ابحاث ودراساتسلايدر

الدولة واللادولة في العراق – ج 18

مجلس رؤساء الهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بوزارة بين الانتهاكات الدستورية للحكومة والصمت النيابي

الدكتور مصدق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

في الوقت الذي كنا ننتظر فيه استكمال متطلبات بناء الدولة العراقية وسيادة القانون كما هو منصوص عليه في المادة (5) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ووفقاً لبنود المنهاج الوزاري المصوت عليه من مجلس النواب بتاريخ 7 أيار 2020، غير أننا تفاجئنا بقيام الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإصدار الأمر الديواني رقم (3) في 30/11/2020 المتضمن تأسيس (مجلس رؤساء الهيئات المستقلة والجهات غير المرتبطة بوزارة) ومنح رئاسته للسيد رئيس مجلس الوزراء (مصطفى الكاظمي).

ولقد حدد الأمر الديواني أعلاه مهام المجلس بالعديد من المهام منها اقتراح السياسة العامة لعمل الهيئات المستقلة، ورفع التوصيات اللازمة إلى مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء المتعلقة بعمل الهيئات المستقلة، ومتابعة تنفيذ الأولويات الاستراتيجية للبرنامج الحكومي، وأي مهام أخرى يقررها رئيس مجلس الوزراء.

وعلى الرغم من أهمية هذه المهام بالنسبة إلى الحكومة العراقية ممثلة بمجلس الوزراء، غير أنه مما يؤسف له وقوف مجلس النواب العراقي بصورة عامة واللجان النيابية بصورة خاصة مكتوفي الأيدي عن ممارسة دورهم الرقابي على سلامة تطبيق نصوص وأحكام الدستور والقوانين النافذة من جهة وفقاً للمادة (61/ثانياً وسابعاً) من الدستور، فضلاً عن عدم المحافظة على استقلال الهيئات المستقلة والتصدي لهيمنة رئيس مجلس الوزراء على عمل الهيئات المستقلة من جهة أخرى، وعلى غرار ما قام به رئيس مجلس النواب في الدورة النيابية الثانية لمجلس النواب 2010.

ومن امعان النظر في الأمر الديواني رقم (3) لسنة 2020 المتعلق بتأسيس مجلس الهيئات المستقلة نجد انه تمادى في انتهاك نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في العديد من النواحي الآتية:

1- خلو ديباجة الأمر الديواني من السند الدستوري والقانوني الذي تم الاستناد إليه في تأسيس مجلس الهيئات المستقلة، إذ اكتفى بعبارة (بناء على موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء)، وهي عبارات مرنة وعامة، ولا تُعد سند دستورياً يصلح الاستناد إليه في تشكيل مثل هكذا مجلس يتعلق بالهيئات المستقلة، إذ يتوجب أنْ يكون لكل تصرف تقوم به الحكومة أو أي سلطات من السلطات سنداً دستورياً او قانونياً، وهو الأمر الذي نجده غير متوفر، مما يجعل الأمر الديواني منعدماً ولا يرتب أي أثر دستوري أو قانوني.

2- مخالفة الأمر الديواني بتأسيس مجلس الهيئات المستقلة الفصل الرابع من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الموسوم (الهيئات المستقلة) في المواد (102-108) منه، إذ يتمثل أول هذه المخالفات بمخالفة الأمر الديواني لأحكام المادة (102) من الدستور التي تقر بوجود العديد من الهيئات المستقلة التي تخضع لمجلس النواب والتي تتمثل بـ(المفوضية العليا لحقوق الانسان- المفوضية العليا المستقلة للانتخابات – هيئة النزاهة)، لذا فإنه وفق النص الدستوري لا تخضع هذه الهيئات ولا ترتبط لا من قريب ولا من بعيد بمجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء وفقاً لصياغة النص الدستوري أعلاه.

3- وفضلاً عن ذلك فقد خالف الأمر الديواني المادة (103) من الدستور الذي تقر بوجود هيئات مستقلة لا تخضع مجلس الوزراء وهي كل من (البنك المركزي العراقي- ديوان الرقابة المالية – هيئة الاعلام والاتصالات)، إذ إنَّ المادة (103/ثانياً) من الدستور تنص على مسؤولية البنك المركزي أمام مجلس النواب، فضلاً عن إقرار ارتباط باقي الهيئات بمجلس النواب)، لذا فإنَّ الأمر الديواني مشوب بعيب عدم الاختصاص الدستوري (عيب اغتصاب السلطة)، ويشكل انتهاكاً واضحاً للنص الدستوري أعلاه.

4- كما خالف الأمر الديواني مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة (47) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بأنْ ( تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تمارس اختصاصاتها ومهامها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات)، إذ إنَّ الأمر الديواني اعتنق مبدأ جمع السلطات وتركيزها بيد رئيس مجلس الوزراء، ولقد تجلى ذلك من خلال اشتراك رئيس مجلس الوزراء في رسم السياسة العامة الخاصة بالهيئات المستقلة، ورئاسته لها، مما يعني جمع مهام السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة ووضعها تحت آمرة وتصرف رئيس مجلس الوزراء، مما ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات.

5- بالرجوع إلى المادة (5) من الدستور العراقي فإنها تنص على أنَّ (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها)، لذا فإنَّ الأمر الديواني قد خالف مبدأ سيادة القانون، باعتبار الدستور هو (قانون القوانين)، فضلاً عن أنَّ إرادة الشعب العراقي قد اتجهت من خلال الاستفتاء على الدستور في 15/10/2005 إلى تخصيص فصل مستقل (للهيئات المستقلة) يكون غير مرتبط بمجلس النواب أو بمجلس الوزراء، وهو الأمر الذي لم يتم احترامه أو الالتزام به في الأمر الديواني أعلاه، ناهيك عن عدم احترام إرادة ممثلي الشعب في مجلس النواب كما تقضي به المادة (49/اولاً) من الدستور، الذين لم تتجه إرادتهم إلى انتهاك نصوص الدستور وتعديل ارتباط الهيئات المستقلة كما فعله رئيس مجلس الوزراء، الذي لم يعترض على عدم دستورية هذا الأمر الديواني.

6- وفضلاً عن ذلك فإنَّ الأمر الديواني خالف مبدأ سمو الدستور المنصوص عليه في المادة (13) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على أنْ (أولاً: يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في جميع انجائه كافة وبدون استثناء. ثانياً: لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه).

وهو الأمر الذي يتوجب معه القول ببطلان الأمر الديواني بتأسيس مجلس الهيئات المستقلة وفق النص أعلاه، فإذا كان البطلان جزاءً وفاقاً لنص القانون الصادر من مجلس النواب، فيكون البطلان من باب أولى لتصرفات مجلس الوزراء الذي اتخذ شكل الأمر الديواني بتشكيل مجلس رئاسة الهيئات المستقلة.

7- كما أنَّ الأمر الديواني خالف المادة (78) من الدستور التي اختصت رئيس مجلس الوزراء بإدارة مجلس الوزراء وتراس اجتماعاته فقط، ولو أراد المشرع الدستوري تراس الهيئات المستقلة أو الجهات غير المرتبطة بوزارة لما أعوزه النص صراحة على ذلك.

8- فضلاً عن مخالفة الأمر الديواني بتأسيس مجلس الهيئات المستقلة لأحكام المادة (80/اولاً) من الدستور التي اختصت مجلس الوزراء بتخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة والإشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، وليس من بين هذا التعداد (رسم وتنفيذ السياسة العامة للهيئات المستقلة أو الاشراف على عملها)، وهو الأمر الذي يمكن معه القول بعدم دستورية الأمر الديواني أعلاه، وذلك لتوسيعه مهام وصلاحيات رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء خلافاً لنصوص الدستور.

9- كما يخالف الأمر الديواني صيغة اليمين الدستورية المفروضة على رئيس مجلس الوزراء المنصوص عليها في المادتين (50) و(79) من الدستور التي تنص على أنْ (التزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد)، إذ إنَّ نصوص الدستور تعد من نصوص التشريعات الواجب تطبيقها من رئيس مجلس الوزراء بأمانة وحياد، وليس كما يقدمه الأمين العام لمجلس الوزراء أو مدير الدائرة القانونية في مجلس الوزراء، وهو الأمر الذي يمكن معه القول بعدم دستورية الأمر الديواني بتشكيل مجلس رؤساء الهيئات المستقلة للمخالفات الصريحة لنصوص الدستور وأحكامه.

10- ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل نجد أنَّ الأمر الديواني بتأسيس مجلس رؤساء الهيئات المستقلة قد غيّر وبدّل الوصف القانوني والعنوان الوظيفي لبعض أعضاء مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء والمفوضين في الهيئات المستقلة، إذ إنَّ النواحي القانونية والبروتوكولية والعملية تقضي باجتماع رئيس مجلس الوزراء بالوزراء في (مجلس الوزراء) أو من بدرجتهم من الوزراء (وزراء دولة)، ومعنى الإقرار والتسليم بوجود مجلس رؤساء الهيئات المستقلة رفع التوصيف والعنوان الوظيفي لأعضاء مجلس الإدارة في الهيئات المستقلة ممن هم بدرجة وكيل وزارة أو مدير عام ليصبحوا بدرجة وزير، وهو الأمر الذي يخالف السياقات الدستورية والقانونية والبروتوكولية الواجب توافرها في اجتماعات رئيس مجلس الوزراء.

11- حتى إذا ما تجاوزنا هذه الحجج وانتقلنا إلى جوهر الأمر الديواني الذي يمكن أنْ نسميه (أمر تعيين رئيس أعلى جديد لجميع الهيئات المستقلة) فإن هذا الأمر يخل بالاستقلال المالي والإداري لهذه الهيئات من جهة، وينطوي على تعديل نصوص المواد (102-108) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 دون المرور بالإجراءات المحددة للتعديل الدستوري المنصوص عليها في المادتين (142) و(126) من الدستور، مما يعني تعديلاً دستورياً غير معلن عنه.

12- وفضلاً عن ذلك فإنَّ الأمر الديواني قد خالف نص المادة (61/اولاً) من الدستور اليت تختص مجلس النواب بتشريع القوانين الاتحادية وتعديلها، ناهيك عن مخالفته الصريحة للمادة (130) من الدستور التي تنص على أنْ (تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها ما لم تلغَ أو تعدل وفقاً لأحكام هذا الدستور)، وحيث أنَّ نصوص الدستور فيما يتعلق بتعديل ارتباط رئيس الهيئة المستقلة لم تُعدل، وينطبق الحكم ذاته بالنسبة إلى القوانين الخاصة المتعلقة بالهيئات المستقلة لذا فإنَّ الأمر الديواني بتشكيل مجلس رؤساء الهيئات المستقلة قد انتهك الدستور انتهاكاً صارخاً وخرج على أحكامه.

ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد هو أنَّ المحكمة الاتحادية العليا قد سبق لها أنْ حددت معنى الاستقلال الوارد في المادة (102) من الدستور، وذلك في قرارها التفسيري الرقم (228/ ت 6/2006) في (9/10/2006) ( إنَّ منتسبي هيئة النزاهة مستقلون في أداء مهامهم المنصوص عليها في القانون ولا سلطان عليهم في أداء هذه المهام لغير القانون، ولا يجوز لأي جهة التدخل أو التأثير على أداء الهيئة لمهامها).

فضلاً عن انتهاك الامر الديواني أعلاه لقرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم 88/اتحادية/2010 الصادر في 18/1/2011 الذي جاء فيه أنَّ ربط بعض الهيئات المستقلة ذات الطبيعة التنفيذية في عملها بمجلس النواب أمر لا يتفق مع اختصاص المجلس ويتعارض مع مبدأ فصل السلطات ولا يتفق مع ما جرى العمل عليه في برلمانات العالم ، كما تجد المحكمة الاتحادية أن ( ارتباط ) بعض الهيئات المستقلة بمجلس النواب لا يحول دون الإشراف على نشاطاتها من قبل مجلس الوزراء تطبيقا لاختصاصاته الواردة في الدستور، باعتبارها جهات غير مرتبطة بوزارة. أما بقيًة السلطات التي لم تحدد النصوص الدستورية ارتباطها بمجلس النواب أو مجلس الوزراء وتمارس مهام تنفيذية، واخضع الدستور قسم منها (لرقابة مجلس النواب) أو جعلها (مسؤولة أمام مجلس النواب)، فإنَّ مرجعيتها لمجلس الوزراء، ويكون لمجلس النواب حق الرقابة على أعمالها ونشاطاتها، وتكون مسؤولة أمام مجلس النواب شأنها شأن أية وزارة أو جهة تنفيذية غير مرتبطة بوزارة، سواء ذكر ذلك النص الدستوري أو لم يذكر تأسيسا على ما أورده من نصوص تعطي حق الرقابة لمجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية[1].

هذا بالنسبة إلى المخالفات الدستورية، أما بالنسبة إلى المخالفات القانونية فتتنوع هذه المخالفات، إذ يخالف الأمر الديواني جميع القوانين الصادرة من مجلس النواب المتعلقة بالهيئات المستقلة، ويمكن إجمال بعض هذه المخالفات بالآتي:

1- مخالفة الأمر الديواني بتأسيس مجلس رؤساء الهيئات المستقلة لقانون المفوضية العليا لحقوق الانسان رقم (53) لسنة 2008 المعدل، إذ تنص المادة (2) منه على ارتباط المفوضية بمجلس النواب وتكون مسؤولة أمامه، كما أنَّ المفوضية قد تم تأسيسها بالاستناد المبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان (مبادئ باريس) والتي من بين أهم بنودها (عدم الارتباط بالحكومة)، ويصار سنوياً إلى توجيه (20) سؤالاً إلى المفوضية عن (مدى ارتباطها أو خضوعها لمجلس الوزراء)، لذا فإنَّ إبقاء الأمر الديواني أعلاه سيترتب عليه إعادة تصنيف المفوضية من الدرجة (ب) ونقلها إلى الدرجة (ج)، وما يترتب على ذلك من تأليب الراي العام الدولي ضد الإجراءات الحكومية.

2- مخالفة الأمر الديواني لقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019، إذ تنص المادة (1) من القانون على ارتباط المفوضية بمجلس النواب، فضلاً عن أنه تم انتخاب أحد القضاة المنتدبين من مجلس القضاة لرئاسة المفوضية ومجلس المفوضين وفق المادة (6) من القانون، ويترتب على تطبيق الأمر الديواني أعلاه اخضاع عمل المفوضية ذات العلاقة بالانتخابات النيابية المبكرة لرقابة وإشراف السلطة التنفيذية ممثلة برئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء، ناهيك عن الشبهات التي من الممكن إثارتها وبالأخص فيما يتعلق بتدخل الحكومة وهيمنتها على الشأن الانتخابي، مما قد يعطي انطباعات مضادة لدى الراي العام عن احتمالية تزوير الانتخابات أو التلاعب بها، وهو الأمر الذي يتوجب معه الإسراع بإلغاء الأمر الديواني بتشكيل مجلس رئاسة الهيئات المستقلة، وإزالة المخالفة الدستورية الحاصلة.

3- مخالفة الأمر الديواني لقانون هيئة الاعلام والاتصالات الصادر بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (65) لسنة 2004، الذي يوجب تعيين رئيس وأعضاء مجلس الأمناء من قبل مجلس النواب باعتباره بدرجة وزير وفقاً للقسم (4/1/ه)، لذا فإنّ اشراك رئيس الهيئة وأعضاء مجلس الأمناء في مجلس رئاسة الهيئات المستقلة قد يفهم منه رغبة الحكومة في السيطرة على القرارات الصادرة من هذه الهيئة وبضمنها قرار تجديد شركات الهاتف النقال التي سبق للقضاء العراقي أنْ قضى بإلغائها، مما قد يحمل مجلس الوزراء المسؤولية القانونية التبعية في حالة بقاء الأمر الديواني أعلاه دون إلغائه.

4- مخالفة الأمر الديواني قانون البنك المركزي العراقي رقم (56) لسنة 2004 الذي يُعد بدرجة وزير، كما تنص المادة (2) من القانون بعدم تلقي البنك المركزي أي تعليمات أو توجيهات من أي جهة بما في ذلك الجهات الحكومية، كما يتوجب وفق المعايير الدولية لرسم السياسة النقدية عدم ارتباطه بأي من السلطتين التشريعية والتنفيذية، لذا فإنَّ اخضاع محافظ البنك المركزي وربطه بمجلس رؤساء الهيئات المستقلة يتعارض مع الاستقلال المالي والإداري المنصوص عليه في قانون البنك المركزي.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل (70) نائب من أعضاء مجلس النواب في تقديم طلب إلى رئيس مجلس النواب لغرض إلغاء الأمر الديواني بتأسيس مجلس رؤساء الهيئات المستقلة[2]، غير أنَّ المخالفات الدستورية والقانونية لمجلس الوزراء فيما يتعلق بهذا الموضوع لا زالت مستمرة لغاية يومنا هذا، ولم يصار إلى اتخاذ أي إجراءات بهذا الصدد، إذ اكتفى رئيس مجلس النواب بالإيعاز بإعداد صيغة قرار نيابي لإلغاء الأمر الديواني أعلاه.

وبهذا المسلك المحايد يتضح لنا عدم نجاعة الإجراءات النيابية المتخذة من رئيس مجلس النواب عن الانتهاك الدستوري المتعلق بتأسيس مجلس رؤساء الهيئات المستقلة المرتكب من الحكومة.

وللتدليل على هذا ضعف الاجراء النيابي فإننا نشير إلى موقف رئيس مجلس النواب الأسبق (أسامة النجيفي) حين أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم 88/اتحادية/2010 في 18/1/2011 الذي أعطت فيه الضوء الأخضر لرئيس مجلس الوزراء آنذاك بربط الهيئات المستقلة التي لم يحدد الدستور ارتباطها بمجلس الوزراء، إذ اضطرت الحكومة نتيجة الضغط النيابي والشعبي الذي قاده رئيس مجلس النواب آنذاك إلى تصحيح المسار الدستوري الخاطئ الذي اتجهت صوبه الحكومة للهيمنة على الهيئات المستقلة، واليوم يكرر رئيس مجلس الوزراء الانتهاك الدستوري الصارخ الذي يشكل خروجاً على إرادة الإباء المؤسسين الذين قاموا بكتابة دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وانتهاكاً للحجية الملزمة والباتة لقرارات المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة (94) من الدستور.

وبناء على ما تقدم فإننا ندعو إلى ضرورة اتخاذ العديد من الإجراءات من أجل إلغاء الأمر الديواني أعلاه وإيقاف الانتهاكات المتكررة لمجلس الوزراء العراقي، والتي نجملها بالآتي:

1- ندعو رئيس الجمهورية باعتباره رمز وحدة الوطن والساهر على ضمان الالتزام بنصوص الدستور وفق المادتين (50) و(67) من دستور جمهورية العراق إلى توجيه بيان أو رسالة أو كتاب إلى رئيس مجلس الوزراء بإلغاء الأمر الديواني رقم (3) لسنة 2020 المتعلق بمجلس رؤساء الهيئات المستقلة كونه يتعارض مع نصوص الدستور والقوانين النافذة.

2- ندعو رئيس وأعضاء مجلس النواب العراقي إلى تقديم استجواب تحريري إلى رئيس مجلس الوزراء وتوقيعه من (26) نائب وفقاً لأحكام المادة (61/سابعاً/ج) من الدستور، وذلك لغرض محاسبته عن إصدار هذا الأمر الديواني والإجابة على التهم التي ستوجه ضده عن أسباب عدم الالتزام بنصوص الدستور وانتهاك استقلال الهيئات المستقلة.

3- ندعو الأمم المتحدة إلى ممارسة دورها فيما يتعلق بحماية المفوضية العليا لحقوق الانسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والطلب من رئيس مجلس الوزراء بالعدول عن الأمر الديواني والغائه، كونه سيترتب عليه استهجان الراي العام الدولي وإخراج العراق من التصنيف الحالي الذي يشغله وفق المعايير الدولية قدر تعلق الأمر بهاتين الهيئتين المستقلتين.

4- ندعو الراي العام والشعب العراقي إلى ممارسة القرابة الشعبية على أعمال مجلس الوزراء باعتبار الشعب مصدر السلطات وشرعيتها وفق المادة (5) من الدستور، وبالأخص في ظل التراخي الحاصل من مجلس النواب في إيقاف الانتهاكات الدستورية المتكررة من الحكومة، وكذلك التمادي من مجلس الوزراء في انتهاك الدستور وضربه عرض الحائط.

5- ندعو الإعلام العراقي إلى ممارسة دوره في النقد البناء وعلى غرار موجهة الاستياء الإعلامي التي لاحت في الأفق العراقي عند قيام رئيس مجلس الوزراء السابق (عادل عبد المهدي) بتشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، وذلك لتماثل المخالفتين أعلاه.

 

[1] – جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا (إنَّ ارتبـاط بعـض الهـيئات المستقـلـة بمجلس النواب لا يحـول دون إشـراف مجلـس الـوزراء على نشاطـها طبقـاً للمـادة (80/اولاً) مـن الدستــور أما الهيـئـات المستقلـة المرتبطـة بمجلـس الـوزراء أو التي لم يحدد الدستـور جهـة ارتباطهـا وتمـارس مهام تنفـيذية فان مرجعيتها لمجلس الوزراء).

[2] – ينظر كتاب النائب احمد علي الكناني المرقم 895 المؤرخ في 8/12/2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *