ترجماتسلايدر

تقوية حكومة الكاظمي (الجزء الثاني) مكافحة إعلام الميليشيات

معهد واشنطن/ بلال وهاب – زميل معهد واشنطن ضمن برنامج فاغنر 16/7/2020

ترجمة: ضحى الخالدي

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

الجزء الاول كان عن الحماية والأمن لمايكل نايتس.

الدولة العراقية تخسر الحرب الإعلامية مع المجاميع المعارضة لسيادتها و المستفيدة من انعدام الاستقرار المستمر, لذا فإن على بغداد و واشنطن تكثيف الرسائل المضادة الخاصة بهم.

(إقرأ الجزء الاول الذي يتحدث عن قضايا الحماية والأمن)

   يتمتع العراقيون حالياً بمستوى من الحرية الإعلامية لامثيل له في العالم العربي.  حتى الآن تعمل الدول المجاورة تحت بروباغندا الدولة (الدعاية الحكومية), العراق يحارب بروباغندا إعلامية مختلفة  ضد الدولة تابعة لميليشيات عدوة.

عند تصفح القنوات التلفزيونية العراقية ، من المرجح أن يخلص المرء من سوء الفهم بأن الجمهور مهووس بـ “مقاومة أمريكا” وإجبار 5000 جندي أمريكي متمركزين هناك للمساعدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الرحيل.

ومع ذلك ، فإن حفنة فقط من هذه الشبكات التي تزيد عن 100 تعكس ما تكشفه بيانات الاستطلاع والمحادثات الشخصية مع العراقيين كأولويات حقيقية للجمهور: التخفيف من وباء COVID-19 ، والنجاة من الأزمة المالية ، والتمتع ببضعة ساعات إضافية من الكهرباء وسط الصيف الحارق الحرارة. ولا أحد يسمع صوت الدولة العراقية في هذا التناغم الإعلامي للميليشيا.

في الحقيقة, تم تسهيل الدور الضخم الذي تلعبه الميليشيات الآن في العراق من خلال الانتشار الواسع لوسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تروج لفضائل هذه الجماعات المسلحة ، وتتجاهل سلوكها المزعزع للاستقرار ، وتزاحم الأصوات الوطنية العراقية ، وتشوه أي أصوات معارضة.

على سبيل المثال في 6 تموز-يوليو جريمة قتل المحلل العراقي هشام الهاشمي سبقتها حملة اغتيال شخصية مكثفة، وصفته منافذ مختلفة بأنه عميل أمريكي ووزعت قوائم الضرب (الهجوم) التي تضمنت اسمه.

بصورة مشابهة فإن أجهزة الإعلام التابعة للميليشيات واحزاب سياسية معينة قامت بشكل منهجي بإدانة (شجب) المتظاهرين الذين بدأوا يتظاهرون ضد الفساد والانتهاكات الحكومية الاخرى في تشرين الاول-اكتوبر الماضي. من خلال وصفهم (بأبناء السفارة –الاميركية) وغيرها من الأسماء المهينة, هذه المنافذ سعت إلى تبرير حملة قمع أدت إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإعاقة آلاف آخرين. إذا تركت دون مراقبة,  فإن هذه البيئة الإعلامية ستجعل من شبه المستحيل على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الجديدة كبح جماح الميليشيات أو معالجة المشاكل الملحة الأخرى في البلاد بشكل ملائم.

الميليشيات تهيمن على المشهد الإعلامي:

لقد خلقت السياسات التنافسية المحتدمة في العراق مشكلة إعلامية: أصبحت الجماهير الساخرة المتزايدة تنظر إلى الكثير من صحافة الأمة على أنها ليست أكثر من التشويش الحزبي. وقد أدى هذا الشعور إلى تفاقم عدم الثقة العامة بالفصائل السياسية إلى درجة تعرض العديد من مكاتب الأحزاب في جميع أنحاء البلاد للنهب خلال احتجاجات العام الماضي.

ومع ذلك ، تستمر وسائل الإعلام الحزبية لأن الفصائل السياسية تعتبرها جزءًا لا يتجزأ من رعاية شبكات المحسوبية الخاصة بها وإعداد الأرضية لدورات انتخابية. لم تعد الأخبار الهامة التي تستحق النشر هي عتبة التغطية على هذه الشبكات ، ناهيك عن أي شعور بالمسؤولية عن الإبلاغ عن جهود الدولة لتنفيذ الوظائف الأساسية مثل ضمان السيادة الإقليمية واحتكار السيطرة على الأسلحة العسكرية.  على سبيل المثال, الشهر الماضي, قام جهاز مكافحة الارهاب بحركة غير مسبوقة بمواجهة ميليشيا قوية مدعومة من إيران, حيث داهمت قاعدة تدار من قبل كتائب حزب الله المصنفة إرهابياً من قبل الولايات المتحدة و استولت على أسلحة تستهدف مركز الحكومة. حتى استجابة الإعلام المحلي كانت صمتاً افتراضياً سواءً نتيجة الخوف أو لمؤامرة رهيبة داخل النخب الحزبية التي تفضل بيئة خارجة عن القانون يستطيع فيها فسادها أن يستمر.

في هذه الأثناء, فإن الأذرع الإعلامية للحكومة في وضع مزرٍ. عندما ألغت سلطة الولايات المتحدة وزارة الإعلام التابعة لعهد صدام بعد غزو 2003, استبدلتها بهيئة الإعلام و الاتصالات التي استولت عليها نفس الاحزاب السياسية التي أتقنت فن نحت المناصب (المفاسد الحكومية). مؤخراً توظف الهيئة أكثر من 5000 موظف و تشرف على عدد من المنافذ الإعلامية مثل جريدة الصباح و تلفزيون العراقية. و مع ذلك يبدو أنها خارجة عن جامعتها مقارنةً بمنافذ الميليشيات الأكثر عدداً, و حتى انها تنسى أحياناً لمن يفترض أن تقدم خدماتها. في نيسان- ابريل, على سبيل المثال, قطعت العراقية برامجها العادية من أجل بث مباشر من 25 دقيقة لخطاب قيس الخزعلي, قائد ميليشيا عصائب أهل الحق المصنف إرهابياً من قبل الولايات المتحدة, و الذي انتقد أميركا و الحكومة العراقية, كلاهما.

جاء رئيس الوزراء الكاظمي من خلفية صحافية و جلب معه فريقاً إعلامياً قوياً حين استلم المكتب في أيار-مايو. لكن حكومته تحتاج بذل المزيد من الجهد لتذكير منافذ الدولة بمن تمثله وتوسيع صورة أنشطة وسائل الإعلام الحكومية. بالنسبة لكثير من العراقيين فإن البرنامج الاسبوعي الساخر لأحمد البشير بذل جهداً أكبر لتعزيز الروح الوطنية العراقية مما فعلت وسائل الإعلام الحكومية.

تمويل وتنسيق بروباغندا الميليشيات:

بالرغم من تنوعها و احياناً تنافسها, فإن منافذ الميليشيات الإعلامية تشترك بطرق عمل متشابهة و عموماً تعمل بالترادف باتجاه نفس الأهداف العريضة (العامة): مكافحة (معارضة, محاربة) جهود الدولة للحد من الطائفية,  تطبيع الولاء لإيران, وشيطنة أي اتصالات مع الغرب. وقد دفع هذا التنمر العديد من المسؤولين العراقيين إلى الحد من -تقليص-اتصالاتهم مع المسؤولين الأمريكيين.

خلال الحملة الانتخابية 2018 فإن هذه الماكنة الاعلامية أكدت على دور الميليشيات في النصر العسكري على داعش بينما قللت من شأن الدور الحيوي الذي لعبته القوات الأمنية العراقية و شركائهم الدوليين. بالمقارنة, فإن الإعلام الحكومي فعل القليل لتضخيم بطولة جهاز مكافحة الإرهاب و بقية القوى.

لم يكن مفاجئاً, عندما تم فرز الأصوات, أن تزيد عصائب أهل الحق عدد مقاعدها البرلمانية من مقعد واحد الى 14, معززةً الى درجةٍ كبيرةٍ من هيمنتها السياسيو و الإعلامية. التظاهرات الكبيرة و COVID-19 فقط سرَّع هذا الاتجاه ، حيث أغلقت الميليشيات مكاتبها ولكنها ضاعفت تواجدها الإعلامي.

من حيث التمويل, فإن قانون الحشد الشعبي 2016 أعطى غطاءً شرعياً للميليشيات الجامحة وسمحت لها بالوصول إلى عائدات الدولة. بحلول عام 2019, الميزانية التشغيلية للحشد الشعبي وصلت 2.16 مليار دولار, علاوةً على الموارد الإضافية التي كانت الميليشيات تستغلها عبر علاقاتها الحكومية و التهريب عبر الحدود.

تلعب إيران دورًا حاسمًا في جهود الميليشيات الإعلامية أيضًا. بالإضافة إلى توفير الأموال الأولية للعديد من المنافذ المعنية ، فإنها تساعد على تنسيق رسائلها من خلال اجتماعات منتظمة مع مديري الشبكات العراقية في اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي ومقره طهران. في أيار –مايو- , على سبيل المثال, تفاخرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) بأن عشرين قناةً عراقيةً بثَّت خطاب القائد الأعلى علي الخامنئي في يوم القدس. عندما تقوم قنوات الميليشيا ببث هذا المحتوى ، تنشره مجموعة من “جيوش وسائل الإعلام الاجتماعية” عبر منصات متعددة ، وتدفع أعلى دولار لتعزيزه عبر الإنترنت.

وكان من الآثار الضارة الأخرى لهذه الممارسات تحدي السلطة الدينية والقومية لآية الله علي السيستاني مع تعزيز روايات خامنئي. وهذا يشمل تقويض فتوى 2014 التي طلب فيها السيستاني من العراقيين “عدم تشكيل ميليشيات مسلحة” وحثهم على الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية بدلاً من ذلك. على حد تعبيره ، “يجب أن تكون جميع الأسلحة تحت سلطة الدولة”.

قائمة مهام العراق:

حكومة الكاظمي تمتلك رسالة وطنية قوية تلقى صدى لدى الجمهور ، ولكن هذه الرسالة لن تكون ذات فائدة كبيرة إذا لم يتم توصيلها بشكل جيد أو أغرقتها آلة الدعاية المليشياوية. الإعلام المضاد للكاظمي قد أظهروا بالفعل أنه يمكنهم عرقلة حتى جهود الإصلاح المتواضعة – مؤخراً, على سبيل المثال, أثاروا احتجاجات شعبية ضد تدابير التقشف حسنة النية. إن شبح الاحتجاجات التي لا تنتهي والاحتجاجات المضادة يؤدي فقط إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في العراق ويتحيز الى أحزاب الميليشيات المسلحة.

لذا فإن تحديد التوقعات الصحيحة أمر بالغ الأهمية. لا يمكن للحكومة أن تستمر في الإفراط في تقديم الوعود ، وعدم الوفاء بها ، وإرسال إشارات مختلطة, كما فعلت عندما اعتقلت مسلحي كتائب حزب الله ولكن بعد ذلك أطلق سراحهم بشكل مخزٍ و سلَّمتهم لعهدة الميليشيات.

فيما يخص البروباغندا المضادة, يمتلك الكاظمي سلطةً تنفيذيةً واسعة لتطبيق القانون, ترخيص اللوائح, و تدقيق الحسابات المالية التي يمكن أن تحد من التحريض المتدفق من العديد من منافذ الميليشيات و الأحزاب السياسية. ويشمل ذلك مقاضاة خطاب الكراهية وفقًا لقوانين مكافحة الإرهاب العراقية وأجزاء أخرى من قانون العقوبات. إصلاح حاسم آخر سيكون لتنظيم أفضل لتمويل الأحزاب السياسية, الميليشيات, و تكتلاتهم الإعلامية.

بالإضافة الى ذلك, يحتاج الكاظمي الى تنظيف البيت في وكالات الإعلام الحكومية, استبدال المسؤولين الموالين للفصائل التي وظفتهم بدلاً من العراق (مثلاً المسؤولون الذين يديرون هيئة الإعلام و الاتصالات هم من بقايا حقبة المالكي من حزب الدعوة الإسلامية). تحتاج المنافذ الحكومية كذلك الى أن تتوقف عن الخجل من وصف هجمات الميليشيات الصاروخية و و الإغتيالات على انها أعمال إرهابية.

أخيراً, فإن المكاتب الإعلامية التي صدر الامر بإغلاقها خلال تظاهرات العام الماضي يجب أن يسمح لها بإعادة فتح أبوابها, بما في ذلك شبكة الحرة الممولة من الولايات المتحدة و الشبكة الكردية العراقية تلفزيون و راديو ناليا (NRT).

قائمة مهام واشنطن:

بالرغم من أن حكومة الولايات المتحدة يجب أن تبقى بشكل لا لبس فيه داعمةً للخطاب و الاعلام الحر في العراق, فإنها تستطيع أن تبقى مساعدة لبغداد في مكافحة بروباغندا الميليشيات, تدعم السيادة العراقية, و تحمي العلاقات الأميركية-العراقية. إن فعل ذلك له أهمية خصوصاً الآن لأن الحوار الاستراتيجي الثنائي بين الجانبين يتم استئنافه.

المساعدة الأميركية يمكن أن تكون فاعلة بشكل خاص على مواقع التواصل الاجتماعي. السلطات العراقية و الأميركية يجب أن تنسق جهودها نحو إنكار روايات الميليشيات الكاذبة على نحو سريع و بشكل مطلق, فضحها عبر الإنترنت ، والإبلاغ عن الحسابات ذات الصلة لإغلاقها. على سبيل المثال, الخزعلي يحتفظ بحساب تويتر فعّال بالرغم من انه مصنَّف كإرهابي لدى الولايات المتحدة, كذلك هو الحال مع قادة الميليشيات الآخرين الذين يستخدمون المنصات للدعوة الى مهاجمة أهداف أميركية و عراقية.

من المؤكد أن الولايات المتحدة قد أنفقت بالفعل الكثير من رأس المال والعمل على بناء القدرات الإعلامية والمواهب في العراق ، فقط لرؤية الكثير منها ينتقل إلى منافذ الحزب والميليشيات التي تدفع أفضل وتوفر الحماية.

في المشهد اليوم ، سيكون النهج الأفضل هو زيادة تدفق الحقائق والأخبار ذات المصداقية التي تقدمها المنافذ التي تمولها الولايات المتحدة للجماهير العراقية. لقد كانت الحرية فعالة بشكل متزايد على هذه الجبهة. كانت شبكة إرفع صوتك فعالة بالمثل في مواجهة خطاب الكراهية لداعش وستكون مناسبة بشكل جيد لتحدي بلاغة المليشيات. يجب أن يكون المسؤولون الأمريكيون أكثر استباقية في الظهور على وسائل الإعلام العراقية والتحدث مع الجمهور مباشرة. وأخيرًا ، يجب على واشنطن تقديم المشورة الفنية لفريق الكاظمي بشأن إعادة تنظيم وسائل الإعلام الحكومية ، مثل إعادة تجهيز قناة العراقية بصورة سي- سبان C-SPAN.

(انتهى)

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *