الاكثر قراءةترجماتغير مصنف

تعثر المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران بسبب تصاعد الخلافات حول التخصيب

المفاوضات التي بدت واعدة سابقاً تواجه مأزقاً حاداً بسبب الخلاف المستحكم حول ملف تخصيب اليورانيوم

تعثر المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران بسبب تصاعد الخلافات حول التخصيب

المفاوضات التي بدت واعدة سابقاً تواجه مأزقاً حاداً بسبب الخلاف المستحكم حول ملف تخصيب اليورانيوم*

بقلم: كيث جونسون

ترجمة: صفا مهد ي عسكر/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

تحرير: د. عمار عباس الشاهين/ مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

رغم تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً بأن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران بات “وشيكاً، إلا أن الواقع السياسي يشير إلى عكس ذلك، إذ يزداد تمسك الطرفين بخطوطهما الحمراء، ما يهدد بانسداد أفق الحل التفاوضي فيما يتعلق بمستقبل البرنامج النووي الإيراني.

ففي 20 أيار وصف المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي المطالب الأميركية بوقف تخصيب اليورانيوم حتى عند المستويات المنخفضة بأنها “مفرطة” و”سخيفة”، مشككاً بإمكانية أن تفضي الجولة المقبلة من المحادثات غير المباشرة إلى أي نتائج ملموسة، من جهتها شددت القيادة الإيرانية مراراً على أن أي اتفاق سيكون مصيره الفشل إذا ما أصرت واشنطن على شرطها بوقف التخصيب المحلي والذي تعتبره طهران حقاً سيادياً يكفله لها ميثاق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وأكدت إيران أنها لا تزال تدرس المقترح الأميركي الأخير الذي قُدم خلال جولة المحادثات السابقة.

وتعدّ هذه المطالب امتداداً لرؤية الإدارة الأميركية الحالية والتي ترى في منشآت تخصيب اليورانيوم البنية التحتية الأساسية التي تمكّن إيران من تحويل المواد النووية منخفضة التخصيب إلى وقود يصلح لصنع الأسلحة النووية، وقد أكد المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف أن بلاده “لن تسمح لإيران بالاحتفاظ حتى بـ1% من قدرات التخصيب”، بدوره أوضح وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي بالوكالة ماركو روبيو خلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 20 أيار، أن الإدارة الأميركية تعارض بشكل مطلق أي قدرة إيرانية على تخصيب اليورانيوم محلياً نظراً لما وصفه بسهولة الانتقال من تخصيب منخفض إلى تخصيب عالي يمكن استخدامه لأغراض عسكرية.

وقال روبيو “نعتقد أن طهران تسعى إلى الحفاظ على التخصيب كأداة ردع”، وفي تصريحات سابقة هدد ترامب إيران بإمكانية توجيه ضربة عسكرية لها في حال فشل التوصل إلى اتفاق مشيراً إلى أن الرد سيكون “بعنف لم يشهده العالم من قبل”، من جانبه أكد على واعظ مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية أن فرص التوصل إلى اتفاق لا تزال بعيدة، قائلاً “ما أفهمه هو أن المقترح الأميركي يطالب بوقف التخصيب بالكامل، وهو نهج فشل على مدى عشرين عاماً دون أي نجاح يُذكر”. وقد مثلت الجولات الأربع السابقة من المحادثات – مع احتمال انعقاد جولة خامسة نهاية الأسبوع الجاري – أفضل فرصة خلال سنوات لحل النزاع بين طهران وواشنطن عبر القنوات الدبلوماسية، لا سيما في ظل تصاعد المخاوف من قدرات إيران النووية المتنامية.

يعاني الاقتصاد الإيراني من آثار العقوبات الأميركية والغربية ومن القيود المستمرة على تصدير النفط بما في ذلك تشديد الملاحقة الأميركية لناقلات النفط الإيرانية غير الشرعية، كما تراجعت قدرات طهران الإقليمية إذ مُنيت جماعاتها الحليفة في لبنان وقطاع غزة بخسائر فادحة وضعف نفوذها داخل سوريا، وحتى أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية المتطورة – والتي حصلت عليها من روسيا – دُمّرت خلال غارات (إسرائيلية)** في خريف العام الماضي، ما جعل إيران أكثر عرضة للتهديدات العسكرية الأميركية في منطقة الخليج مقارنة بالسنوات السابقة وجعل التهديدات باستخدام القوة أكثر واقعية هذه المرة.

ومع ما يبدو أنه دعم شعبي إيراني نسبي للانخراط في المسار الدبلوماسي مع واشنطن، حصل القادة الإيرانيون على هامش سياسي يسمح لهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وإن كان ذلك ضمن حدود واضحة وعلى رأسها رفض التنازل عن حق البلاد في تخصيب اليورانيوم، ولو بمستويات منخفضة لأغراض مدنية.

في المقابل تواجه إدارة ترامب ضغوطاً سياسية داخلية تمنعها من تقديم تنازلات في ملف التخصيب إذ وجّه أكثر من 200 عضو في مجلسي الشيوخ والنواب في 14 أيار، رسالة إلى الرئيس ترامب عبّروا فيها عن رفضهم لأي اتفاق يسمح لإيران بالاحتفاظ بقدرات تخصيب محلية، واعتبر هؤلاء النواب أن هذه المسألة تمثل “الثغرة القاتلة” في الاتفاق النووي السابق الذي أبرمته إدارة أوباما مع طهران عام 2015، والمعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA).

يرى بهنام بن طالبلو المدير الأول لبرنامج إيران في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” أن الضغوط التي يمارسها الكونغرس ومنها الرسالة الأخيرة الموقعة من أكثر من 200 عضو في مجلسي النواب والشيوخ، توفر للرئيس الأميركي دونالد ترامب دور “الشرطي السيئ” في المفاوضات النووية مع إيران وهو ما يمنحه هامشاً تفاوضياً إضافياً، ويشير إلى أن تبني واشنطن لمواقف متشددة قد يدفع طهران لتقديم تنازلات خاصة في ظل إدراكها لصعوبة تمرير أي اتفاق في الكونغرس ما لم يتضمن قيوداً صارمة على البرنامج النووي الإيراني، وتُعد مصادقة الكونغرس على الاتفاق كمعاهدة أمراً حيوياً لإيران بالنظر إلى أن غياب تصديق مماثل على اتفاق 2015(خطة العمل الشاملة المشتركة  JCPO) كان مصدر قلق دائم لطهران. وقد جاءت تصريحات ترامب الأخيرة التي أشار فيها إلى قرب التوصل إلى اتفاق، بعد مؤشرات من الجانب الإيراني أبدى فيها استعداده للتخلي عن تخصيب اليورانيوم بدرجات عالية والتعهد بعدم السعي لتطوير أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وهو الطرح ذاته الذي شكّل أساس اتفاق 2015.

إلا أن جدوى رفع العقوبات تبقى محل شك حتى في حال التوصل إلى اتفاق جديد، فالعقوبات الأميركية الأساسية والثانوية لاسيما تلك المفروضة على قطاعي الطاقة والمصارف يصعب رفعها بسهولة، وقد أثبتت التجربة بين عامي 2015 و2018 أن استقطاب البنوك والشركات الأميركية والأوروبية للعودة إلى السوق الإيرانية ليس بالأمر اليسير، نظراً لاستمرار المخاوف من العودة إلى قوائم الحظر الأميركية.

في حال تضمن الاتفاق الجديد السماح لإيران بتخصيب كميات محدودة من اليورانيوم بالمستوى المنخفض اللازم لتشغيل المفاعلات المدنية، مقابل التخلص من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب والخضوع لرقابة دولية صارمة، فإن ذلك سيجعل الاتفاق شبيهاً إلى حد كبير باتفاق إدارة أوباما عام 2015، الذي انسحب منه ترامب عام 2018 وهاجمه هو والحزب الجمهوري بشدة. ويعلّق بن طالبلو قائلاً: “إذا انتهت المفاوضات إلى نسخة مكررة من اتفاق 2015، فستدّعي إيران أنها أجبرت ترامب على العودة إلى الاتفاق السابق، وهذا سيناريو لا يستطيع ترامب تحمله سياسياً”.

ويرى محللون أن إصرار الإدارة الأميركية على تبني موقف متشدد تجاه التخصيب النووي يعكس قناعتها بأن إيران تمر بأضعف حالاتها، مما قد يجعلها مستعدة للقبول بشروط قاسية مقابل تخفيف العقوبات، لكن عل واعظ مدير مشروع إيران في “مجموعة الأزمات الدولية” يرى أن هذا الضعف نفسه يجعل من الصعب علي طهران التفريط بما تبقى من برنامجها النووي، الذي يمثل ركيزة سيادية ورمزاً للهيبة الوطنية، وقد استثمرت فيه موارد هائلة على مدى عقود.

وقال واعظ “هناك قناعة قوية داخل فريق المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بأن تقديم اتفاق مُخفف أشبه بـ’نسخة مخففة من JCPOA’ سيكون خطأً، بحجة أن إيران أضعف من أي وقت مضى، ولكن إذا كنت تعتقد أنها فقدت كل قدراتها الردعية الإقليمية فكيف تتوقع منها أن تتخلى عن آخر أعمدة دفاعها؟ كلما زعمت أن إيران في موقع ضعف، زادت حججك ضد إمكانية التوصل لاتفاق”.

رغم إعلان ترامب عن مهلة غير رسمية تمتد لـ60 يوماً منذ استئناف المحادثات في نيسان، فإن الموعد الحاسم فعلياً سيكون في أوروبا، ففي تشرين الاول المقبل ستفقد الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) قدرتها على تفعيل آلية “العودة التلقائية” (snapback) التي كانت تتيح إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران تلقائياً عند انتهاكها للاتفاق.

وقد شهد الموقف الأوروبي تحولاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة مدفوعاً بالقلق من سلوك إيران الإقليمي وتقدمها في برنامجها النووي ودعمها العسكري لروسيا في غزوها لأوكرانيا، ويقول بن طالبلو إن “أوروبا باتت منذ مغادرة ترامب للبيت الأبيض تتبنى موقفاً أكثر تشدداً من الولايات المتحدة تجاه إيران”، مرجحاً أن تبلغ هذه المواقف ذروتها خلال الصيف رغم اجتماع غير حاسم عُقد مؤخراً بين إيران والدول الأوروبية الثلاث، التي بدأت تفكر جدياً في إعادة فرض العقوبات للضغط على طهران للتخلي عن طموحاتها النووية.

وقال بن طالبلو “السبب الأهم الذي يجعل عام 2025 عاماً حاسماً هو مسألة ‘العودة التلقائية”، وقد حذرت إيران مراراً من أن تفعيل هذه الآلية سيُفضي بها إلى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وهو ما قد تكون له تداعيات كارثية على الجهود الدولية الرامية إلى مراقبة برنامجها النووي وضمان التزامها بقواعد منع الانتشار. واختتم واعظ بالقول “العودة التلقائية هي المهلة الحقيقية، وفي غياب اتفاق أعتقد أن الأوروبيين سيلجؤون إلى تفعيلها ولكن ذلك سيكون بمثابة انتحار دبلوماسي، فانسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار يعني أن ‘الجنّي النووي’ قد خرج من القمقم”.

* Keith Johnson, Iran Nuclear Talks Are Running into Red Lines Once-hopeful negotiations are falling prey to a bitter fight over uranium enrichment, FOREIGN POLICY, May 20, 2025.

**  لمقتضيات الأمانة العلمية، وضرورات الترجمة الدقيقة، تم الإبقاء على كلمة (إسرائيل)، وهو لا يعني اعتراف المركز بها، وما هو مكتوب يمثل راي وأفكار المؤلف.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى