تحليلات واراءسلايدر

قراءة معمقة في مشروع قانون مناهضة العنف الأسري لسنة 2019

(الجزء الأول)

د. مصدق عادل

كلية القانون- جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

سبق وأنْ قام رئيس الجمهورية بإرسال مشروع قانون مناهضة العنف الأسري إلى مجلس النواب بموجب الكتاب المرقم 2335 في 15/9/2019، غير أنه لم يصار إلى تمريره والموافقة عليه من المجلس، وعلى الرغم من أنَّ قواعد العمل التشريعي توجب عدم إمكانية عرض مشروع القانون الذي سبق رفضه من مجلس النواب في الدورة الانتخابية ذاتها، غير أنه تكرر مشهد إحياء هذا المشروع مجدداً بقيام مجلس الوزراء بإقرار مشروع قانون مكافحة العنف الأسري وإرساله إلى مجلس النواب بتاريخ 4 اب 2020.

ومن إمعان النظر في نصوص المشروع الأول للقانون المرسل من رئاسة الجمهورية نجد أنه احتوى على العديد من الانتهاكات الدستورية والقانونية والاجتماعية، إذ تتمثل المخالفات الدستورية في مخالفة مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة المنصوص عليه في المادة (14) من الدستور، إذ لم يوازن مشروع هذا القانون بين الحقوق والواجبات المفروضة على الرجل والمرأة، إذ يهدف وفق المادة (2) منه إلى حماية الأسرة وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات من كافة أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي، وهذا تمييز لا مبرر له.

كما يُلاحظ مخالفة مشروع القانون للمادة (2) من الدستور التي تقضي باعتبار الإسلام الدين الرسمي للدولة، وعدم جواز إصدار قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام، فمن المعلوم أنَّ سلب بعض المزايا المتعلقة بسلطة الزوج أو الأب على الزوجة أو الأم أو البنت أو الأخت تشكل جزءً من ثوابت أحكام الإسلام، يستوي في ذلك فيما يتعلق بقوامة الرجل على المرأة، أو امتلاكه العصمة فيما لا يُخلّ بحدود الله والشرع الحنيف.

وبهذا فإنَّ مشروع القانون يحتوي بصورة ضمنية في ثنايا فلسفته التحول من معالم الدولة الإسلامية إلى معالم الدولة العلمانية (المدنية)، بسلب الحقوق الشرعية للرجل، يستوي في ذلك أنْ يكون الرجل زوجاً  أو أباً  أو اخاً عندما يجيز المشروع لأحد أفراد الأسرة ذكراً كان أم انثى إقامة الشكوى الجزائية والإخبار ضده، مما يشكل إجازة ضمنية من المشرع لمبدأ عقوق الوالدين المخالف للشرع الإسلامي عموماً، ولثوابت الشرع الإسلامي خصوصاً، وكذلك إجازة المشروع لمبدأ خروج الزوجة على طاعة زوجها في الأمور الخارجة عن الشرع والقانون والأعراف الاجتماعية.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل يتعداه إلى مخالفة المادة (29) من الدستور، التي تنص على انه (اولاً: الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية)، وسبب المخالفة يتمثل في أنَّ الغرض الظاهري لمشروع قانون مكافحة العنف الأسري يتعارض مع الترتيب الذي راعاه المشرع الدستوري في ترتيب أولويات هذه المادة، اذ قدَّم المشرع القيم الدينية والأخلاقية على القيم الوطنية، وهو الأمر الذي يفهم ضرورة انسجام هذه القيم مع الدين الإسلامي الحنيف المنصوص عليه في المادة (2) من الدستور، وليس كما ذهب إليه مشروع القانون بحذف جميع القيم المذكورة أو عدم الإشارة إليها، لذا فإنَّ مشروع القانون – في حالة إقراره من مجلس النواب- يبقى معيباً بعيب التعسف في استعمال السلطة فيما يتعلق بهدف القانون وغرضه، ويستوجب الطعن بإبطاله أمام المحكمة الاتحادية العليا.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ المادة (29/ثانياً) من الدستور تنص على انه (وللوالدين حق على أولادهم في الاحترام والرعاية)، وهو الأمر الذي لم نجد المشرع في قانون مكافحة العنف الأسري قد نص عليه، أو أشار اليه من قريب أو بعيد، إذ قد تكون المشاكل الأسرية أو العنف الأسري بسبب العقوق والرعاية والاحترام الواجب توفيره للوالدين.

وفضلاً عن ذلك يلاحظ أنَّ مشروع القانون يشكل انتهاكاً صريحاً لأحكام المادة (41) من الدستور التي تنص على أنَّ (العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون)، ومن الاطلاع على نصوص مشروع القانون نجد أنها تفرغ النص الدستوري من محتواه، وتشكل تحايلاً صريحاً على حرية الأحوال الشخصية للمواطن العراقي بمعزل عن انتمائه الديني أو المذهبي.

ومن ثم يمكن القول أنه بإقرار مشروع قانون مكافحة العنف الأسري فإنَّ مجلس الوزراء ومجلس النواب يعطلان نص المادة (41) من الدستور، ويمنعان إقرار قانون يضمن حرية العراقي في الالتزام بأحواله الشخصية، وهو الأمر الذي يمكن معه إثارة مخالفة ضمنية للمادة (13/ثانياً) من الدستور التي تقضي ببطلان أي نص يتعارض مع نصوص الدستور، ومن ثم يصار إلى الطعن به أمام المحكمة الاتحادية العليا للطعن بعدم الدستورية، وبالأخص إذا ما علمنا أنَّ مشروع القانون المذكور يتضمن تعديلاً دستورياً لنصوص الدستور المذكورة أعلاه دون سلوك الطرق المحددة للتعديل المنصوص عليها في المادتين (126) و(142) من الدستور.

كما يخالف مشروع قانون مكافحة التفكك الأسري المادة (46) من الدستور التي تنص على أنه (لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على أنْ لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية)، ومن ثم فإنَّ التقييد الجوهري لحق المساواة بين الرجل والمرأة، وكذلك انتهاك حرية اختيار الأحوال الشخصية تجعلنا نقرر البطلان المسبق لمشروع هذا القانون، للأسباب المذكورة أعلاه.

أما بالنسبة إلى المخالفات القانونية لمشروع قانون مكافحة العنف الأسري فيتمثل أولها في اعتبار الأخبار المقدم من الإخبارات السرية التي يحظر على الجهات القضائية والتحقيقية الكشف عنها أو تحديد هويتها، مما قد يبعث على إضفاء الحماية القانونية على بعض الشبهات الأخلاقية فيما يتعلق بالمخبر في العلاقات الجنسية غير المشروعة، وهو ما من شأنه إهدار الحماية الواجب توفيرها للضحايا والمجنى عليهم وفق فلسفة القانون، وليس خلق ظروف قانونية من شانها أنْ تسهل من عملية التحايل على القانون.

فيما يتمثل ثاني المخالفات في تعارض مشروع القانون مع أسباب الاباحة المستمدة من الشريعة الإسلامية والمنصوص عليها في المادة (41) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 التي تنص على انه (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق:1 – تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً  أو قانوناً  أو عرفاً)، إذ إنَّ تمرير مسالة جواز الإخبار من أي شخص، معناه الإلغاء الضمني للمادة أعلاه دون التصريح عن ذلك، مما يخل من القيمة الأدبية  أو العرفية للزوج  أو الاب الممنوحة له في مواجهة زوجته أو أولاده.

أما ثالث المخالفات فتتمثل بالنص صراحة في مشروع قانون مكافحة العنف الأسري أنه (لا يعمل بأي نص يتعارض وأحكام هذا القانون)، وهذا النص يطلق عليه الإلغاء الاعمى غير المدروس، والذي من شانه إلغاء المادة (41) من قانون العقوبات المذكورة أعلاه، فضلاً عن إلغاء جميع الظروف المخففة المنصوص عليها في جرائم غسل العار (قضايا الشرف العائلي) المنصوص عليها في المواد (409) من قانون العقوبات  التي تنص على انه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته  أو احد محارمه في حالة تلبسها بالزنا  أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال  أو قتل احدهما  أو اعتدى عليهما  أو على احدهما اعتداء افضى إلى الموت  أو إلى عاهة مستديمة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظروف المشددة).

فيما تتمثل رابع المخالفات القانونية أنه في الوقت الذي كرس فيه قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 حماية للروابط الأسرية كما في المادة (3/3) منه بعدم قبول الشكوى أو من المجنى عليه في السرقة أو الاغتصاب أو خيانة الامانة أو الاحتيال أو حيازة الاشياء المتحصلة منها إذا كان المجني عليه زوجاً للجاني أو احد اصوله أو فروعه، وكذلك الحال في المادة (68) من القانون فيما يتعلق بتحديد موانع الشهادة بين الأسرة الواحدة، نجد بالمقابل أنَّ مشروع قانون مكافحة العنف الاسري يحاول استكمال حلقات تدمير الأسرة العراقية.

وبالإضافة إلى ما تقدم فإنَّ مشروع هذا القانون يساهم في إضافة حقوق جديدة تفرض على عاتق الزوج أو الاب بالإضافة إلى الحقوق المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، لتشكل اختلالاً في عملية الموازنة بين الحقوق والواجبات الممنوحة لكل من الرجل والمرأة في إطار العلاقة الزوجية المقدسة، مع ما لهذا المشروع من تأثيرات جانبية متعددة على النفقة وحضانة الأطفال وغيرها.

وبهذا يتضح انَّ مشروع هذا القانون يساهم في تعميق التفكك الأسري، ويساعد على تشجيع حالات الانحراف الأخلاقي داخل الأسرة العراقية، مما يعني بالنتيجة عدم قيام الدولة بواجبها المنصوص عليه في المادة (29/اولاً) من الدستور المتمثل بحماية القيم الدينية والأخلاقية للأسرة العراقية، وذلك بسبب تشريع القانون المذكور.

ونرى أنه ليس بالإمكان الغاء تعديل نصوص قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 بطريق ضمني دون التعديل الصريح للمواد التي ذكرناها أعلاه، ومن قبل لجنة تعديل قانون العقوبات المشكلة في رئاسة الجمهورية وفي صورة مشروع صريح يقدم بذلك.

وبناء على ما تقدم ندعو مجلس الوزراء إلى تقديم مشروع قانون الأحوال الشخصية حسب المذاهب وفقاً لأحكام المادة (41) من الدستور بصورة متزامنة مع مشروع قانون الحماية من العنف الأسري وبالشكل الذي نضمن به المساواة المتكافئة في العلاقة الزوجية أو الابوية.

كما ندعو في الوقت ذاته مجلس النواب إلى ممارسة دوره في حماية الدستور والأسرة العراقية وثوابت أحكام الإسلام، وذلك برفض عرض وإدراج مشروع هذا القانون الجديد على جدول أعمال مجلس النواب لهذه الدورة الانتخابية للفصل التشريعي الحالي، وذلك انسجاماً مع التقاليد والأعراف البرلمانية التي تمنع عرض مشروع القانون الذي سبق رفضه من المجلس في نفس فصل الانعقاد التشريعي رغم التعديلات العديدة التي إدخالها على المشروع، وهو ما سيكون عنوان مقالتنا القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *