ابحاث ودراساتسلايدر

الدولة واللادولة في العراق – الجزء 26

قراءة في دستورية وقانونية الحوار الاستراتيجي الثالث بين العراق والولايات المتحدة الامريكية لسنة 2021

الدكتور مصدق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

لم يكن الحوار الاستراتيجي المنعقد يوم 7 نيسان 2021 الحوار الأول الذي أجراه ممثل كل من الحكومة العراقية والأمريكية، إذ سبقه حوارين سابقين يستندان ايضاً إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون دائم بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية لسنة 2008[1].

وبالرجوع إلى البيان المشترك النهائي للطرفين نجد أنه “جدد البلدان تأكيدهما على أهمية مبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وجددت الولايات المتحدة تأكيد احترامها لسيادة العراق وسلامة أراضيه وللقرارات ذات الصلة والتي صدرت عن السلطتين التشريعية والتنفيذية العراقية… وجددت الولايات المتحدة تأكيدها على احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه وحرية التعبير التي يكفلها الدستور العراقي. وناقش الوفدان السبل التي يمكن للولايات المتحدة أنْ تدعم من خلالها الحكومة العراقية فيما يخص توفير الحماية للمتظاهرين السلميين ونشطاء المجتمع المدني وتحقيق المساءلة القانونية… كما اكد البلدان أنَّ وجود القوات الامريكية في العراق جاء بناءاً على دعوة الحكومة العراقية لغرض دعم القوات الأمنية العراقية في حربها ضد داعش. وفي ضوء تطور قدرات القوات الأمنية العراقية توصل الطرفان إلى أنَّ دور القوات الامريكية وقوات التحالف قد تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق، على أنْ يتفق الطرفان على التوقيتات الزمنية في محادثات فنية مقبلة. يعكس هذا التحول في طبيعة مهمات القوات الامريكية والقوات الدولية الأخرى من العمليات القتالية الى التدريب والتجهيز والمساندة نجاح شراكتنا الاستراتيجية ويضمن دعم الجهود المتواصلة للقوات العراقية لضمان ان داعش لن تهدد استقرار العراق مجدداً. وجددت الحكومة العراقية التزامها بحماية أفراد وقوافل التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية التابعة لدوله. وقد شدد البلدان على أنَّ القواعد التي يتواجد بها افراد التحالف هي قواعد عراقية وهم موجودون فيها حصراً لدعم جهود العراق في الحرب ضد داعش. وينوي البلدان مواصلة المحادثات عبر لجنة عسكرية مشتركة لضمان انسجام عمليات التحالف الدولي مع احتياجات القوات الامنية العراقية، وبضمنها قوات البيشمركة”.

وعلى الرغم مما يتراءى لنا لأول وهلة أنَّ البيان أعلاه قد أشار إلى إمكانية إعادة نشر القوات القتالية الامريكية خارج العراق وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة، غير أنَّ هذا القول غير صحيح على اطلاقه، إذ لم يتضمن البيان تقديم أي ضمانات أو مواعيد زمنية محددة لانسحاب القوات الامريكية من العراق، أو تحديد عدد أعداد المدربين وغيرهم العاملين في العراق، فضلاً عن اغفال الإشارة من قريب أو بعيد إلى قرار مجلس النواب العراقي الصادر في 5/1/2020 بإنهاء الوجود الأجنبي العسكري في العراق، وبضمنه الاحتلال الأمريكي والتركي الحالي.

وهو الأمر الذي يمكن معه القول بإحاطة مسالة السيادة العراقية وتحقيق الانسحاب الأمريكي من العراق بالمزيد من الغموض والتسويف من قبل ممثلي الدولة العراقية والأمريكية على حد سواء، فلم يتم تحديد موعد هذا الانسحاب وآلياته، وإنما تم مجرد اطلاق الوعود المستقبلية المزعومة[2].

وبناء على ما تقدم فإنَّ تأكيد ممثل العراق والولايات المتحدة الامريكية على أهمية مبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي لم يصادفه في الواقع العملي أي نتائج ملموسة، أو إجراءات تنفيذية فاعلة على تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، إذ لا يعدو ذلك عن كونه عبارات إنشائية، هدفها الأول والأخير كسب مزيد من الوقت لغاية انتهاء مدة ولاية مجلس النواب الحالي في 7/10/2021، وذلك من أجل قطع الطريق والحجج القانونية على من يطالب بتنفيذ القرار النيابي[3].

ويمكن القول باستمرار الانتهاكات الدستورية للسيادة العراقية من قبل الوفدين المفاوضين (العراقي والامريكي)، إذ بقيت السيادة العراقية المنقوصة على وضعها السابق دون أي تغيير أو إضافة نوعية فعلية سوى التصريح الإعلامي، فلم يتم الالتزام بتحقيق السيادة الوطنية الناجزة في الأراضي والأجواء والمياه العراقية، كما لم يتم مطالبة السفارة الامريكية في بغداد برفع منظومة (c-ram) المنصوبة بشكل مغاير للاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية، وهو الأمر الذي يؤكد مجدداً على انتهاك الوفد العراقي المفاوض لنصوص وأحكام المواد (1) و(50) و(79) و(109) و(110/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تؤكد على السيادة العراقية الكاملة والفعلية، دون أنْ نغفل عن انتهاك الوفد مبدأ سيادة الشعب واعتباره مصدر السلطات وشرعيتها وفق المادة (5) من الدستور، والذي اتجهت ارادته من خلال ممثليه في مجلس النواب الى انهاء الوجود الأجنبي في العراق وفق المادة (49/اولاً) من الدستور.

ولا يقتصر الامر عند هذا الحد فحسب، بل نجد انَّ الوفد الأمريكي والعراقي قد انتهكا بصورة صريحة وواضحة العديد من نصوص وأحكام اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون دائم بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية لسنة 2008[4] التي اكدت على العديد من الالتزامات القانونية المفروضة على الولايات المتحدة الامريكية، ومن بينها احترام مبدأ السيادة المتكافئة والمتساوية للعراق، وكذلك مراعاة المبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، إذ تنص ديباجة الاتفاقية على (إنَّ جمهورية العراق و الولايات المتحدة الأميركية: 1. إذ تؤكدان الرغبة الصادقة لبلديهما في إقامة علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد استناداً إلى مبدأ المساواة في السيادة والحقوق والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والمصالح المشتركة لكليهما)، فضلاً عن التأكيد على (مبدأ المحافظة على السلام داخل العراق وبين بلدان المنطقة)، كما ينص القسم الأول من اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموسوم (مبادئ التعاون) على أنْ (تقـوم هـذه الاتفاقيـة علـى عـدد مـن المبـادئ العامـة لرسم مسـار العلاقة المستقبلية بين الدولتين وفق ما يلي:

  1. تستند علاقة الصداقة والتعاون إلى الاحترام المتبادل، والمبادئ والمعايير المعترف بها للقانون الدولي وإلى تلبية الالتزامات الدولية، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام العنف لتسوية الخلافات.
  2. إنَّ وجود عراق قوي قادر على الدفاع عن نفسه أمر ضروري لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
  3. إنّ الوجود المؤقت لقوات الولايات المتحدة في العراق هو بطلب من حكومة العراق ذات السيادة، وبالاحترام الكامل لسيادة العراق.
  4. على الولايات المتحدة أنْ لا تستخدم أراضي ومياه وأجواء العراق منطلقاً أو ممراً لشن هجمات على بلدان أخرى وأنْ لا تطلب أو تسعى لأنْ يكون لها قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق).

فيما ينص القسم الثالث من الاتفاقية الموسوم (التعاون الدفاعي والأمني) على أنه (يواصل الطرفان العمل على تنمية التعاون الوثيق فيما بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الاجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه).

أما المخالفات القانونية الأخرى للبيان المشترك فيتمثل بمخالفة قرار مجلس النواب الصادر في 5/1/2020 الذي ينص في البند (2) منه (على الحكومة العراقية العمل على انهاء تواجد أي قوات اجنبية في الأراضي العراقية ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان)، إذ إنَّ مجلس النواب قد استخدم صفته التمثيلية عن الشعب وفق المادتين (49/اولاً) و(5) من الدستور حين إصداره قرار استرداد السيادة الوطنية، لهذا فالتساؤل الذي يثار بهذا الصدد اين السيادة العراقية إذا كان الحوار الاستراتيجي “المزعوم” لا يتضمن أي موعد زمني للانسحاب الأمريكي الكامل من العراق أو تحديد المدربين والأسلحة المستخدمة في العراق؟

وبهذا يمكن القول بعدم احترام الوفد الأمريكي والعراقي لسيادة العراق وسلامة أراضيه، فضلاً عن عدم احترام وتنفيذ القرارات ذات الصلة التي صدرت من السلطة التشريعية العراقية التي أشار إليها البيان الختامي.

أما بالنسبة إلى الشق الثاني من البيان المتعلق بمناقشة الوفدان السبل التي يمكن للولايات المتحدة الامريكية أنْ تدعم من خلالها الحكومة العراقية فيما يخص توفير الحماية للمتظاهرين السلميين ونشطاء المجتمع المدني وتحقيق المساءلة القانونية فتجدر الإشارة إلى وجود العديد من الانتهاكات الدستورية والقانونية المتعلقة بهذه المسألة، إذ تتمثل أول الانتهاكات في مخالفة المادة (8) من الدستور التي توجب على العراق وغيره عدم التدخل بالشأن الداخلي، واحترام الالتزامات الدولية، والمؤكد عليه في اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين العراق والولايات المتحدة الامريكية لسنة 2008، فالتساؤل الموجه إذا كانت الولايات المتحدة قد سحبت عضويتها في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة فكيف يتم السماح لها من قبل الوفد العراقي المفاوض بالتدخل في تنفيذ التشريعات العراقية النافذة ومنها المادة (38) من الدستور التي كفلت حرية التظاهر السلمي بما لا يخل بالنظام العام والاداب، ولماذا لا يتم الغاء امر سلطة الاحتلال رقم (19) لسنة 2003، والم يكن الاجدر بالحكومة العراقية – إنْ كانت جدية بحماية المتظاهرين – إعداد مشروع قانون لإلغاء المواد (220-222) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 التي تعاقب المتظاهرين، فضلاً عن اسراع الحكومة بتشريع قانون جديد يحمي حرية التعبير والتظاهر السلمي في العراق؟

من كل ذلك يتجلى بوضوح أنَّ الغرض الأول والأخير من الحوار الاستراتيجي “المزعوم” هو استمرار تحقيق الأهداف السابقة للحوارين الاستراتيجيين السابقين “الأول والثاني” المتمثل بالإقرار الرسمي العراقي بأهمية القوات الأجنبية (الدولية والأمريكية) في العراق مقابل استمرار الدعم الأمريكي والدولي الاقتصادي والسياسي للحكومة الحالية وسياستها القادمة وبالأخص في الانتخابات المبكرة، فضلاً عن الحيلولة دون إعطاء أي غطاء شرعي أو قانوني لاستمرار استهداف القوات الأجنبية والأمريكية المحتلة، وذلك من خلال التزام الوفد العراقي من تلقاء نفسه – وبشكل يخالف نصوص الدستور والقرار النيابي- بتحويل الطبيعة القانونية للقواعد العسكرية الامريكية الحالية المقامة في قاعدة عين الاسد وغيرها واضفاء صفة القواعد العراقية عليها خلافاً للواقع العملي، وهو الامر الذي يمكن معه القول بأنَّ الحوار الحالي قد أضاف التزاماً جديداً على عاتق الحكومة العراقية يتمثل بتجديد التزامات الحكومة العراقية بحماية أفراد وقوافل التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية التابعة لدولها ومن بينها القوات الأمريكي المحتلة المتواجدة في العراق وبالأخص بعد انتهاء الهدنة الممنوحة من فصائل المقاومة[5].

وبناء على ما تقدم فإننا ندعو مجلس النواب العراقي ولجنة الامن والدفاع النيابية الى استجواب او استضافة الوفد العراقي المفاوض ومساءلته وفقاً للمادة (61) من الدستور عن عدم تنفيذ القرار النيابي بإنهاء الوجود الأجنبي في العراق ضمن اليات وسقوف زمنية محددة، كما ندعو مجلس النواب الى اعداد مشروع قانون لإلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية لسنة 2008 من اجل إيقاف نزيف السيادة العراقية وإعادة الكرامة العراقية المنقوصة.

وفي الوقت ذاته فان رئيس الجمهورية باعتباره رمز وحدة الوطن والساهر على المحافظة على استقلال العراق وسيادته وفق المادة (67) من الدستور مطالب ان يتدخل ويطالب الوفد العراقي بتقديم بيان وتقرير مفصل عن أسباب عدم تحقيق السيادة الوطنية الناجزة والتامة.

كما ندعو رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الى الانهاء الشامل لملف السيادة العراقية الكاملة – غير المنقوصة – قبل اجراء الانتخابات النيابية المبكرة في 10/10/2021، سيما وان المنهاج الوزاري للحكومة الحالية قد تضمن الالتزام بتنفيذ القرار النيابي بالسيادة الوطنية والجلاء الأجنبي من العراق، واعتبار هذا المطلب من اهم اوليات مشروع الحوار الوطني القادم في العراق.

ولا يفوتنا التأكيد على الدور الجماهيري والشعبي والإعلامي المهم في تأكيد الاسترداد الفعلي للسيادة الوطنية باعتبار الشعب مصدر السلطات وشرعيتها وفق المادة (5) من الدستور، وعدم الاكتفاء بالشعارات والبيانات التي لا تسمن ولا تغني من نقص السيادة.

الهوامش:

[1] – انعقدت جلسات الحوار الاستراتيجي الأول في العراق بتاريخ 10-11 حزيران 2020 بين وكيل وزير الخارجية هاشم مصطفى، ونظيره ديفيد شنكر، اما جلسات الحوار الاستراتيجي الثاني فانعقدت في الولايات المتحدة الامريكية في 18-19 اب2020 بين رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي ورئيس الولايات المتحدة الامريكية (دونالد ترامب)، وتمثلت أهدافه في الاعتراف الرسمي بوجود القوات العسكرية الامريكية في العراق واهميتها مقابل حصول العراق على الدعم الاقتصادي الأمريكي.

[2] – وفي هذا الاتجاه جاءت تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية “جون كيربي” خلال المؤتمر الصحفي لليوم التالي 8 نيسان 2021، اذ قال “إن عبارة “التوصل لتوافق بخصوص استمرار عملية سحب القوات القتالية الأمريكية بالعراق” الموجودة بالبيان المشترك، “لا تعني في الواقع أن الانسحاب سيبدأ”، كما أضاف الى ” البيان ينص على أنه تقرر إجراء مباحثات فنية إضافية من قبل الطرفين بخصوص الانسحاب النهائي” للمزيد ينظر: السؤال الاستراتيجي المعقد.. متى وكيف تنسحب القوات الأمريكية من العراق؟ مقالة منشورة في عربي بوست في 8/4/2021 على الرابط الاتي.https://arabicpost.net

[3] – ينظر القرار النيابي بحل مجلس النواب رقم (32) الصادر في 31/3/2021.

[4]– صادق مجلس النواب العراقي على اتفاقية الاطار الاستراتيجي وذلك بموجب القانون رقم (52) لسنة 2008 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4102 في 24/12/2008.

[5] – للمزيد من التفصيلات حول البيان المشترك الصادر عن الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية في 7نيسان 2021 المنشور على الموقع الالكتروني https://iraqicp.com/index.php/sections/news/51133-2021-04-07-08-55-27

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *