ابحاث ودراساتسلايدر

دراسات في الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2021 – الجزء 1

أنموذج عدم التوزيع المالي العادل في احتساب حصة إقليم كردستان- العراق

الدكتور مصدّق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تتعدد النصوص القانونية المخصصة لحصة إقليم كردستان من الإيرادات المالية الاتحادية، وبضمنها النفط المستخرج من إقليم كردستان في مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية، ومنها المادة (1/أولاً/ب) منه التي تنصّ على (احتساب الإيرادات المخمّنة من تصدير النفط الخام على أساس معدل سعر (42) دولاراً للبرميل الواحد ومعدل تصدير قدره (3250000) برميل يومياً (ثلاثة ملايين ومئتان وخمسون ألف برميل يومياً) بضمنها (250000) برميل يومياً (مائتان وخمسون ألف برميل يومياً) عن كميات النفط المنتج في إقليم كردستان)… وتقيد جميع الإيرادات المتحققة فعلاً إيراداً نهائياً لحساب الخزينة العامة للدولة)[1].

فضلاً عن المادة (10/أولاً) التي تنصّ (أولاً: تحدد حصة إقليم كردستان من إجمالي النفقات العلية في الجدول/د (النفقات الحاكمة) الملحقة بهذا القانون بحسب نفوس كل محافظة، وتدفع من وزارة المالية الاتحادية وبموافقة رئيس مجلس الوزراء. ثانياً: تحدد حصة إقليم كردستان من مجموع الإنفاق الفعلي (النفقات الجارية ونفقات المشاريع الاستثمارية) بحسب نفوس كل محافظة بعد استبعاد النفقات السيادية…).

كما تنص المادة (11) من القانون (أولاً: تتم تسوية المستحقات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات2004 ولغاية 2020 بعد قيام ديوان الرقابة المالية الاتحادي بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية للإقليم بتدقيقها، وذلك باحتساب مستحقات إقليم كُردستان للسنوات السابقة التي تظهرها الحسابات الختامية المصادق عليها من ديوان الرقابة المالية الاتحادي من مجموع الإنفاق الفعلي بعد استبعاد النفقات السيادية وما جرى إنفاقه للإقليم ضمن النفقات الحاكمة وضمن التخصيصات المدرجة في قوانين الموازنة العامة الاتحادية للسنوات (2014-2019) .

ثانياً: أ- تلتزم حكومة إقليم كردستان بتسليم ( 250000 ) برميل (مائتان وخمسون ألف برميل نفط) خام يومياً من النفط الخام المنتج من حقولها بسعر تسويق النفط الخام من شركة تسويق النفط (سومو) وعلى أن تسلم الإيرادات النفطية وغير النفطية الى الخزينة العامة للدولة حصراً، وتستغل الكميات التي تزيد عن ذلك لتغطية الاستهلاك المحلي في الإقليم وكلف الإنتاج والتشغيل والنقل.

ب- يلتزم إقليم كردستان بصرف رواتب البيشمركة لعام 2021 من أصل التخصيصات المرصدة ضمن الإقليم للسنة المذكورة وإزاء حساب تعويضات الموظفين..

ج- عند عدم قيام حكومة إقليم كردستان بتسديد الإيرادات المستحصلة الى الخزينة العامة الاتحادية أو عدم تنفيذها لأحكام الفقرة (أ) من هذا البند تقوم وزارة المالية الاتحادية بتطبيق أحكام المادة (27/خامساً) من قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019 باستقطاع الحصة المحددة بموجب البندين (أولاً) و(ثانياً/أ) من هذه المادة وتجري التسوية الحسابية لاحقاً.

ثالثاً: أ- تقوم حكومة الإقليم بتقديم بيانات عن القروض والالتزامات المالية التي ترتبت بذمتها نتيجة عدم تمويل الحكومة الاتحادية لمستحقات الإقليم المالية في الموازنات العامة الاتحادية خلال السنوات (2014-2019) من مجموع الانفاق الفعلي وضمن التخصيصات المدرجة في قوانين الموازنة للسنوات من (2014-2019) الى وزارة المالية الاتحادية، وذلك خلال مدة لا تتجاوز (30) ثلاثون يوما ًمن تاريخ نفاذ هذا القانون.

ب- تتم مراجعة البيانات المذكورة في الفقرة (أ) آنفاً من قبل لجنة مشتركة بين الطرفين وبالتعاون مع ديوان الرقابة المالية الاتحادي وديوان الرقابة المالية لإقليم كردستان وذلك خلال مدة لا تتجاوز (90) تسعون يوماً من تاريخ نفاذ هذا القانون.

ج- على وزارة المالية الاتحادية وفي ضوء نتائج المراجعة المذكورة في البندين (أولاً، ثالثاً) من هذه المادة أخذ الإجراءات الملائمة لتسوية القروض والالتزامات المالية على شكل دفوعات سنوية.

رابعاً: تقوم وزارة المالية ابتداء من عام 2021 بتنزيل أقساط الدين المترتبة بذمة إقليم كردستان من القروض الممنوحة لها من قبل المصرف العراقي للتجارة على أن يتم جدولة الدين على مدى (10) سنوات ابتداء من عام 2021).

من إمعان النظر في النصوص الواردة في مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2021 نجد أنَّ مجلس الوزراء قد تعمّد الإبقاء على الصفة المالية المزدوجة لإقليم كردستان- العراق من الأموال والتخصيصات المرصودة في هذا المشروع، أي: إنَّ مجلس الوزراء يتعامل مع إقليم كردستان على أساس صفتين مجتمعتين في وقت واحد، وبالمقابل فإنَّ إقليم كردستان يستلم الأموال من الحكومة الاتحادية بصفتين مزدوجتين هما:

  • الصفة الأولى: صفة الإقليم السياسي المستقل ذاتياً باعتباره جزءاً من النظام الاتحادي، ويمارس سلطاته وفق مبدأ اللامركزية السياسية المنصوص عليها في المادتين (116) و(121) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
  • الصفة الثاني: صفة المحافظة المنتظمة في إقليم، وذلك بالنسبة إلى جميع محافظات إقليم كردستان، أي: يتم تخصيص الأموال لمحافظة أربيل والسليمانية ودهوك وعلى قدم المساواة مع المحافظات غير المنتظمة في الإقليم وفقاً لمبدأ اللامركزية الإدارية المنصوص عليها في المادة (122) من الدستور.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى يلاحظ أنَّ مجلس الوزراء في مشروع قانون الموازنة قد قام بزيادة حصة الإقليم الكلية من الواردات الاتحادية دون أنْ يقابلها أي إيرادات يلتزم الإقليم بدفعها للحكومة الاتحادية.

وعلى الرغم مما يشاع في وسائل التواصل من تنزيل حصة الإقليم إلى (12.5) من الأموال المرصودة للموازنة العامة الاتحادية، غير أنَّ هذا القول غير صحيح على اطلاقه، وذلك لأنَّ هذه النسبة محسوبة وفقاً للمادة (10/ثانياً) من المشروع على أساس استبعاد النفقات السيادية في قائمة تتجاوز مفرداتها (99) مفردة دين عام، مما يعني زيادة حصة الإقليم إلى أكثر من النسبة المذكورة، والتي تصل الى نسبة تتراوح (20- 21%) إذا  ما تم إضافة النفقات السيادية، وفوائد تسديد خدمات القروض السابقة.

أي: إنَّ مجلس الوزراء احتسب هذه الحصة على أساس حصة الإقليم الفعلية من دون نفقات أو استقطاعات أخرى، وهو الأمر الذي يحقق اثراءاً بلا سبب، وكسب غير مشروع لصالح حكومة إقليم كردستان على حساب أموال المحافظات العراقية الأخرى غير المنتظمة في الإقليم، كما يشكل جريمة من جرائم الإضرار العمدي الجسيم بالمال العام والمعاقب عليها وفق المادة (340) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل إنَّ المادة (11/أولاً) من مشروع القانون قد أكدت هذه الزيادة المالية – غير الملحوظة – عند احتساب المستحقات المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ففضلاً عن استبعاد النفقات السيادية – بتواطئ من قبل مجلس الوزراء – وبالشكل الذي يؤمن لإقليم كردستان تحقيق وفرة مالية للسنوات (2014-2019) فإنه تم اعتماد معايير إضافية من شأنها إظهار الحكومة الاتحادية بأنها مدينة لحكومة الإقليم، وذلك من خلال إضافة أعباء مالية جديدة على عاتق الحكومة الاتحادية يتوجب مراعاتها في التسوية الحسابية المرتقبة مع حكومة الإقليم، خلافاً لما هو منصوص عليها في قوانين الموازنة العامة الاتحادية للسنوات (2014-2019)، وذلك من خلال النص الصريح على معايير جديدة هي (وما جرى إنفاقه للإقليم ضمن النفقات الحاكمة وضمن التخصيصات المدرجة في قوانين الموازنة العامة الاتحادية للسنوات(2014-2019) دون وجود المبررات الداعية لمثل هكذا تصرف غير قانوني.

وبعبارة أخرى يمكن القول إنَّ مجلس الوزراء قام بتعديل قوانين الموازنة العامة الاتحادية السابقة بطريقة ملتوية واحتيالية دون التصريح عن ذلك، وبالشكل الذي يساهم في تحقيق الوفرة المالية لحكومة الإقليم على حساب المال العام الاتحادي، وذلك من أجل تقليل مبلغ المديونية المالية المترتبة لصالح الحكومة العراقية في ذمة حكومة إقليم كردستان، دون وجود سند دستوري أو قانوني يجيز لمجلس الوزراء أو مجلس النواب تعديل قوانين الموازنة العامة السابقة باعتماد المعيار الحالي الذي تم إضافته من قبل مجلس الوزراء.

فالتساؤل المطروح بهذا الصدد من أين أتى رئيس وأعضاء مجلس الوزراء بسلطة تعديل معايير احتساب المبالغ المالية المدينة بها حكومة إقليم كردستان والمعتمدة بموجب نصوص قانونية مصوّت عليها من مجلس النواب في قوانين الموازنة العامة الاتحادية للأعوام (2014-2019)؟ ومن الذي سيحاسب مجلس الوزراء على هذا التدليس؟

ورغبة من الحكومة الحالية في زيادة المديونية العامة المفروضة على أبناء الشعب العراقي وتحويلها من كاهل حكومة إقليم كردستان إلى كاهل أبناء الشعب في المحافظات الأخرى غير المنتظمة في إقليم فقد أوجبت المادة (11/رابعاً) من المشروع على وزارة المالية ابتداء من عام 2021 بتنزيل أقساط الدين المترتبة بذمة إقليم كردستان من القروض الممنوحة لها من قبل المصرف العراقي للتجارة على أنْ يتم جدولة الدين على مدى (10) سنوات ابتداء من عام 2021.

وهنا تثار العبرات فإذا  كانت صلاحية شطب الموجودات تحدد دائماً في قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019، يستوي في ذلك بالنسبة لوزير المالية أو رئيس مجلس الوزراء، فالتساؤل الموجه لرئيس مجلس الوزراء باعتباره المسؤول التنفيذي الأول عن السياسة العامة للدولة وفق المادة (78) من الدستور من أين أتت صلاحيتك في جدولة الديون على مدى (10) سنوات؟

وما هو السند الدستوري والقانوني الذي يجيز لك التنازل عن المبالغ المترتبة بذمة حكومة إقليم كردستان عن بيع النفط العراقي وتصديره رغم أنَّ المادة (111) من الدستور تنص على أنَّ (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات)؟

وفضلاً عما تقدم فإنه بإجراء معادلة حسابية بسيطة وفق المادة (1) من مشروع قانون الموازنة أعلاه وذلك من خلال قسمة الإيرادات المالية الناتجة عن بيع النفط العراقي الكلي المصدر البالغ (3250000) برميل يومياً على سعر النفط المصدر من إقليم كردستان البالغ (250000) برميل يومياً، فإنَّ نسبة الإقليم المالية تبلغ (13%) من المجموع الكلي للإيرادات الاتحادية، خلافاً لما هو عليه الحال والذي لم يثبت صراحة في مشروع قانون الموازنة، إذ قام مجلس الوزراء بمحاولة تسويف هذه التلاعبات في احتساب النسبة، وذلك من خلال تخفيض هذه النسبة لتصبح (12.5%) مقابل رفع النفقات السيادية الواجب إدخالها ضمن حصة الإقليم، فضلاً عن إضافة النفقات الفعلية الأخرى للإقليم وفق المادة (11/أولاً)، ومن ثم في حالة احتساب هذه النفقات السيادية ضمن الحصة المالية الكلية للإقليم فإنه لن تصل هذه نسبة الإقليم المالية الى (9%) من مجموع الإيرادات الصافية.

وما يؤيد ضرورة التخفيض للنسبة المذكورة واتسابها على أساس النفقات ألفعلية المصروفة وبضمنها النفقات السيادية هو أنَّ إقليم كردستان يشترك في جميع المناصب السيادية في على مستوى السلطات العامة الثلاثة الاتحادية والهيئات المستقلة، دون أنْ يصار إلى اشتراك المواطنين العراقيين في المحافظات الأخرى في المناصب الحكومية والقضائية والتنفيذية في إقليم كردستان- العراق، وهو الامر الذي يتوجب مراعاته في ضرورة عدم تنزيل النفقات السيادية من حصة الإقليم المالية، وإدخالها ضمن الحصة المالية.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل نجد أنَّ المادة (10/أولاً) من المشروع احتسب الحصة المالية للإقليم على أساس معيار واحد (بحسب نفوس كل محافظة).

وبهذا يتضح مخالفة المادة (121/ثالثاً) من الدستور التي توجب تخصيص حصة عادلة للإقليم تأخذ بنظر الاعتبار ثلاثة معايير مجتمعة وهي (الموارد+ الحاجات+ نسبة السكان).

وبهذا يمكن القول أنَّ اعتماد نسبة السكان في احتساب حصة الإقليم من جدول النفقات الحاكمة يشكل انتهاكاً دستورياً صارخاً للمادة (121/ثالثاً) من الدستور التي حددت (3) معايير وهي (الموارد المالية+الحاجات+ نسبة السكان).

وعلى الرغم مما تقدم غير أنه تثار العديد من الشبهات حول الآلية التي حددتها المادة (10/أولاً) من المشروع بالقول (تدفع من وزارة المالية الاتحادية وبموافقة رئيس مجلس الوزراء) فالتساؤل الذي يثار بهذا الصدد: أنَّ نص المادة (106) من الدستور واضح وصريح في وجوب تـأسيس (هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية) وقد قام مجلس النواب العراقي بإصدار قانون الهيأة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية رقم (55) لسنة 2017[2] فلماذا  يصر رئيس مجلس الوزراء وإقليم كردستان العراق على عدم تشكيل هذه الهياة منذ عام 2016 ولغاية يومنا هذا؟

فهل أنَّ السبب هو تسهيل الاستيلاء على أموال المحافظات المنتجة للنفط، أم أنَّ هناك أسباب أخرى فنية وغيرها تقف وراء ذلك؟

أما المادة (11) من مشروع القانون فقد جاء لنا مجلس الوزراء ببدعة جديدة، وهي اشراك ديوان الرقابة المالية في الإقليم مع ديوان الرقابة المالية الاتحادي في الرقابة على الحسابات الختامية بصورة ورقية، وليس صورة فعلية، بل تعداه الأمر إلى التعاقد مع شركات محاسبة دولية لغرض القيام بالعمليات الخاصة بالتحاسب، واتمام الحسابات الختامية بعيداً عن أنظار ورقابة السلطات الاتحادية، ومن ثم يكون دور ديوان الرقابة المالية الاتحادية لا يعدو عن كونه دوراً صورياً واسمياً الذي يقتصر على مجرد التدقيق الورقي.

وفضلاً عن ذلك فإنَّ البند (ثانياً) من المادة (11) من مشروع القانون قد احتوى على إضرار عمدي بالمال العام، وحرمان للشعب العراقي في محافظات وسط وجنوب وغرب العراق من ثروته النفطية والغازية كما توجبه المادة (111) من الدستور التي تعتبر النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي، إذ حدد مجلس الوزراء النسبة الواجب دفعها من قبل الإقليم بما يعادل سعر ( 250000 ) برميل بسعر تسويق النفط الخام من شركة تسويق النفط، مع إبقاء النسبة المتبقية التي تصل الى أكثر من (55%) من النسبة المسلمة والتي تبلغ (350000) برميل يومياً ليتم تخصيصها للاستهلاك المحلي في الإقليم وكلف الانتاج والتشغيل والنقل[3].

أي: إنَّ هذه الصياغة لهذه المادة تشجع على تهريب النفط من إقليم كردستان وتحت أنظار الحكومة الاتحادية (بغطاء قانوني).

وبناء على ما تقدم يتضح أنَّ مشروع قانون الموازنة قد منح الامتيازات التالية لحكومة إقليم كردستان- العراق:

1- التنازل عن أكثر من (55%) من النفط المستخرج من إقليم كردستان رغم عدم امتلاك مجلس الوزراء ومجلس النواب لهذه الصلاحية، كونه ملكاً لكل الشعب العراقي.

2- منح إقليم كردستان نسبة (5%) من إيرادات النفط الخام المنتج في الإقليم وفقاً لأحكام المادة (2/أولاً/5) من مشروع القانون التي تنص (5. تعتمد نسبة 5% (خمسة من المائة) من إيرادات النفط الخام المنتج في الإقليم والمحافظات المنتجة)، مما يعني تقاضي الإقليم مبالغ مزدوجة عن نفس المنتج المسلم للحكومة الاتحادية في وقت واحد.

3- مخالفة مبدأ المساواة أمام القانون في التعامل بين الإقليم وبين المحافظات غير المنتظمة في إقليم وفق المادة (14) من الدستور، ففي الوقت الذي تلزم فيه هذه المحافظات بتسليم جميع نفطها مقابل (5%) فقط، نجد بالمقابل أنَّ الحكومة الاتحادية تمنح حكومة إقليم كردستان (55%) من النفط المنتج، مصافا ًله (5%) من مجموع هذه القيمة وعلى غرار المحافظات المنتجة للنفط، فلماذا هذا التمايز في المعاملة القانونية؟

وفضلاً عن ذلك يلاحظ أنَّ مسلك قانون الموازنة قد إتجه إلى التحديد القطعي والنهائي لنسبة (250) ألف برميل من النفط في إقليم كردستان، ودون أنْ يراعي الزيادة التي تحصل في الانتاج وعلى غرار النصوص التي كانت ترد في قوانين الموازنة العامة الاتحادية آخرها لعام 2019، ولا نعلم سبب هذه التنازلات عن الثروة النفطية التي تعود ملكيتها لجميع أبناء الشعب من قبل الحكومة ومجلس النواب؟

ورغبة من الحكومة العراقية في الإذعان لحكومة الإقليم فإنه تم النص في مشروع قانون الموازنة على منح الإقليم الخيار والسلطة التقديرية في تسديد الإيرادات المستحصلة إلى الخزينة العامة الاتحادية أو عدم تنفيذها، إذ أوجب على وزارة المالية الاتحادية تطبيق أحكام المادة (27/خامساً) من قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019 باستقطاع الحصة المحددة، وهو حكماً نراه يخل بمبدأ سيادة الدولة العراقية، إذ إنَّ الامتناع عن تسليم النفط والاقتصار على الواردات يدلل على عدم احترام السيادة العراقية المناطة بالحكومة الاتحادية وبمجلس النواب حمايتها وفق المادة (1) و(50) و(79) و(109) من الدستور.

ومن العرض المتقدم لنصوص قانون الموازنة العامة المتعلق بإقليم كردستان يتضح أنَّ كلاً من مجلس الوزراء ومجلس النواب قد انتهكوا نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في تحديد حصة الإقليم المالية وذلك من النواحي الآتية:

1- انتهاك المادة (5) من الدستور التي تنص (السيادة للقانون)، إذ إنَّ القانون يوجب تغليب الاعتبارات الدستورية المنصوص عليها في المادتين (106) و(121/ثالثاً) من الدستور، وليس إحلال الاتفاقات السياسية لرئيس مجلس الوزراء مع حكومة إقليم كردستان.

2- انتهاك المادة (13) من الدستور التي تنص على (أولاً: يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في أنحائه كافة، وبدون استثناء. ثانياً: لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانون اخر يتعارض معه).

فالبطلان هو جزاء الاتفاق السياسي الذي قام بعقده مسبقاً رئيس مجلس الوزراء مع حكومة الإقليم خلافاً لنصوص الدستور، ومن ثم تبطل نصوص قانون الموازنة حتى في حالة إقرارها من قبل مجلس النواب بالاستناد إلى المادة (13/ثانياً) من الدستور، وبالاستناد إلى القاعدة القانونية (ما بني على باطل فهو باطل).

3- انتهاك المادة (27) من الدستور التي تنص على أنَّ (أولاً: للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن)، إذ إنَّ قيام مجلس الوزراء ومجلس النواب بتحويل التخصيصات المالية من المحافظات العراقية إلى إقليم كردستان دون مراعاة النصوص الدستوري يشكل انتهاكاً وتجاوزاً على حرمة المال العام من جهة، وانتهاكاً لحرمة مال وثروات المحافظات المنتجة للنفط من جهة أخرى، وبالتالي بالإمكان تحريك الإجراءات القانونية عن جريمة الإضرار العمدي بمصالح المحافظات المنتجة للنفط من قبل أي مواطن عراقي وفق المادة (340) من قانون العقوبات.

4- انتهاك المادة (62/أولاً) من الدستور التي تنص على ان (يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي الى مجلس النواب لإقراره)، وهو الأمر الذي لم يحصل بالنسبة الى الحساب الختامي لإقليم كردستان وكذلك الحساب الختامي للحكومة الاتحادية.

5- انتهاك المواد (50) و(79) من الدستور التي أوجبت على رئيس وأعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء رعاية مصالح الشعب والسهر على ثرواته، إذ إنَّ تشريع قانون الموازنة العامة بهذه الصيغة التي تحقق كسب غير مشروع لصالح حكومة الإقليم على حساب المحافظات الجنوبية والوسطى المنتجة للنفط معناه تحويل للثروة من فئة من المواطنين إلى فئة أخرى من المواطنين خلافاً لمقتضيات العدالة الاجتماعية ومبدأ المساواة والمعايير الواجب اتباعها في توزيع الثروات.

6- مخالفة رئيس وأعضاء مجلس الوزراء المادة (80/رابعاً) من الدستور التي توجب تقديم مشروع الحساب الختامي الى مجلس النواب مع مشروع قانون الموازنة العامة.

7- انتهاك المادة (105) من الدستور التي توجب تأسيس الهيئة العامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة، فعل الرغم من قيام مجلس النواب بإصدار قانون الهيئة العامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (26) لسنة 2016[4] غير أنه لم يصار إلى تنزيل حصة إقليم كردستان في المناصب السيادية العراقية في العاصمة وغيرها من المحافظات العراقية، وهو الامر الذي يتوجب معه إجراء مقاصة بشأن هذه المناصب الواجب توليها في إقليم كردستان، وبخلافه يصار إلى إشراك الإقليم في جميع النفقات السيادية، بدل التحايل الحاصل في تطبيق نصوص الدستور والقوانين النافذة.

8- انتهاك المادة (106) من الدستور التي توجب تشكيل الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية والتي تتولى ضمان العدالة عند تخصيص الأموال لحكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة وفق النسب المقررة[5].

وعلى الرغم من قيام مجلس النواب بإصدار قانون الهيأة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية رقم (55) لسنة 2017 غير أنَّ رئيس مجلس الوزراء لم يكلف نفسه عناء تشكيل وتسمية هذه الهيئة لغاية يومنا هذا، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره معه منتهكاً للتوزيع العادل للثروات.

فالتساؤل بهذا الصدد الموجه إلى رئيس مجلس الوزراء ما هو سبب امتناعك عن تشكيل هذه الهيئة رغم صراحة النص الدستوري ورغم صراحة القانون هل هو الرغبة في احتكار السلطات حلافاً لنصوص الدستور ام توجد أسباب أخرى مخفية؟

9- انتهاك المادة (109/ثالثاً وسابعاً) من الدستور التي تمنح الحكومة الاتحادية السلطة الحصرية في رسم السياسة المالية والنقدية ووضع مشروع الموازنة العامة دون إشراك حكومة الإقليم، ومن ثم فإنَّ فرض حكومة الإقليم هذه الشروط على الحكومة الاتحادية وفقاً للاتفاق المبرم بين رئيس مجلس الوزراء وحكومة الإقليم يشكل انتهاكاً دستورياً صريحاً للمادة أعلاه، فضلاً عن مخالفته اليمين الدستورية التي سبق وأنْ أداها رئيس مجلس الوزراء عند منحه الثقة وفقاً للمادتين (50) و(79) من الدستور برعاية مصالح الشعب والحفاظ على ثرواته.

10- انتهاك المادة (111) من الدستور التي جعلت ملكية النفط والغاز لجميع أبناء الشعب العراقي، إذ إنَّ مشروع قانون الموازنة بهذه الصيغة الراهنة يجعل ملكية النفط في إقليم كردستان للشعب الكردي فقط خلافاً للنص الدستوري، وهو الأمر الذي يتوجب معه تعديل مواد القانون.

11- انتهاك المادة (112) من الدستور، إذ إنها اقرت الإدارة المشتركة للنفط والغاز المستخرج في إقليم كردستان، لذا فإنَّ النص على منح الحكومة الاتحادية مبالغ تقدر باقل من (45%) من نسبة النفط الكلي المستخرج من إقليم كردستان يشكل مخالفة دستورية مرتكبة من رئيس وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس وأعضاء مجلس النواب في حالة التصويت على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية، كما يخالف توزيع الواردات بشكل منصف، ولا يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي المنصوص عليها في هذه المادة .

12- إنَّ إبقاء التعامل المالي المزدوج مع إقليم كردستان بصفة إقليم تارة، وبصفة محافظة تارة أخرى في مشروع قانون الموازنة يتعارض مع المادة (116) من الدستور التي تنص على مكونات النظام الاتحادي من عاصمة واقاليم ومحافظات لا مركزية، ويتعارض في الوقت ذاته مع المادة (122) من الدستور التي توجب منح المحافظات غير المنتظمة بإقليم الصلاحيات المالية الواسعة، فالقول باعتبار الإقليم وحدة سياسية يتوجب معه عدم التعامل مع محافظات الإقليم على أنها وحدات إدارية لغرض التحاسب المالي.

13- مخالفة وانتهاك المادة (121/ثالثاً) من الدستور التي توجب تخصيص حصة عادلة من الإيرادات الحصلة اتحادياً للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها مع الأخذ بنظر الاعتبار مواردها المالية وحاجاتها ونسبة السكان فيها، إذ إنَّ صياغة مشروع قانون الموازنة تم فيه مراعاة نسبة السكان دون مراعاة هذه المعايير مجتمعة مما يجعل القانون في حالة تشريعه متعسفاً في استعمال السلطات من قبل مجلس النواب.

وإزاء هذه الانتهاكات الدستورية في توزيع الثروات والايرادات بين إقليم كردستان من جهة وبين المحافظات غير المنتظمة في إقليم من جهة أخرى، فضلاً عن الاثراء غير المشروع الذي يتحقق لصالح حكومة الإقليم على حساب الحكومة الاتحادية فإننا ندعو إلى اتخاذ الإجراءات الآتية:

1- ندعو مجلس الوزراء إلى سحب مشروع قانون الموازنة وإعادة صياغته بما يضمن مراعاة الأسس الدستورية في توزيع الإيرادات العامة بين الإقليم وبين المحافظات غير المنتظمة في إقليم اعتماداً على المادة (121/ثالثاً) من الدستور.

2- في حالة امتناع مجلس الوزراء عن التعديل فإننا ندعو اللجنة المالية واللجنة القانونية ولجنة الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم الى اجراء التعديل الجوهري على التوزيع المالي للإيرادات بين حكومة الإقليم والكومة الاتحادية وبالشكل الذي يراعي الموارد المالية والحاجات والكثافة السكانية، فضلاً عن ضرورة إلزام الإقليم بتسليم (600000) ستمائة ألف برميل من النفط المنتج أو ما يعادل سعره.

3- نطالب رئاسة الادعاء العام وفقاً لقانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017 وكذلك النواب الذين لا زالوا يتحرون مصلحة المواطن بضرورة تحريك دعاوى جزائية ضد الجهة التي قامت بإعداد مشروع قانون الموازنة العامة بهذه الصيغة التي تؤدي الى افقار الشعب في المحافظات غير المنتظمة في إقليم وتحويل ثروته وامواله الى كومة الإقليم دون مراعاة المعايير الدستورية في التوزيع العادل للثروات، فضلاً عن أنَّ من شأن تطبيقها أنْ يشكل إضراراً عمدياً بالمال العام مجرماً وفق المادة (340) من قانون العقوبات.

4- ندعو أعضاء مجلس النواب الى توجيه أسئلة أو استجواب الى رئيس مجلس الوزراء لغرض محاسبته عن أسباب عدم تشكيل الهياة العامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وفق القانون رقم (26) لسنة 2016، وكذلك عن امتناعه عن تشكيل الهيأة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية وفق القانون رقم (55) لسنة 2017.

5- ندعو إلى تعديل صياغة المواد المذكورة أعلاه، واجراء مبدأ المعاملة بالمثل فيما يتعلق بالقروض والمبالغ المدين بها إقليم كردستان، إذ يتوجب تحمل الإقليم نفقات القروض السيادية الاتحادية من أجل تحمل الحكومة الاتحادية لقروض حكومة الإقليم.

6- ندعو المراكز البحثية الى عقد الندوات والورش لغرض بيان خطورة عدم التوزيع العادل للثروات والايرادات بين حكومة الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

7- ندعو الإعلاميين وصناع الراي العام إلى الدفاع عن حقوق المواطنين في المحافظات غير المنتظمة في إقليم، وتثقيف المواطنين حول وجوب إيقاف نزيف هدر المال العام الذي يمارسه كلاً من مجلس الوزراء ومجلس النواب في مشروع قانون الموازنة العامة.

8- ندعو الشعب العراقي باعتباره صاحب السيادة وفق المادة (5) من الدستور، والمالك للنفط والغاز وفق المادة (11) من الدستور الى المطالبة بحصته من النفط والغاز الطبيعي والزام الحكومة بتخصيص حصة أو مبلغ مالي لكل مواطن تلتزم الدولة بدفعها شهرياً له.

9- وفي حالة عدم استجابة الحكومة ومجلس النواب الى هذه المطالب فإننا ندعو إلى تقديم طلبات تشكيل الأقاليم من قبل المحافظات المنتجة للنفط، وذلك من أجل الضغط على الحكومة وإيقاف التحكم العشوائي في تخصيص الواردات الاتحادية من الحكومة الاتحادية دون مراعاة حصص المحافظات غير المنتظمة في إقليم.

 

الهوامش:

[1] – كما تنص المادة (1/ثانياً) من القانون على أنه (تلتزم … حكومة إقليم كوردستان بقيد جميع مبالغ المنح النقدية التي تحصل عليها بموجب مذكرات التفاهم مع حكومات أو مؤسسات أجنبية إيراداً نهائياً للخزينة العامة الاتحادية، وعلى وزارة المالية إعادة تخصيصها للأغراض التي منحت لأجلها وذلك بالتنسيق مع وزارة التخطيط الاتحادية).كما تنص المادة (2/أولاً/5) من القانون (5. تعتمد نسبة 5% (خمسة من المائة) من إيرادات النفط الخام المنتج في الإقليم والمحافظات المنتجة، و(5%) (خمسة من المائة) من إيرادات النفط الخام المكرر في مصافي الإقليم والمحافظات و(5%) (خمسة من المائة) من إيرادات الغاز الطبيعي المنتج في الإقليم والمحافظات المنتجة، على أن يخيّر الإقليم في اختيار إحدى الإيرادات المنتجة آنفاً وعلى أن يخصص مبلغ مقداره (500000000) ألف دينار (خمسمائة مليار دينار) بصفة مشاريع الى الإقليم أو المحافظات المنتجة من أصل التخصيصات المشار اليها بالبند (أولاً/أ) من المادة (2) آنفاً، وللإقليم أو المحافظات حق التصرف والاستخدام بما لا يزيد عن (50%) (خمسين من المائة) من التخصيصات المشار اليها آنفاً لغرض استيراد الطاقة الكهربائية أو تقديم الخدمات للإقليم أو المحافظة وتنظيفها أو نفقات العلاج للمرضى خارج العراق أو للنفقات الجارية بحسب احتياجات الإقليم أو المحافظات).فيما تنص المادة (2/ثانياً/2/ب/2) من القانون (الاستمرار بالاقتراض من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (jica) لغرض تمويل مشاريع الوزارات وإقليم كردستان… مشاريع الكهرباء/ إقليم كردستان 17 مليون دولار) فضلاً عن الاستمرار بالاقتراض من البنك الدولي بمبلغ (2) مليون دولار لإقليم كردستان.

[2] – نشر هذا القانون في الوقائع العراقية بالعدد 4443 في 17/4/2017.

[3] – يشير البيان الصادر من وزارة النفط والثروات الطبيعة في إقليم كردستان المنشور يوم 18-1-2021 الى ان التصدير الفعلي للنفط  هو (450000) برميل يوميا بعد ان كان يصدر (600000) برميل قبل تخفيض أوبك.

[4] – نُشر هذا القانون في الوقائع العراقية بالعدد 4416 في 19/9/2016.

[5] – تنص المادة (106) من الدستور (تُؤسس بقانون هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، وتتكون الهيئة من خبراء الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات وممثلين عنها، وتضطلع بالمسؤوليات الآتية :

أولاً: التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية، بموجب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

ثانياً: التحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها.

ثالثاً: ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الأموال لحكومات الأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم، وفقاً للنسب المقررة).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *