تحليلات واراء

مَنْ ألمستفيد من الفشل الاستراتيجي للسياسة الخارجية الامريكية و ما هي اسبابه

السفير الدكتور جواد الهنداوي
رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات وتعزيز القدرات
بروكسل في ٢٠٢٠/٤/٢٨
عندما تبدو الآن أعراض الفشل الاستراتيجي على السياسة الخارجية الامريكية ، هذا يعني بانها (واقصد السياسة الخارجية ) أُصيبت بداء الفشل منذ عقود ، ايّ منذ التنظير لها و رسمها من قبل مستشار الامن القومي و وزير الخارجية الامريكية ،السيد كيسنجر . لا أحد ينكر دور السيد كيسنجر في السياسة الخارجية الامريكية ، والتي استهدفت تفتيت الاتحاد السوفيتي ، و تثبيت و ترسيخ اسرائيل في المنطقة ، ولكن تبيّن الآن بأنَّ هذه الإنجازات كانت تكتيكيّة وليست استراتيجية في عوائدها او فوائدها على امريكا ، لقصرْ عمرها و لعقْمها: حَلّتْ روسيا و بقوة محل الاتحاد السوفيتي ،بعد ثلاثة عقود من اندثار الأخير ، كما أنَّ فلسطين لم تمتْ كقضية و اسرائيل لم تعشْ بسلام وبأمان في المنطقة كدولة ، وبعيدة عن نيّل صفة كيان مُهيمنْ على المنطقة .
ماهي ايضاً أعراض الفشل او نتائج الفشل ؟
استطاعت امريكا التخلّص من الاتحاد السوفيتي بتفكيكه جغرافياً و عقائدياً ( الحزب الشيوعي ) ، ولكن تفككهِ ساهمَ و سهّلَ في قيام و تطور و انتعاش روسيا عسكرياً و سياسياً ، و حررّها من أمراض الاتحاد السوفيتي وهي : الترّهل الجغرافي بتعدد الجمهوريات و بتكلفة اقتصادية عالية ، و الجمود او التخلف الاقتصادي ، و الانغلاق في النظام السياسي والسيادة المطلقة لفكر الحزب والمجتمع وعلى حساب حريات و حقوق الفرد .
روسيا أصبحت ، وبعد تحررها من الاتحاد السوفيتي ، اكثر خفّة و سرعة للمضي نحو التطور العسكري الصاروخي والنووي ، و نحو دور دولي اكثر جرأة و حضور من دور الاتحاد السوفيتي السابق .أُشبّه حالتها ( حالة روسيا) كشجرة تّمَ تقليمها وتنظيفها من أغصانها وأوراقها البالية ، و أُطلقَ العنان لها للتمدد في فضاء التطور و المكانة والدور الدولي .
وظّفت امريكا جهوداً كبيرة فكرية و دبلوماسية
واقتصادية و انفقت الكثير من اجل مشاريع سياسية و عسكرية فاشلة : مشروع احتواء ايران ،مشروع الشرق الأوسط الكبير ، حروبها المباشرة في أفغانستان و العراق وحروبها غير المباشرة من خلال توظيف الإرهاب والعملاء واستهداف أنظمة و دول .
ماهي نتائج هذا الفشل الاستراتيجي ؟
أولها واهّمها هو التسيّد السريع والهادئ للصين كقوة اقتصادية و مالية وعسكرية في العالم . لماذا تسيّد سريع و هادئ؟ أغتنمت الصين فرصة و نشوة الانتصار الامريكي على المعسكر الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفيتي ، و أغفلت امريكا جهود و مثابرة الصين ، وظّنت امريكا بأنَّ مصير الصين الشيوعية سيكون كمصير الاتحاد السوفيتي ودول اوربا الشرقية . (حول هذه النقطة انظر مقال للسيد منير شفيق /بتاريخ ٢٠٢٠/٤/٢٥، في العربي ٢١) . كان مسار الصين للتسيّد هادئاً ،تاركة الولايات المتحدة الامريكية تُسخّر كل طاقتها نحو حروب و تدخلات ،دون مشاكسة او اعتراض غليظ و مُلفت من جانبها ( من جانب الصين ) ، وكأنَّ الصين لم تكْ دول عظمى وعضواً في مجلس الامن .
لم تعدْ امريكا تحتكر الأولوية في العالم و الهيمنة المطلقة عليه ، و عوامل أخرى ساهمت في فقدان امريكا لكثير من هيبتها و مكانتها الدولية على الصعيد السياسي والأخلاقي والإنساني : سلوكية الرئيس ترامب ،عنصريته ، جشعه للمال ، تجردّه من صفات رجل دولة عظمى .
ماهي اسباب الفشل الاستراتيجي للسياسة الخارجية الامريكية ، والذي عَرضنا في ما تقّدم أوجهه ونتائجه ؟
القدرات والإمكانيات العسكرية والاقتصادية والنقدية لأمريكا تُغريها بالمجازفة و المغامرة و تجعلها على ثقة بالانتصار في الحروب . والقول المنسوب الى كيسنجر و مفاده ” ان امريكا تربح حروبها بفضل الموارد والقدرات التي لا تنضب ، وليس بفضل الاستراتيجيات المتقدمة” خير دليل على ترجيح القوة والاستبداد والغطرسة على منطق الحكمة والتفكير والاستراتيجية .
وشهدت امريكا ، وفي عهد الرئيس ترامب ، انحسار واضح او غياب لسياسة خارجية و أسس لعلاقات دولية سليمة .
وجهّت امريكا استراتيجياتها و وظّفت سياستها الخارجية نحو الشرق الأوسط حيث مصلحة اسرائيل .
وأصبح امن وهيمنة اسرائيل هي الأولوية المطلقة للسياسة الخارجية الامريكية ، فانشغلت امريكا بأثارة الفتن والحروب والاقتتال الطائفي في المنطقة ، و وظّفت الإرهاب و دعمته لاسقاط أنظمة معادية لاسرائيل . انشغلت امريكا ايضاً بمراعاة شركات ولوبيات التسليح ، و ايجاد أسواق لتصريف واستهلاك السلاح ، وكانت منطقتنا خير ميدان للشراء وللتجارب وللاستخدام .
لم تكْ ايران المستفيد الوحيد من الفشل الاستراتيجي للسياسة الخارجية الامريكية ، المحور الآسيوي بدوله ( روسيا والصين والهند و سوريا ) ، و بحركاته المقاومة والأخرى قطفوا ثمار الفشل الامريكي .
خشيت وتخشى امريكا على هيمنتها و مجدها من منافس ، تؤهلهُ احدى القارتيّن : إمّا اوربا و إمّا آسيا .
كلاهما مصانع الحضارات واحداها ( آسيا) مهدها و نواتها ( واقصد الحضارات ) ، و هاهي الصين تنافس امريكا و ايران تتحداها .
هل تجدُ امريكا ضالتها في وباء كورونا و نتائجه للحيلولة دون ذلك ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *