تحليلات واراء

النمو البطيء لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة

الكسندر فريدمان

لندن ــ في الأيام المقبلة، سوف يخضع بيان السياسة العامة الجديد لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي كالعادة للتحليل بالتفصيل الممل، حيث يسعى المستثمرون إلى الحصول على الإرشاد والتوجيه حول متى وبأي سرعة سيتم رفع أسعار الفائدة. ومن الملحوظ أن كلمة “صبور” لا تظهر في البيان، كما أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه قد يرفع سعر الفائدة الرسمي ربما بحلول شهر يونيو/حزيران. ولكن اختيار الكلمات لا ينبئنا بالكثير بقدر ما قد نستشفه من السياق الذي صدر البيان في إطاره.

الواقع أن عدم اليقين بشأن السياسة النقدية في الولايات المتحدة كان المحرك الرئيسي لتقلبات الأسواق المالية هذا العام. ذلك أن التأثير المحتمل الذي قد تخلفه ارتفاعات أسعار الفائدة على منحنى العائد في الولايات المتحدة ينعكس بشكل كبير على تسعير كل الأصول العالمية.

ولكن هناك ثلاثة عوامل تشير إلى أن المستثمرين يفرطون في التأكيد على خطر إعادة تسعير المنحنى. الأول أن التطورات الاقتصادية من المرجح أن تدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى توخي الحذر عندما يتعلق الأمر بعملية رفع أسعار الفائدة. وثانيا، حتى إذا سارع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التحرك فإن شهية المستثمرين إلى الربح هي التي ستحدد العائدات. وثالثا، سوف تضمن السمات الفنية للسوق الطلب القوي على سندات الخزانة الأميركية.

واسمحوا لي أن أبدأ بالتطورات الاقتصادية ذات الصلة. الإجماع في الوقت الحاضر هو أن اقتصاد الولايات المتحدة ينمو باضطراد، حيث تشير المؤشرات الرئيسية نحو المزيد من التوسع، وتجاوز بيانات سوق العمل للتوقعات. فكان خلق فرص العمل قويا، حيث سجل مجموع العمالة بأجر كامل في الوظائف غير الزراعية زيادة بلغت 295 ألف وظيفة في فبراير/شباط مع هبوط معدل البطالة مرة أخرى إلى 5.5% فقط.

ولكن هناك رغم ذلك بعض المؤشرات التي تثير تخوف بنك الاحتياطي الفيدرالي. ذلك أن معامل انكماش الإنفاق الاستهلاكي الشخصي يظل أقل كثيراً من الهدف 2%. ومن المتوقع أن يُظهِر مؤشر أسعار المستهلك الأساسي، الذي سيصدر في الأسبوع القادم، زيادة على أساس سنوي بنسبة 1.7% فقط ــ أو حتى أقل من ذلك إذا امتد تأثير أسعار النفط المنخفضة من مؤشر أسعار المستهلك العام إلى مؤشر أسعار المستهلك الأساسي. وكان نمو الأجور الحقيقية أقل من 2%، وهو أقل من المستوى الذي يرى بنك الاحتياطي الفيدرالي أنه ضروري لدعم التسارع المستدام للإنفاق الاستهلاكي.

وزيادة على توقعات التضخم المتواضعة بالفعل ــ والتي اتسمت بنسبة تعادل التضخم لخمس سنوات بلغت 1.9% ــ ارتفعت قيمة الدولار بنحو 10% هذا العام، وبنحو 25% منذ بداية العام الماضي. ونظراً للتأثير الانكماشي الذي تخلفه العملة الأقوى ــ وعدم تسامح بنك الاحتياطي الفيدرالي عموماً مع الانكماش ــ فهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يتوخى الحذر في رفع أسعار الفائدة.

وحتى إذا تجاهل بنك الاحتياطي الفيدرالي الضغوط الانكماشية فرفع أسعار الفائدة بسرعة أكبر، فإن أسعار الفائدة المتوسطة والطويلة الأجل من المرجح أن تظل ثابتة، نظراً لقلة العائد المتاح في أي مكان آخر في العالم. فالعائدات على السندات الألمانية الآن سلبية لثماني سنوات. وفي الاقتصادات الواقعة على أطراف أوروبا، تقترب العائدات على سندات العشر سنوات من 1%، في حين ينفذ البنك المركزي الأوروبي برنامج التيسير الكمي بقيمة 1.1 تريليون يورو (1.3 تريليون دولار أميركي). وفي اليابان كانت العائدات على سندات العشر سنوات أقل من 0.4%.

وإقراض الاقتصادات الناشئة أيضاً ليس جذابا، حيث تقدم حتى أكثر الاقتصادات مخاطرة عائدات متدنية على العملة الصعبة. والواقع أن حتى روسيا ــ التي كان تدخلها العسكري في أوكرانيا سبباً في دفع الغرب إلى فرض عقوبات اقتصادية صارمة عليها ــ تعرض عائداً سنوياً أقل من 6% على سندات العشر سنوات.

ونظراً لهذه العائدات المنخفضة في أغلب دول العالم، فسوف يكون المستثمرون حريصين على اغتنام فرصة القيمة النسبية التي يوفرها ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. أضف إلى هذا وضع أميركا كملاذ آمن، وحقيقة أن أي عملية إعادة تسعير لأسعار الفائدة الأميركية سوف تعكس بكل تأكيد انتعاشاً اقتصاديا، فيصبح من الواضح أن الطلب على سندات الخزانة الأميركية لابد أن يكون قوياً بشكل استثنائي. وفي هذا السياق، فإن أسعار الفائدة سوف تظل محكومة بحد أقصى، وهو ما من شأنه أن يخفف من خطر البيع المنفلت بأسعار بخسة في أسواق السندات.

والسبب الفني الأخير وراء عدم ترجيح ارتفاع أسعار الفائدة بشكل مفرط هو أن سنوات من مشتريات البنوك المركزية وتقلص عجز ميزانية الولايات المتحدة من الأسباب التي جعلت سندات الخزانة الأميركية نادرة. والواقع أن ما يسمى نشاط “إعادة الشراء” ــ وهو بيع التزامات الخزانة الأميركية التي يَعِد بائعها بشرائها مرة أخرى بسعر أعلى قليلا ــ تراجع بشكل واضح، مع انخفاض رصيد مثل هذه المعاملات من 5 تريليونات دولار قبل الأزمة إلى 2.5 تريليون دولار اليوم. والواقع أن أسعار إعادة الشراء لسندات الخزانة الأميركية، سواء لسنتين أو خمس سنوات، انحدرت بشكل دوري إلى المنطقة السلبية، نظراً للتأثير المجمع الناتج عن السلوك الكاره للمجازفة، وتقليص ديون المستثمرين، والتنظيم المصرفي الأكثر صرامة.

وبرغم أن السياسة النقدية الأميركية تفرض بلا أدنى شك تأثيراً كبيراً على الأسواق العالمية، فإن المخاوف المحيطة باتجاه أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ربما تكون من قبيل المبالغة. ورغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد لا يَعِد مرة أخرى بالتحلي بالصبر، فإن البيئة المالية الحالية تشير ضمناً إلى أن المستثمرين لا ينبغي لهم في الوقت الراهن أن يتوقعوا ارتفاعاً كبيرا.

* الرئيس التنفيذي لمجموعة GAM القابضة

بروجيكت سنديكيت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *