ابحاث ودراساتسلايدر

الدولة واللادولة في العراق/ الجزء 7

العيد الوطني للعراق بين ذكرى الاحتلال البريطاني والأمريكي

الدكتور مصدق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تتباهى جميع الدول في اختيار العيد الوطني لها، إذ إنه يُعد الشعار المميز لأي دولة باعتباره رمز السيادة الوطنية، وعنفوان للدماء التي سالت لترسم الخارطة الجديدة لها، فضلاً عن اعتباره وصفاً من أوصاف الدولة المستقلة الحديثة، إذ إنَّ العيد الوطني يجمع تاريخ الدولة وامجادها في الماضي والحاضر والمستقبل، ولهذا توجد معايير وطنية ودستورية وقانونية وشعبية يتوجب الوقوف عليها قبل تحديد العيد الوطني لأي دولة، فبعض الدولة تحدد هذا اليوم بيوم استقلالها، وهو شأن غالبية دول العالم الثالث التي كانت ترزخ تحت نيران الاحتلال، وكذلك الحال بالنسبة الى الولايات المتحدة الامريكية، فيما تحدده دول أخرى عند نجاح الثورات الشعبية ضد الأنظمة الحاكمة واسقاطها، كما هو الحال في فرنسا، والعراق بعد إسقاط النظام الملكي في 14 تموز 1958 وهو يوم قيام النظام الجمهوري في العراق.

وبناء على المعطيات المذكورة تم تحديد العيد الوطني لجمهورية العراق بـ(14 تموز من كل عام عيداً وطنياً وعطلة رسمية وفقاً للمادة (1) من قانون العطلات الرسمية رقم (110) لسنة 1972 المعدل.

وبعد نجاح المفاوض العراقي في إخراج القوات الأمريكية من العراق عام 2011 تم تحديد (30 حزيران) من كل عام عيداً وطنياً للعراق، ومنذ ذلك التاريخ يحتفل العراقيون بهذا التاريخ عيداً وطنياً رسمياً لهم.

وعلى الرغم مما تقدم غير أنه تفاجئنا بقيام مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية المنعقدة بتاريخ 1 أيلول 2020 باتخاذ العديد من القرار، ولعل من أهمها (سابعاً: 1- اختيار تاريخ استقلال العراق والخلاص من الانتداب البريطاني في الثالث من تشرين الأول عام 1932 تاريخاً مناسباً وملائماً يحتفى به سنوياً يوماً وطنياً للعراق. 2- قيام الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإعداد مشروع قانون خاص بشان العيد الوطني لجمهورية العراق يكون منفصلاً ومستقلاً عن القانون الخاص بالعطل الرسمية.3- إحالة مشروع قانون العيد الوطني إلى مجلس النواب استناداً إلى احكام المادتين (61 البند اولاً و80/البند ثانياً) من الدستور.

ومن امعان النظر في هذا القرار نجد أنه يخالف نصوص الدستور والقوانين النافذة، ويقفز على الحقائق التاريخية والسياسية السائدة في العراق، وذلك من النواحي الآتية:

1- فقدان السند الدستوري لتحديد يوم العيد الوطني بمعزل عن العطلات الرسمية: بالرجوع إلى المادة (12) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 فإنها تنص على (ثانياً: تنظم بقانون، الأوسمة والعطلات الرسمية والمناسبات الدينية والوطنية والتقويم الهجري والميلادي). فالنص الدستوري واضح بضرورة إصدار قانون (واحد) خاص بالعطل الرسمية ومن بينها المناسبات الدينية والوطنية وليس قوانين متعددة، ومن ثم لا يجوز تشريع قانون مستقل للعيد الوطني العراقي بمعزل عن العطلات الرسمية.

2- إنَّ قيام مجلس الوزراء بتحديد يوم العيد الوطني للعراق بالتأريخ المذكور دون الرجوع إلى رأي الشعب صاحب السيادة يجعلنا نقرر أنَّ العراق هو ملك للحكومة العراقية الحالية – رغم عدم قيامها بأي دور فيه – تتصرف به وفق ما تشاء خارج نطاق الدستور والقانون رغم أنها منتخبة من مجلس النواب بصفتهم ممثلين عن الشعب للقيام بمهمة محددة وهي تقديم خدمة الشعب ورفاهيته، وليس من بين اختصاصات الحكومة تحديد الهوية الوطنية للعراق بمعزل عن الوقوف عن راي الشعب والجهات الوطنية الفاعلة في العراق، وبهذا يتضح مخالفة قرار مجلس الوزراء لأحكام المادة (5) من الدستور التي تنص على أنْ (الشعب مصدر السلطات وشرعيتها).

3- إنَّ قيام مجلس الوزراء بهذا التحديد يمس بالسيادة العراقية الكاملة المنصوص عليها في المواد (1) و(50) و(79) و(109) من دستور جمهورية العراق، إذ إنه بإلغاء اليوم الوطني للجلاء الأمريكي وهو 30 حزيران فإنَّ ذلك يجعل الحكومة العراقية متحللة من التزاماتها الدستورية والقانونية بتحقيق السيادة العراقية التامة (ارضاً وسماءً ومياه)، وبالأخص في ظل التراخي الحاصل في تنفيذ قرار مجلس النواب الصادر في 5/1/2020 بإنهاء تواجد القوات الأجنبية عن الأراضي العراقية أو تخفيض أعدادها إلى أقل عدد ممكن.

4- مخالفة هذا القرار لقانون العطلات الرسمية رقم (110) لسنة 1972 المعدل بالأمر رقم (18) لسنة 2005، إذ حدد العطلات الرسمية ومن بينها المناسبات الدينية والوطنية، والعيد الوطني لجمهورية العراق في 14 تموز من كل عام، لذا فإنَّ قيام مجلس الوزراء بتحديد يوماً جديداً لليوم الوطني العراقي يشكل مخالفة للقانون النافذ وتعديلاً للتاريخ المحدد وهو (14 تموز) ذكرى قيام الجمهورية في العراق، ومن ثم يتوجب أنْ يصار في حالة الإصرار على هذا الموعد إلى إعداد مشروع قانون تعديل لقانون العطلات الرسمية النافذ، وليس إعداد مشروع قانون جديد للعيد الوطني للعراق.

5- حتى إذا ما تجاوزنا هذه الحجج وانتقلنا إلى اليوم الذي سبق وأنْ تم تحديده من مجلس الوزراء بعد تنفيذ الاتفاقية الأمنية بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية (سوفا) لسنة 2008 بالجلاء عن الأراضي العراقية وهو (30 حزيران) فإنه يتوجب على مجلس الوزراء الحالي أنْ يظهر للشعب العراقي ويعلن عن نيته في إلغاء قرار مجلس الوزراء السابق وإلغاء التاريخ المحدد فيه لليوم الوطني، وهو الأمر الذي لم يحصل لأسباب متنوعة.

6- إنَّ مجلس الوزراء يحاول التغافل عن الدور الدستوري المرسوم له، فاذا كان العيد الوطني مهماً لمجلس الوزراء فالتساؤل الذي نطرحه اليوم: ألم يكن الأجدر بكم تحديد علم العراق ونشيده الوطني كما تقضي بذلك المادة (12/اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على أنْ (اولاً: ينظم بقانون علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي) بدلاً من الاعتماد على نشيد (موطني) من ستينيات القرن الماضي، والذي مضى عليه الدهر واكل، دون وجود قانون صادر من مجلس النواب باعتماد هذا النشيد أو العلم الوطني بعد التعديلات التي أجريت عليهما دون اتباع الطريق القانوني اللازم للتعديل؟.

7- إن قرار مجلس الوزراء بتحديد العيد الوطني للعراق بتاريخ 3 تشرين الأول تقف ورائه العديد من الأسباب السياسية، ولعل من أهمها محاولة إبعاد ذاكرة الأجيال العراقية عن الاحتلال الأمريكي للعراق، واستمراره بحجج واهية، وهو بهذا القرار يعطي دلالات واضحة على الرغبة في استمرار الاحتلال إلى أجل غير مسمى.

8- إنَّ قرار مجلس الوزراء يتنافى مع المنطق القانوني والحقائق التاريخية الثابتة، فمن المعلوم للجميع بالاحتلال القسري للأراضي والأجواء العراقية رغم التاريخ الصوري المحدد بتاريخ 30 حزيران، فالتساؤل الموجه لرئيس وأعضاء مجلس الوزراء هل أنَّ المنطق والعقل يقضي بإعادتنا للاحتفال بذكريات الماضي العتيق ويوم التخلص من الانتداب البريطاني، ونحن نعيش اليوم أرذل الحالات تحت نير الاحتلال الأمريكي للأجواء والأراضي العراقية دون حسيب أو رقيب؟.

9- وما يدلل على عدم قانونية قيام مجلس الوزراء بتحديد اليوم الوطني لجمهورية العراق بمعزل عن السلطات العامة واشراك الشعب فيه، هو أنه سبق لمجلس الوزراء ارسال مشروع قانون العطلات الرسمية، وتمت قرائته للمرة الثانية في جلسة مجلس النواب المنعقدة بتاريخ 3 نيسان 2013.

وبناء على ما تقدم نوجه دعوتنا لمجلس الوزراء العراقي بضرورة احترام إرادة الشعب العراقي باعتباره صاحب السيادة، والالتزام باحترام السيادة الوطنية الكاملة لجمهورية العراق، فضلاً عن اشراك السلطات الأخرى والجهات الوطنية في العراق بتحديد العيد الوطني للعراق، لأنَّ التاريخ العراقي والذاكرة العراقية هي ملك لكل أبناء الشعب بجميع مكوناته، وليس ملك لمجلس الوزراء، لكي يتصرف به وفق ما يشاء.

وبهذا فإننا ندعو مجلس الوزراء أما إلى الإبقاء على تاريخ 30 حزيران من كل ذكرى العيد الوطني للعراق، أو اختيار يوم اسقاط النظام الملكي وهو 14 تموز، أو ذكرى سقوط النظام الصدامي في العراق وهو 9 نيسان من كل عام.

كما أننا في الوقت ذاته ندعو مجلس النواب إلى عدم ادراج مشروع هذا القانون في حالة وصوله إلى قبة مجلس النواب ضمن جدول أعمال المجلس، والاكتفاء بإحالته إلى اللجان المختصة لغرض دمجه مع قانون العطلات الرسمية، وذلك بالاستناد إلى الدور التشريعي الممنوح لمجلس النواب في تشريع القوانين وفق المادة (61/اولاً) من الدستور.

كما ندعو رئيس وأعضاء مجلس الوزراء إلى تحقيق الالتزام المفروض عليهم في تنفيذ المنهاج الوزاري المصوت عليه في مجلس النواب، ومنها تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، وكذلك استكمال مشاريع القوانين المعطة كقانون المحكمة الاتحادية العليا والنشيد والعلم الوطني وقانون وزارة الدفاع وقانون جهاز المخابرات وغيرها من القوانين المهمة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *