التجارب لربط الدماغ بالحواسيب في جامعة كاليفورنيا وكانت النتيجة بدائية لكن تم تسجيل إشارات عصبية طفيفة، وعام 1985 وصف الجنرال المتقاعد بول غورمان ” بان حروب القرن الحادي والعشرين سيكون الجندي له هيكلا خارجيا يوفر له الحماية ضد التهديدات الكيميائية والبيولوجية والبالستية بفضل المستشعرات الصوتية والبصرية واللمسية ”  بحلول عام 2006 تم تطوير اول طرف صناعي يتحكم فيه المريض بأفكاره واستمر هذا التطور الى شرائح دماغية تعالج الشلل الرباعي، مما فتح الباب الى دمج توظيف هذه التقنيات بالجانب العسكري وشهدنا اول التجارب كانت على جندي امريكي يطلق النار باستخدام ذراع الية متصلة مباشرة بالجهاز العصبي وتطوير هياكل خارجية تقلل من الإصابات المباشرة للجنود، أنظمة تدفئة وتبريد مدمجة، صوت ثلاثي الابعاد لتحديد الأوامر والتوجيهات، أنظمة بصرية للرؤية في كافة الظروف، أنظمة تحكم في الاوكسجين واي نزيف يحصل، إضافة قوة التحمل وحمل الأغراض الثقيلة والسير لمسافات بعيدة دون الشعور بالتعب وبعد هذه التجارب والمواصفات هنا نستدرك سؤال كيف يعمل ؟

والاجابة تكون ” سيتم تجهيز كل مقاتل بوحدة تعريف حيوية تحتوي بياناته الفسيولوجية والعصبية، تُدمج داخل بطاقة تعريف عسكرية إلكترونية، عند بدء المهام تثبت البطاقة في منفذ خاص داخل الصدر لتقوم البدلة القتالية بتحميل برمجيات الاستجابة الفردية المخصصة لكل جندي، ما يضمن توافق التحركات القتالية مع معطياته البيولوجية لحظة بلحظة ومع دمج التقنيات الطبية والروبوتات، وواجهات الدماغ-الآلة.

يتم تطوير مقاتل سايبورغ قادر على تنفيذ المهام بمرونة بشرية ودقة تكنولوجية، ليشكل وحدة قتالية ذكية وفعالة، قادرة على العمل ضمن شبكات القيادة والسيطرة في ميدان العمليات الحديثة ليصبح الجسد والعتاد والتقنيات سلاحا واحدا موجها نحو هدفا واحد ” هذه التجربة أجرتها وكالة ( Darpa ) في برنامج للولايات المتحدة ويعرف ببرنامج تالوس ( Talos).

مشروع التنين الذكي الصيني تعديل الجينات لجندي لا يهزم

في الصين يقود معهد شنغهاي للتكنولوجيا الحيوية مشروع التنين الذكي وهو برنامج طموح لتطوير جنود معززين جينيًا باستخدام تقنية CRISPR-Cas9.

هذا المشروع الذي بدأ عام 2020 بتمويل قدره 3 مليارات دولار، يهدف إلى تحسين القدرات البشرية بشكل جذري التجارب الأولية أظهرت نتائج مذهلة، زيادة قوة العضلات بنسبة 60%، تقليل الحاجة إلى الأكسجين بنسبة 35%، وتحمل الألم بنسبة 70% مقارنة بالبشر العاديين. هذه التعديلات تجعل الجنود قادرين على العمل في بيئات قاسية مثل الجبال العالية أو المناطق المشعة.

في تجربة سرية أجريت عام 2024 في منطقة التبت، استخدمت الصين جنودًا معززين جينيًا لاختبار قدراتهم في بيئة مرتفعة قليلة الأكسجين الجنود المزودون بأجهزة استشعار نانوية ذكية مدمجة في الجلد، تمكنوا من إرسال بيانات حيوية في الوقت الحقيقي إلى قواعدهم، مع الاحتفاظ بكفاءة قتالية عالية لمدة 72 ساعة دون توقف.

 الجزء الأكثر إبداعًا في المشروع هو دمج كافة قدرات الذكاء الاصطناعي بحيثيات التعديل الجيني لتكون النتيجة شرائح دماغية صغيرة تزرع في الفص المسؤول عن الجزء الحركي لتتيح للجنود التحكم في أسلحة مثل مدافع الليزر أو الروبوتات القتالية بمجرد التفكير.

اما في روسيا يبرز برنامج “بوريس” كمشروع رائد يديره تحالف بين مجموعات فاغنر الغير نظامية ووزارة الدفاع الروسية، بدأت بوادره عام 2021 بزرع شرائح عصبية مطورة في النخاع الشوكي للجندي لتحسين ردود الفعل بنسبة 200% هذه الشرائح طورتها شركة نيورو- تك تتيح للجندي معالجة الموقف واتخاذ القرار وحسمه السريع في اقل من 0.1 بالثانية، بالإضافة الى ذلك أنظمة حقن ذكية ومسكنات ومنشطات للاستجابة لكافة ظروف الاجهاد، تم استخدام جنود بوريس الروسية في حربها الأخيرة مع أوكرانيا بعملية نوعية في الدونباس وباخموت، تمكن الجندي بالسيطرة والتحكم بثلة من الطائرات المسيرة في وقت واحد وتوجيها بضرب موقع اوكراني بدقة 95% واستخدام روبوتات قتالية مثل “ستارنيك” و “ماركر” كل واحد منهم يمتلك مواصفات هجومية ودفاعية تجعل أي عدو يضع ملحوظات قبل ان يدخل الى ساحة المعركة مثلا ماركر مهامه تحديد الأهداف بالذكاء الاصطناعي على بعد مسافة 15 كيلومترا إضافة الى ذلك مزودة بانظمة دفاع جوي قصيرة المدى ومقاومة درونات العدو مما قلل الحاجة الى العامل البشري في القتال، اما اوران-9 الهجومي المزود بقدرات المواجهة المباشرة ومدافع اوتوماتيكية وصواريخ مضادة للدروع استخدمته روسيا في دونيستك الأوكرانية وفعلا بوقت قياسي نجحت في تحقيق الحسم العسكري السريع.

في حين أوكرانيا بالقدرات المحدودة كان لها راي مفاجئ باستخدام مشاريع مبتكرة مدمجة بين الجندي والروبوت مما يمنحها صفة التكامل البيو-تكنولوجي وكانت ليست فكرة فقط وانما شوهدت على ارض الواقع بعملية مباغته استخدمت فيها أوكرانيا روبوت “موراخا” المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم الصفوف الامامية وتعويض الخسائر وبالفعل نجحت كتيبة الثالثة الهجومية الأوكرانية لتنفيذ هجوم غير مسبوق ولأول مرة من استخدام هذا الروبوت في خاركيف مع طائرات مسيرة، أدى الى استسلام جنود روس آلات دون تدخل بشري.

الحروب السايبورجية ….هي  بوابة المستقبل إلى عصر جديد ومجهول

انها ليست مجرد ومضة من الخيال العلمي بل حقيقة تتشكل الآن تحفر مسارها في نسيج الصراعات الحديثة الحرب الروسية-الأوكرانية لم تكن مجرد صدام عسكري، بل مختبرًا حيًا أعاد صياغة فن الحرب بتقنيات سايبورجية غير مسبوقة، تحولت الأنظمة الهجينة التي تمزج بين الذكاء البشري وقوة الآلات التي شاهدناها فقط في الألعاب الإلكترونية وأفلام المستقبل البعيد إلى أدوات حقيقية، قادرة على تنفيذ عمليات هجومية ببراعة وعلى أرض الواقع.

هذه التجربة الواقعية لم تكن مجرد عرض للقوة، بل إشعارا ببزوغ عصر جديد حيث ستصبح الأنظمة السايبورجية العمود الفقري للجيوش، تحل محل الجنود التقليديين وتعيد رسم حدود الصراع.

 في المستقبل قد نشهد ساحات معارك يتحكم فيها جنود يوجهون جيوشًا من الروبوتات بأفكارهم أو يقاتلون في بيئات كانت تُعتبر مستحيلة من أعماق المحيطات إلى الفضاء الخارجي لكن هذه القوة الهائلة تحمل في طياتها مخاطر وجودية واسئلة جوهرية ماذا لو تحولت هذه الأنظمة إلى أسلحة خارج السيطرة؟ ماذا لو وقعت في أيدي من لا يتقيدون بالأخلاق؟ الحرب الروسية-الأوكرانية ليست مجرد بداية، بل تحذير واضح بأننا نقف على عتبة عصر جديد إن لم نضع أطرًا دولية صلبة لتنظيم هذه التقنيات فقد نجد أنفسنا في عالم لا تسيطر فيه الإنسانية على مصيرها، بل تُدار بقوانين الآلات الحروب السايبورجية هي المستقبل لكنها تطالبنا بحكمة استثنائية لضمان أن تبقى أداة للأمن لا جحيمًا تكنولوجيًا يهدد وجودنا.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى